الأكفان لا تملك جيوباً…
قرأت منذ أيام عن وفاة إنيغفار كامبراد الملياردير السويدي الجنسية، مؤسس ومالك شركة إيكيا للأثاث، وقد ترك وراءه ثروة تقدر بستين مليار دولار. رغم أنّه كان يعيش في بيت صغير، ويسافر على الدراجة الاقتصادية، ويلبس ثياباً مستعملة ومع هذا كلّه فارق الحياة خالي الوفاض.
ذكر ويل ديورانت في كتابه الرائع قصة الفلسفة أنّ الفيلسوف اليوناني سقراط سأله أحدهم أثناء دفاعه عن نفسه أمام المحكمة التي حكمت بإعدامه عن أعزّ أمنية لديه فقال: أن أصعد إلى أعلى مكان في أثينا وأنادي بأعلى صوتي قائلاً: أيّها الرفاق: لماذا تتهالكون على جمع المال، وتفنون أعزّ سنين حياتكم في عبادة الذهب .. سقراط لم يمضِ طيلة حياته بجمع المال ليخلّده التاريخ، بل كان هاجسه الأول والأخير ينصبّ في رقي الإنسان وإنارة درب البشرية..
وقد يقول قائل: أعيش غنياً وليأتِ من بعدي الطوفان. فالطوفان لا ينتظر موت أحدنا فقد يأتي ويجرفنا ونحن على قيد الحياة فدنيانا غير آمنة.
ولو كان الغنى يرفع الناس ما خُسف بقارون، وما ذاق النمرود طعم الموت من ذبابة دخلت منخره وأودت بحياته.
مَن قال إنّ الثروة تقدّر بالمال، فالعقول كالمال أرزاق أيضاً. فالخوارزمي كان ضليعاً في الرياضيات، ووعباس بن فرناس قدّم للبشرية فكرة الطيران، ونيوتن اكتشف قانون الجاذبية، بما اخترعوه أوصلوا البشرية إلى شاطئ الأمان وقد خلّدهم التاريخ وليس بما يملكونه من مال وثروات…
وكم من مفتقد نعمة أو حاسة وأبدع أكثر من مالكها. بيتهوفن كان يعزف وهو أصم، وبشار بن برد كان يصف الأشياء كما لو أنّه يراها. كن مع نفسك، واصلح حالك حتى تصل لمبتغاك فتسكنك السعادة كما الأعياد. فليست السعادة بجمع المال. فهذه الدنيا ليست دار إقامة، إنما محطة عبور، والموت ليس ضدّ الحياة وإنما جزء منها فلا تتقاطر بشحيح العلوم، إنما ابحث عن ذاتك فنظرتنا لأنفسنا هي التي تحدد قيمتنا في الحياة فرق كبير بين من يجد نفسه جامع البراغي في عُلب وبين من يرى نفسه شريكاً في صنع الطائرة. فالتاريخ يخلّد أعمالك وليس أموالك.
سليمان القانوني أحد أعظم السلاطين في التاريخ أوصى وهو على فراش الموت قائلاً: إذا أنا متُّ فأخرجوا يديّ من التابوت ليعلم الناس أنّه حتّى السلطان خرج منها فارغ اليدين…
الغاية من سوق المثال ليس مدحه بمقدار ما هو إناطة مطايا الكلام عند باب مفارقة الحياة وأننا راحلون كما أتينا صفر اليدين…
صباح برجس العلي