إلى أيّ مدى سيتصاعد العداء بين تركيا وأميركا؟ وماذا يخبرنا التاريخ عن الأمر؟

مروة عبدالله

نشر موقع «ستراتفور» الأميركي تقريراً كتبه سنان سيدي يتناول آخر تطورات العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، إذ يعتقد أن علاقة الشراكة الاستراتيجية التي انتعشت طوال عقود، يبدو أنها شارفت على الإنتهاء بعد وصولها إلى ما يوصف بـ«نقطة أزمة». ويتساءل هل ستتمكّن الأجيال القادمة من عكس الاضمحلال الذي مرّ بعلاقة البلدين، إن كان عكسه ممكناً في المقام الأول؟

يستهل الكاتب تقريره بذكر ما قاله ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي مؤخراً، والذي لطالما فكّر فيه الكثير من المحلّلين منذ فترة طويلة: «أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة وصلت إلى نقطة أزمة»، ويعتقد الكاتب أن حدّة الأزمات التي تعصف بالشراكة الاستراتيجية تزداد بين البلدين، لا سيما بعد اتخاذ كل من واشنطن وأنقرة منهجين متباينين إزاء الحرب الأهلية في سورية، إلّا أن السبب في تراجع العلاقات الأميركية ـ التركية تجاوز مجرّد الخلافات السياسية المطوّلة بين البلدين، إذ يتمثل في فقدان أساسي للثقة بين البلدين.

الجدير بالذكر أن الزيارات التي قام بها كبار موظفي الحكومة الأميركية، بمن فيهم تيلرسون وماكماستر، مستشار الأمن القومي، خلال الشهر الحالي، لم تتناول سوى الصدع المتزايد بين البلدين، وعلى الرغم من أن المسؤولين من كلا الجانبين يؤكدون مراراً على قيمة التحالف في كل فرصة عامة، فإن التحدّيات التي تواجه البلدين قد تكون كبيرة جداً بدرجة لا يمكن التغلّب عليها.

تحالف نفعي

إن الشراكة بين البلدين ازدهرت في مجال التعاون الأمني على مدى العقود السبعة التالية للحرب العالمية الثانية، مرتكزة على إمكانية التنبؤ، ومستوى الثقة العالي بين العسكريين والدبلوماسيين ورؤساء الدول.

يقول الكاتب إن الروابط الاستراتيجية التي نشأت بين الولايات المتحدة وتركيا تشكّلت إلى حدّ كبير كنتيجة ثانوية للحرب الباردة. ففي الفصل الأخير من الحرب العالمية الثانية، راقبت الحكومة في أنقرة بقلق مطالب الاتحاد السوفيتي الإقليمية من تركيا، فلجأت إلى النظام الدولي الليبرالي الناشئ والتحالف عبر الأطلنطي ـ بالأساس ـ بهدف تجنّب التحرير الذي شنّته جيوش جوزيف ستالين، فعمل الرئيسان الأميركيان هاري ترومان ودوايت أيزنهاور بدورهما على ضمّ تركيا إلى الناتو، بالأساس، لمنع انتشار النفوذ السوفيتي إلى البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن هدفهما لتأمين الأصول العسكرية والاستخباراتية على عتبة الاتحاد السوفيتي.

يضيف الكاتب أن الشراكة بين البلدين ازدهرت في مجال التعاون الأمني على مدى العقود السبعة التالية، مرتكزة على ما يصفه بإمكانية التنبؤ، ومستوى الثقة العالي بين العسكريين والدبلوماسيين ورؤساء الدول. إلّا أن هذا التحالف نال حظه من الاضطرابات خلال تلك الفترة، فعلى سبيل المثال، بعد توغل تركيا في قبرص عام 1974، فرضت الولايات المتحدة حظراً على توريد الأسلحة إلى تركيا، علاوة على زيادة الشعور بالخيانة لدى أنقرة بعد تخطيط واشنطن سحب صواريخها النووية من تركيا خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

أمّا في الآونة الأخيرة، وأثناء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، رفضت تركيا السماح بنشر الجيش الأميركي على أراضيها، ما أزعج القادة على جانبي الأطلنطي، كما انتقدت أنقره سياسة بوش «إما معنا أو ضدنا»، بينما شكك البنتاغون في مدى مصداقية تركيا والاعتماد عليها حليفاً، بيد أن الجانبيْن تمكنا من العمل على حل خلافاتهما خلف الأبواب المغلقة، وإيجاد حلول مقبولة للطرفين، ويستطرد الكاتب قائلًا: «إلّا أن هذه العملية لم تعد تجدي نفعاً اليوم، فقد أنهت الحرب الأهلية السورية هذه الطريقة في حلّ خلافاتهما».

تضارب المصالح

يستند موقف الرئيس التركي في سورية إلى حدٍّ كبير على كيف ستنعكس تحرّكاته على أصوات الناخبين في تركيا.

يعتقد الكاتب أن عدم قدرة الولايات المتحدة على صياغة سياسة واضحة بشأن الصراع، وفي الشرق الأوسط بشكل عام، شجع القوى الإقليمية مثل تركيا وروسيا وإيران على السعي وراء مصالحها الوطنية، وفي الوقت نفسه، أدّى صعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى تفاقم التوترات بين واشنطن وأنقرة.

فبينما ركّزت الولايات المتحدة على القضاء على الجماعة الجهادية، اعتمدت على الميليشيات الكردية مثل وحدات حماية الشعب لمساعدتها في القتال ضدّ تلك الجماعات، إلّا أن دعم واشنطن لمليشيات الأكراد صار مخيّباً للآمال، ومصدراً للخلاف بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظراً لأن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية منظّمة إرهابية.

