من الشعر إلى الشعر .. كمال خير بيك
محمد صوان
كمال خير بك أو الشاعر المقاوم أو قدموس الشعر، أو شيء آخر يبتكره قرّاؤه، لكن أي لقب أو أي تصنيف أو أي كنية تجعل من ذات الشاعر خاسرة مشوّشة الصورة عنه، أفضل تعريف اعتبره الشاعر أدونيس خاصاً به، هو اسمه، لذا، هو كمال خير بك فقط.
«إلى مجد الشعر.. في الأزمنة كلّها» في فاتحة أطروحة الدكتوراه مُعنونةً «حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر»، الشعر ثم الشعر، في رؤيته وتجربته وتجربة مَن عاصره من الشعراء قصائد وزن أو نثر ، مرتكزاً على الجانب الاجتماعي والأثر الذي يبقى مرتبطاً بهذا الجانب من أشكال يستخدمها الشاعر المعاصر في تجربته الشعرية، مُضافةً إلى الوحدة العضوية بين مقاطع القصيدة، انتماء القصيدة إلى الديوان ثم انتماء الديوان إلى التجربة التي هي الشاعر ذاته.
الرؤية الاجتماعية لكمال خير بك هي التي تجعل من حركية الشعر داخل بناء المجتمع تؤدي دورها. فالقضية هنا تكون بمواكبة الشعر لقضية اجتماعية ما، تكون في صلب هموم ذاك المجتمع، وتكون أيضاً مشابهة لحياته وتطورها، والغرض منها هو العالم، العالم الذي تبنيه تجربة الشاعر في بناءٍ ينطوي على تلك القضايا، وإظهارها للعلن، لا لكونها وحيدةً معزولة ومفصولةً كل الفصل عن الشعر، بل ضمن شرط الوحدة العضوية معه.
هذا إن اعتبرنا أن أطروحته تطرق باب علم الاجتماع، كانطلاقة للشعر المتعلّق بمجتمع مُحدّد، أما وقد كان كمال خير بيك شاعراً فنموذج شعره هو الأجدر لإثبات ما يريده هو. مقطع من «دفتر الغياب»، «الصمت والحصار»، بيروت 1987:
«كيف للشاعر بعد
أن يواري صوته أو قلمه, تحت أكوام الرمال, كيف لا يفجّر في كل البيوت, والحروف الناعمه, ألف زلزال ورعد».
فالشاعر حمّال قضايا المجتمع، قضاياه الحديثة التي تعاصره، عالمه الذي يعطي أبعاده في قصائده بغض النظر عن الشكل والمعنى والتقييد الذي لحق الشعر، وحجّم حركته ضمن وزنٍ أو معانٍ مُوحّدة، فترى الشعر جميعه احتذاء وتقليداً.
إن الوحدة العضوية، أو وحدة الحال، جعلت من كمال خير بك ينتقل من الشعر المنطوق إلى «الشعر المُسلّح» وأقصد العمل المُقاوم، ذلك حدث بعد أن ودَّعَ الشعر المنطوق وانطلق إلى الشعر العملي، ولن تكون قضية المقاومة ظل الاحتلال خارجة عن الشعر فهي قضيةٌ كبرى وهمٌّ لا يُترك.
فالشعر كما تحدّث عنه كمال خير بك هو قضايا هذا المجتمع، وليس أي شيء سواه، فالمجتمع غارق في أزمات ومشكلات مُوحلة. كذلك هو الحال الأدبي. فالشعر عنده هو الإبداع الجمالي مُضافاً إلى القضايا التي تمثل معانيه وركائزه، وأي شيء بخلاف ذلك يخرج الشعر منطوق عملي خارج هذه الدائرة.
لذلك، يصبح للشعر مكانته ودوره وكيانه الخاص الذي يتربع في زاويته ضمن البيت الأكبر ألا وهو المجتمع. فالشاعر لجماليته وما يحمله من همّ ورؤية، لا لرابطة شخصية أو سيرة ذاتية لا ترتبط بشعره.
ولما يقتضيه الأمر من توضيح وإزالة للتشويش، فكمال خير بك من مدينة القرداحة تولد 1935، انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الخمسينيات من القرن الماضي، وتسلم مناصب عدّة داخل الحزب، استشهد في الخامس من تشرين الثاني عام 1980.
نشر أول ديوان له بعنوان «البركان» ووقّعه باسم قدموس، وذلك في العام 1960 كان عمره آن ذاك خمسة وعشرين عاماً، ثم أصدر بعدها ديوان «مظاهرات صاخبة للجنون» عام 1965، حافظ على «منطوقه» حتى بعد أن هجر الشعر، فبعد استشهاده طبع ديوان حمل اسمه بعنوان «وداعاً أيها الشعر» وديوان «دفتر الغياب» وديوان «الأنهار لا تتقن السباحة في البحر».
يتحدث كمال خير بك في أولى صفحات أطروحته للدكتوراه عن مكان وتاريخ الأطروحة: «… قُدمت إلى جامعة جنيف في 28-6-1972، ونالت، بالإجماع درجة الشرف العليا مع تقدير اللجنة المناقشة»، كتب كمال خير بك الشعر بطريقته وبرأيه الذي وضعه في أطروحته، وهي الأطروحة التي تناول فيها الشعر وقضاياه وطُرقه والحداثة وأثرها على الشعر.
كمال خير بك… الاسم وحده تعريفاً لك.
إلى مجد الشعر منطوقاً ـ عملياً في الأزمنة كلّها.