العوم على شبر ماء سعودي!
خليل إسماعيل رمَّال
لبنان «من دون دفّ بيرقص»، ويعوم على شبر ماء، كما يقول المثل العامي، ذلك أنه بالرغم من الإهانة السعودية لسيادة البلد ورئيسه وكرامة لبنان واقتراف بن سلمان عملاً إرهابياً يضاهي في شناعته جريمة قطاع الطرق عبر اعتقال رئيس حكومة لبنان ومصادرة حريته مع عائلته وابتزازه وإجباره على الاستقالة. كلّ هذا أصبح نسياً منسيّاً بعرف الدولة اللبنانية بمجرّد إيفاد مبعوث سعودي ولقاء أركان الدولة في خطوة، وصفتها جريدة «الحياة» بأنها «أعادت الروح للعلاقات مع لبنان». عن جدّ؟
هل لبنان رخيص لهذا الحدّ كي يتكفل موظف سعودي بإزالة أكبر قطوع دبلوماسي غير مسبوق في التاريخ وغريب من نوعه في التعاطي بين الدول المتحضّرة، من حيث صلفه وصفاقته وانتهاكه حرمة لبنان، ومن دون تقديم اعتذار عما حصل ولا حتى مجرّد تبرير حتى يكون الناس على بيّنة فيحكموا بأنفسهم؟
الحريري نفسه لم تسعه فرحته بالدعوة لزيارة بلده الأول فلم يحتمل انتظار خروج الموظف السعودي العلولا حتى طار بنفسه إلى الرياض للقاء محتجِز حريته. الحريري ربّما سعى لكي يصلِح ما أفسد الدهر بينه وبين بن سلمان داخلاً ومستغِّلاً باب الانتخابات النيابية الواسع والتي يبدو أن بني سعود يعلِّقون عليها أهمية كبيرة، بهدف خلق محور داخلي رديف لثورة «الزنزلخت» معادٍ للمقاومة ومتماشٍ مع مخطط «إسرائيل» والغرب الخارجي لتشويه صورتها ووصمها بالإرهاب والتهيئة لشنّ الحرب عليها وعلى لبنان وسورية معاً. كما أنّ الزيارة من وجهة نظر الحريري مناسبة كي يستفسر الحريري ربّما عن انتهاء حصرية التمثيل السعودي به فقط، والحصول على المال اللازم لتمويل الانتخابات، أما «بحصة» الاعتقال التي كان سيبقّها الحريري فقد تفتتت بليزر العلولا، منيح؟!
وخلال وجود العلولا في بيروت أجمع المحللون أنّ رجل السعودية الأوّل في لبنان لم يعُد سعد الحريري بل سمير جعجع الذي لم يحلّ أزمة العلاقة الغامضة معه بعد طعن جعجع للحريري بالظهر لدى بني سعود وتسبّبه باحتجازه هناك. وسرّ علاقة بن سلمان وتفضيله جعجع هو في الواقع أغرب من الخيال وحتى من علاقته العلنية وتحالفه مع «إسرائيل». فتاريخ جعجع و«القوات» وقبلهما بشير الجميّل لم يحمل إلا الحقد والعنصرية ضدّ الشركاء في الوطن من باقي الطوائف، فكيف بدول الخليج وأوّلها السعودية التي هي بنظر الفينيقية الشوفينية اللبنانية دولة متخلفة من العصر الحجري؟
ولعلّ سرّ تحالف بن سلمان مع جعجع، المُدان بقتل رئيس وزراء لبناني سابق وأحد أعمدة الطائفة السُّنية الكريمة، قد يعود إلى تكراره مراراً لهم بأنه قادر عسكرياً على تجنيد عشرة آلاف مقاتل للوقوف في وجه المقاومة كما أسلفنا سابقاً، وهذا حلم يدغدغ بني سعود منذ فشل «المستقبل» في المهمة في ما عُرف بتأديبة السابع من أيار!
العلولا هذه المرة لم يستخدم الشعار السعودي الممجوج والمضحِك بأنّ مملكته تقف على مسافة واحدة من الجميع، لكنه فعل ذلك عملياً عبر جدول زياراته، رغم أنّ مهمته كانت لشدّ عصب أتباع السعودية في لبنان ومحاولة الإيقاع بين فريق المقاومة وعزلها عن باقي الفرقاء. وباستثناء فشله الأكيد في التفريق بين حركة أمل وحزب الله، إلا أنّ مهمات الموظف السعودي الأخرى قد تكللت بالنجاح، لأنّ بلداً فاقداً للسيادة لا يملك كرامة وطنية.
وحظي الحريري بلقاء سلمان في مكتبه ثم بسجَّانه السابق بن سلمان الذي سبق أن صرَّح بما معناه أنّ اعتقاله للحريري أسدى له خدمة ووضعه اليوم هو أفضل الآن! أهذا معقول الذي يجري من دون أن يرفع عاقل عقيرته بالكلام المُباح؟ هذا لا يحدث إلا في أفلام الأكشن أو الأفلام الهزلية السوريالية. وبعد كلام بن سلمان انهالت طلبات وحوش الساسة في لبنان على ولي عهد مملكته لكي يخدمهم عبر سجنهم في فندق ريتز الملكي!
مشكلة سلمان وفلذته أضحت أكبر اليوم، لأنّ الحريري رغم عنترياته الكلامية بحق المقاومة، بسبب الانتخابات، لن يتمكن من السير بمخطط جعجعي صرف ضدّها لأسباب عدة، أوّلها عدم ثقته الكاملة بجعجع وحرصه على عدم فرط التحالف الجديد مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي ما زال حليفاً موثوقاً للمقاومة وأيّ حسابات غير مدروسة قد تطيح به من رئاسة الحكومة. وكالعادة، السياسة السعودية ليست غريبة عن الفشل والخيبة في هذا الميدان، كما في ميادين أخرى. ويجدر ذكره هنا أنّ المبادرة السعودية الجديدة ترافقت مع تجدّد التهديدات الإسرائيلية التي طالت الإعلان عن نية اغتيال السيد حسن نصرالله. ورغم أنّ هذا ليس التهديد الأوّل من نوعه ولو كانت تل أبيب قادرة على هذا الفعل لما قصَّرت، مع علمها أنّ هذا الاغتيال سيؤدّي لتدمير نصف الكيان، إلا أنّ المقصود منه هو تكامل التنسيق السعودي الإسرائيلي الأميركي في محاولته لردع المقاومة. كما أنّ هذا التهديد هو علامة ضعف لدى الإسرائيلي الذي أخفقت مخابراته، في بلد مزروع بالعملاء، في تصفية مسؤول «حماس» في مخيم عين الحلوة.
إنّ التهافت على «المكرُمة» السعودية الجديدة من قبل لبنان أقلّ ما يُقال فيه أنه معيب ومشين بحق وطن وشعب لم يمض على تحقيره سعودياً فترة ستة أشهر، ولكن ماذا نتوقع من بلد رفعته زنود المقاومة على الأكفّ ومنحته العزّة والشرف والحريّة من الإسرائيليين والتكفيريين والإرهابيين وتجد من يحاول النيل منها أكثر من العدو نفسه؟