علاوة على ذلك، شعرت أنقرة بأن إعطاء الولايات المتحدة الأولوية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ودعم مبادرة إنشاء دولة كردية على طول الحدود الجنوبية لتركيا فيه تجاهل متعمد للمخاوف الأمنية التركية، وبالتالي تمثّل الردّ التركي على ذلك في تركيزها بشكل متزايد على أهدافها الخاصة ضدّ أهداف الولايات المتحدة الأميركية، ففي سورية ركّزت جهودها على إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، وفي الوقت نفسه ألقت بثقلها خلف الجماعات المتطرّفة في سورية من أجل القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية.

يضيف الكاتب أنه منذ تولّي الرئيس دونالد ترامب مهام منصبه في كانون الثاني 2017، تفاقم التباين بين الموقفين التركي والأميركي حول الوضع في سورية، إذ دفع قرار واشنطن بتقديم أسلحة ثقيلة ودعم لوجستي لقوّات وحدات حماية الشعب الكرديّة أردوغان إلى تلطيف العلاقات مع روسيا، ما أدّى بطبيعة الحال إلى إثارة فزع الولايات المتحدة.

إضافةً إلى إثارة تركيا غضب المسؤولين الأميركيين وحلف شمال الأطلنطي من خلال إعلان نيّتها الراسخة لشراء نظام الدفاع الصاروخي من طراز «Sـ400» الروسي، والذي لا يتماشى مع تكنولوجيا دول حلف الأطلنطي. فضلاً عن أنه تعين على أنقرة الحصول على إذن من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإطلاق عملية غصن الزيتون، وهي الهجوم التركي على منطقة عفرين في سورية بهدف القضاء على وحدات حماية الشعب الكرديّة، فلم تقدّم تلك التحرّكات شيئاً في سبيل تسهيل الأمور بين تركيا والولايات المتحدة.

لكن الكاتب يعتقد أن سياسة أردوغان الخارجية الحازمة هي الأخرى لم تنجح في تسهيلها، إذ يستند موقف الرئيس التركي في سورية إلى حدٍّ كبير على كيف ستنعكس تحرّكاته على أصوات الناخبين في تركيا، ومع ترشّحه مجدداً في الانتخابات القادمة ليصبح أول رئيس تنفيذي لبلده، فإن حصوله على موافقة الناخبين الأتراك يحظى بالأولوية القصوى.

يقول الكاتب إن عملية غصن الزيتون، والتي دشّنت في كانون الثاني، حقّقت نجاحاً هائلاً في هذا الصدد، إذ حظيت بتأييد ساحق من الجمهور التركي للتصدي بجرأة للولايات المتحدة. ومع اقتراب الانتخابات، سيواصل الرئيس الحالي أردوغان استخدام السياسة الخارجية لمحاولة إبهار 51 من الناخبين الذين سيحتاج كسب تأييدهم.

تصعيد العداء

من المنطقي جداً الاعتقاد في أن التصرّفات العدائية بين البلدين سوف تستمر في التصاعد حتى نهاية العام.

يرى الكاتب أن منذ الانقلاب العسكري الفاشل لإزاحة أردوغان في تموز 2016، استهدف الرئيس التركي الغرب أكثر فأكثر، لا سيّما الولايات المتحدة، إذ تتهم الحكومة التركية الولايات المتحدة بصفة دائمة بإيواء فتح الله غولن العقل المدبّر المزعوم للانقلاب، والذي وصفه أردوغان بأسامة بن لادن تركيا أي المهدّد لأمن بلاده.

وبعد أن كشفت محاكمة أحد المصرفيين الأتراك وإدانته في الولايات المتحدة مؤخراً، عمل أردوغان وإدارته على إضعاف واشنطن عن طريق الاستخفاف بالعقوبات التي فرضتها على إيران من خلال بيعها النفط الإيراني. جدير بالذكر أن وسائل الإعلام التركية، بعد تلقيها إشارة من أردوغان، بدأت إلقاء اللوم على الولايات المتحدة مدعية إجراءها محاكمات ضدّ المواطنين الأتراك كمحاولة لعرقلة تنمية بلادهم.

وفي المقابل، بدأت تركيا في احتجاز المواطنين الأميركيين، وكذلك الأتراك الذين يعملون لصالح الشركات والبعثات الأميركية في تركيا، ما أدّى إلى إدانة المسؤولين في واشنطن التحرّك التركي باعتبارها اعتقالات سياسية. وبالتالي، يؤكّد الكاتب أنه من المنطقي جداًُ الاعتقاد في أن التصرّفات العدائية بين البلدين سوف تستمر في التصاعد حتى نهاية العام.

يضيف الكاتب أن الدبلوماسية لم تعدّ تمثل خياراً ناجحاً للبلدين على السواء على مدى السنوات العديدة الماضية، اغتنم الرئيس التركي كل فرصة من أجل مركزة السلطة في مكتبه، وفصلت إدارته أكثر من 150 ألف موظف حكومي في محاولة للقضاء على المعارضة، إلّا أنه في خضم ذلك، تسبّب في خفض عدد الأحزاب والمنظورات المشاركة في وضع السياسة الخارجية لتركيا بشكل كبير، علاوة على أنه حتى الوقت الحالي، ليس لدى الولايات المتحدة سفير في أنقرة.

ويختتم تقريره مؤكداً على أن الشراكة التركية ـ الأميركية عبر الأطلنطي استغرقت عقوداً لبناء قاعدة من الثقة والتعاون المتبادلين، واليوم، أدّت سلسلة من الخيارات الواعية لزعماء البلدين إلى وضع العلاقة بينهما في حالة اضمحلال قد تستغرق جيلاً كاملاً لعكس مسارها.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى