واشنطن… شبه طلاق مع أنقرة المتعنّتة وعودةٌ محتملة إلى «بيت الطاعة» الروسيّ
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
هل تعيد الولايات المتحدة الأميركية حساباتها بعقلانية أم أنّها تعيد تدوير الزوايا فحسب؟ فإن ما يجري سرّاً وعلناً، يبيّن لمحللين سياسيين وإعلاميين كثر حول العالم، أنّ واشنطن تعيد النظر في علاقاتها الاسترتيجية التي سعت إليها خلال السنوات الماضية. فبعد الجفاء مع روسيا، والحرب المفتوحة ضدّ الرئيس السوري بشار الأسد، والتلويح بالعقوبات الدولية ضدّ إيران ـ هذا من جهة. ومن جهة أخرى «تدليل» تركيا، وتعويم السعودية وقطر، بعد هذا كلّه، ربما تجد واشنطن نفسها في دائرة «الوعي» العالمي، خصوصاً بعدما تفلّت «الربيع العربي» من بين أيديها، لينتج «داعشاً» متطرّفاً، تترحّم بعد جرائمه المتواصلة ونموّه المضطرد، على «زكزكات» القاعدة.
حكاية أميركا وقطر جليّة وليست بحاجة إلى تفسير، والقصّة التي تتحدّث عن الطلاق الأميركي ـ القطري بحجّة دعم الدوحة الإرهاب وتمويله، وكيف جنّدت واشنطن جارات قطر للتعبير عن «الانزعاج»، أضحت معروفة حتى في بلاد الواق واق. أما الجديد، فبوادر طلاق بين أميركا وأردوغان. فبعد التردّد التركي في خوض غمار الائتلاف الدولي ضدّ «داعش»، والشكوك التي حامت حول أردوغان بعيد صفقة تحرير المخطوفين الأتراك، وعلى رغم قبول أنقرة المتأخر بالانضمام إلى الائتلاف، ها طريقا واشنطن وأنقرة قد افترقتا. فبعد اتصال أوباما بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت الفائت وتباحثهما «بالخطوات التي يمكن اتخاذها لمواجهة هجوم داعش ضدّ كوباني»، افترض أوباما أنّ أردوغان سيدعم الأكراد في كوباني. غير أن أردوغان احتفظ بسلاحه، وصرّح نهار الأحد أن تركيا تنظر إلى المجموعة الكردية السورية «PYD» بوصفها «منظمة إرهابية تشبه الأكراد العراقيين المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني PKK». وكان فظاً حين قال: «تخطئ أميركا حليفتنا لو اعتقدت أننا سنقول نعم ونعلن صراحة عن دعمنا منظمةً إرهابيةً كهذه».
في المقلب الثاني، نرى بوادر تودّد من أميركا نحو إيران، ونحو الرئيس بشار الأسد، وأيضاً نحو روسيا، والحلقة الجامعة «داعش» وإرهابه.
في التقرير التالي ترجمات لتقارير من عدّة مصادر، جمعت نظراً إلى أنها تصبّ في الموضوع الخفي ذاته… طلاق تركيا ـ أميركا، وعودة واشنطن إلى الحضن الروسي.
تبقى المصالح هي التي تحكم استراتيجيات الدول، ولم ير التاريخ أو يسجّل أي خطّة من أي دولة أو امبراطورية، لم تُرسم خدمةً لمصالح هذه الدولة أو هذه الامبراطورية.
الولايات المتحدة وروسيا
أعطت التفاصيل التي نتجت عن اجتماع دام ساعات ثلاث بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، صورة مختلطة للجيد، والسيء والقبيح في العلاقات بين البلدين. ستكون الولايات المتحدة انتقائية في علاقتها مع روسيا، فيما اختارت روسيا الذهاب إلى النهاية خدمةً لمصالحها الخاصة، وكلاهما يتشكّك في نوايا الآخر. إنه الحب مرةً أخرى.
لم ينسيا أو يتسامحا مع ما حدث في أوكرانيا، والفريقان يدّعيان «حجم مسؤولياتهما معاً» في مصلحتهما المشتركة مع المجتمع الدولي ـ والإنساني فيروس إيبولا ـ ويبدو بالتالي أن لديهما التزاماً أخلاقياً للتعاون والعمل معاً في «إدراة» خلافاتهما.
يطالب كيري بـ«تنفيذ شامل لجميع النقاط الـ 12 من اتفاق مينسك الخامس في أيلول الماضي». وافق لافروف مبدئياً، وسارع إلى التوضيح أن «جون كيري وأنا لا نمثل الأطراف المتحاربة… فالحلّ الوحيد للأزمة الأوكرانية لن يكون إلا عبر محادثات مباشرة توصل إلى اتفاق بين الأطراف المتحاربة».
يصرّ كيري على أن كلّ هذا يتوقف على نتائج الاجتماعات الهامشية التي يعقدها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني بيترو بوروشينكو في قمة «ASEM» في ميلانو، والتي تحصل على مرمى من أنظار ألمانيا وفرنسا وربما إيطاليا أيضا . كما يتوقع جدولاً زمنياً بين بوتين وبوروشينكو لتنفيذ «أربع أو خمس متطلبات» لرفع العقوبات ضدّ روسيا:
أ ـ وقف إطلاق النيران حول مطار دونيتسك والإجزاء الشرقية من أوكرانيا.
ب ـ إطلاق سراح جميع الرهائن من دون استثناء.
ج ـ استعادة السيادة على الحدود الدولية بين أوكرانيا وروسيا.
د ـ إغلاق الحدود بين البلدين مع سحب للعتاد العسكرية الثقيلة.
هـ ـ إدارة هذه الحدود ومراقبتها من قبل «OSCE» منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
يرفض لافروف غموض كيري الذي يرى أنه يطرح «بعض الصيغ المصطنعة» بهدف صرف الانتباه. وكان قد لوّح بالضرورة القصوى لإقامة «حوار سياسي شامل»… يتضمن كل المناطق والقوى السياسية في أوكرانيا. ويُقال أنه وبّخ كيري لأنه «لم يسعَ إلى اجتراح حلول جديدة»، ولاستخدامه تأثير النفوذ الأميركي على كييف بهدف «الامتثال الكامل والصادق» لاتفاق مينسك.
ومع ذلك، فإنه من المثير للاهتمام، قول كيري إن الجزء الأكبر من النقاش مع لافروف يتمحور حول مجموعة من القضايا إيبولا، أفغانستان، ومحادثات إيران، كوريا الشمالية، مسار عملية السلام في الشرق الأوسط، سورية، اليمن وتونس، وبالطبع، الحرب ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش».
ألمح كيري إلى أنه كان مهتماً إلى حدّ بعيد بإقحام موسكو في الحرب ضدّ «داعش». فقد اتفق كل من الولايات المتحدة وروسيا على تكثيف التعاون الاستخباراتي في ما يتعلّق بـ«داعش» واتفقا أيضا على أن موسكو ستبحث في سبل توفير المزيد من الأسلحة للقوات العراقية المسلّحة، ومن المحتمل أن تقدّم أيضا المساعدة في التدريب فضلاً عن المشورة. كما أعطى كيري إشارات إيجابية لناحية المناقشات البنّاءة، التي حصلت منذ أيام قليلة في باريس، لكن لافروف كان أكثر تواضعاً عندما وصف الاجتماع بالـ«مفيد». كيري رأى أن «الطريق معبّدة لإكمال ما بدأنا به»، بينما أكد لافروف «أننا اتفقنا على أن نبقى على تواصل».
وبكلمات واضحة، فإن المحادثات الأميركية ـ الروسية قد استؤنفت ويبدو أنها بداية مفيدة. فروسيا تحرص كلّ الحرص على إعادة مكانتها العالمية كمتحدث أساسي حول القضايا الإقليمية والعالمية، بينما يبدو من الواضح، أن هدف الولايات المتحدة أن تبقي نفسها المتربعة الوحيدة على عرش هذا الامتياز، في حين قدّم كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا مشاركة هادفة وفعّالة في مؤتمر ميلانو.
النتيجة الأكيدة لهذا الاجتماع هو تبادل الآراء بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الملف الإيراني. فإيران لا تزال تحظى بالاهتمام الأكبر ضمن أجندة أوباما حتى انها تتقدم في ذلك على «داعش». وقد يشكل الاتفاق بشأن ملف إيران النووي تتويجاً ومفخرةً لأوباما في مجال إرثه السياسي الخارجي.
أضحى دور روسيا الآن مهماً للغاية، منذ أن أغلق مجلس الأمن الدولي ملف العقوبات. وها هي روسيا، مرةً أخرى تزوّد محطة بوشهر النووية بالوقود، فضلاً عن دورها الرئيسي في توريد اليورانيوم المخصّب إلى إيران على مدى سنوات العقد المقبل.
والمثير للاهتمام، تلخيص لافروف وضع المحادثات مع إيران: «القضايا التي لا يزال علينا الاتفاق عليها ليست بذلك التعقيد. لكن كما هو معروف ان الجميع يريد الحصول على المزيد عندما تقترب الأمور من الوصول إلى خواتيمها. أنا متأكد من ان الحلّ الوسطي هو حلّ ممكن. لكني لا أضمن أن هذا قد يحدث قبل 24 تشرين الثاني. إنه ليس تاريخاً نهائياً أو مقدّساً، لكننا نسعى إلى تحقيق الأفضل قبل ذلك التاريخ… المسألة ليست مسألة وضع مواعيد مصطنعة، بقدر ما هي مرتبطة بمضمون ونوعية هذه الاتفاقيات… انتابني شعور أثناء محادثاتي مع جون كيري… ان شركاءنا ينطلقون أيضا من هذا المبدأ. وآمل أن نحقق النتائج المرجوة».
إذا، يرتبط السؤال الكبير بمدى إمكانية عقد لقاء بين بوتين وأوباما على هامش القمة العشرين في بريزبن في أستراليا، أو خلال قمة « APEC» في شنغهاي. وبالنسبة إليّ، فإن هذا اللقاء سيكون الهدف غير المعلن من اللقاء في باريس بين لافروف وكيري. فمحاضر الجلسات بين الإثنين أصبحت بين أيدي وسائل الإعلام هنا وهناك.
مقاربة بوتين حول موقف الولايات المتحدة العدائي
وكانت صحيفة « Politika» قد أجرت مقابلةً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذه مقتطفات منها.
ما الهدف النهائي للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا؟ وكم ستستمرّ برأيكم، وما ستكون تداعياتها على روسيا؟
– يفترض أن يُوجه هذا السؤال إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ من الصعب فهم موقفهما. فأيّ شخص غير متحيّز يعلم أن روسيا لم تكن هي التي نظّمت الانقلاب في أوكرانيا، والذي أدّى إلى أزمة سياسية داخلية خطِرة وانقسام في المجتمع. فالاستيلاء غير الدستوري على السلطة نقطة انطلاق لأحداث لاحقة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. إذ قرّر شعب القرم إجراء استفتاء يمتثل بالكامل لشروط الأمم المتحدة بهدف إعادة ضمّ شبه الجزيرة إلى روسيا، بعدما تأكد هذا الشعب ضخامة تعقيد قضيته وعدم القدرة على التنبؤ بالوضع القائم وحماية حقوقهم في وطنهم ولغتهم وثقافتهم وتاريخهم.
على شركائنا أن يكونوا مدركين تماماً للضغوطات التي تُمارس على روسيا والمترافقة مع تدابير مشدّدة غير شرعية وأحادية الجانب لن توصل إلى أيّ تسوية، بل ستعيق تقدم الحوار. فكيف يمكن لنا أن نتحدّث عن نزع فتيل التصعيد في الوقت الذي تُفرض فيه عقوبات جديدة تترافق مع مسار عملية السلام؟ فإذا كان الهدف الرئيس عزل بلدنا، فإنه من دون شك هدف سخيف ووهمي. وإذا كان هناك من إصرار على تحقيق هذا الهدف، فإن صحة أوروبا الاقتصادية ستُقوّض بشكل خطير.
أما في ما يتعلق بفترة هذه التدابير التقييدية، فهذا يعتمد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن جهتنا، فإننا سنطوّر مقاربة متوازنة لتقييم المخاطر وتأثير العقوبات والاستجابة لها انطلاقاً من مصالحنا الوطنية. ومن الواضح أن انخفاض مستوى الثقة المتبادلة سيكون له تداعياته السلبية على مناخ عمل الشركات الأوروبية والأميركية في روسيا، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الشركات ستجد صعوبة في إنقاذ سمعتها المدمّرة. وبالإضافة، ستضطرّ البلدان الأخرى إلى التفكير مليّاً لو أنه من الحكمة استثمار الأموال في النظام المصرفي الأميركي ما سيزيد اعتماده على تعاون اقتصادي مع الولايات المتحدة.
هل ستعمد الولايات المتحدة وروسيا إلى إعادة تأسيس شراكة استراتيجية بعد كلّ ما حدث، أم أنهما ستقومان ببناء علاقاتهما بطريقة أخرى؟
– بالنسبة إلى العلاقات الروسية الأميركية، فإن هدفنا الدائم بناء علاقات شراكة مفتوحة مع الولايات المتحدة. بينما لاحظنا أنهم يعمدون، في المقابل، إلى التدخل في شؤوننا الداخلية بكافة الطرق.
كل ما حصل منذ بداية هذه السنة يثير القلق. فواشنطن دعمت المحتجين في الميادين، واستفزت أعداء هؤلاء من أتباع كييف من خلال إذكاء حمية قوميتهم الأوكرانية المسعورة وأدخلت البلاد في حرب أهلية، وسارعت إلى لوم روسيا لإثارة الأزمة.
لقد أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ما أسماه بـ«العدوان الروسي على أوروبا»، من بين مخاطر أساسية ثلاثة تواجه الإنسانية جمعاء بعد فيروس إيبولا وتنظيم «الدولة الإسلامية ـ «داعش». كل هذا يحدث جنباً إلى جنب مع تصعيد وتيرة العقوبات على كافة قطاعات روسيا الاقتصادية، إنها مقاربة أقلّ ما يُقال فيها أنها معادية.
وقد ذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك بكثير عندما أعلنت عن وقف التعاون بين البلدين في مجال استكشاف الفضاء والطاقة النووية. كما علّقت أيضا نشاط اللجنة الرئاسية الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة التي أُنشئت عام 2009، والتي ضمّت 21 مجموعة عمل، من بين الأمور الأخرى التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.
وفي الوقت عينه، فهي ليست المرة الأولى التي تنهار فيها العلاقات بين البلدين. ونحن نأمل أن يدرك شركاؤنا عدم الجدوى من محاولات ابتزاز روسيا وتذكر عواقب الخلاف بين القوى النووية الكبرى التي يمكن أن تؤدّي إلى عدم استقرار استراتيجي. ونحن جاهزون ـ من جانبنا ـ إلى تطوير تعاون بنّاء مرتكز على مبادئ المساواة والاحترام الحقيقي لمصالح بعضنا البعض.
تدهور العلاقات الأميركية ـ التركية
وجاء في مدوّنة «Bhadrakumar»: أصبحت استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في حربه ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش» في سورية أكثر وضوحاً مع إعلان النقاط الأربع من قبل القيادة المركزية الأميركية التي دعمت المقاتلين الأكراد بالأسلحة والذخائر والإمدادات الطبية في دفاعهم عن مدينتهم كوباني في الشمال على الحدود السورية التركية.
وباختصار، فإن طريقا واشنطن وأنقرة قد افترقتا. فبعد اتصال أوباما بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت الفائت وتباحثهما «بالخطوات التي يمكن اتخاذها لمواجهة هجوم داعش ضدّ كوباني»، افترض أوباما أنّ أردوغان سيدعم الأكراد في كوباني.
غير أن أردوغان احتفظ بسلاحه، وصرّح نهار الأحد أن تركيا تنظر إلى المجموعة الكردية السورية «PYD» بوصفها «منظمة إرهابية تشبه الأكراد العراقيين المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني PKK». وكان فظاً حين قال: «تخطئ أميركا حليفتنا لو اعتقدت أننا سنقول نعم ونعلن صراحة عن دعمنا منظمةً إرهابيةً كهذه».
كما تصدّى أردوغان للقضية المتعلقة بإتاحة القواعد العسكرية الجوية على الحدود السورية العراقية للولايات المتحدة. وقال: «ما الذي يطلبونه في ما يتعلق بقاعدة «أنجيرليك» العسكرية؟ الأمر ليس واضحاً بعد. فإذا رأيناه مناسباً بعد أن نتباحث به مع قواتنا الأمنية، قد نجيب بالإيجاب. وفي حال وجدنا العكس، فإن قول نعم سيكون مستحيلاً بالنسبة إلينا». حرييت
يكفي القول أن أوباما قد قام بمبادرة أخيرة لمحاولة إقناع أردوغان، لكنه فشل في مسعاه.
ومن المؤكد ان المقاتلين الأكراد في كوباني هم في حالة يُرثى لها وأن الإمدادات الأميركية أصبحت حيوية. لكن هناك أبعاداً سياسية لقرار أوباما تسليح الأكراد السوريين. يرتبط الأول، برفض أوباما بشدة لوصف أردوغان لهؤلاء الأكراد بـ«الإرهابيين»،» وزعمه بأنهم يتلقون الدعم السري من النظام السوري. أما الثاني، فعدم سعي أوباما إلى ربط مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية بأجندة أردوغان في مجال سعيها إلى إسقاط النظام في سورية. والثالث يتعلق في عدم تفضيل أوباما لفكرة أردوغان الرامية إلى خلق منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي في سورية تمتدّ على طول الحدود التركية الشمالية مع حلب.
وقد حذّر أوباما، في الواقع، من خطورة التورط مع حلم أردوغان في ركوب أمواج الربيع العربي وإحداث تغييرات ديمقراطية شاملة في الشرق الأوسط بقيادة الإخوان المسلمين الذي سيأتي تحت الوصاية التركية بطبيعة الحال.
وبشكل عام، ومع ما أوضحناه أعلاه، أدّت استراتيجية أوباما البارعة في سورية إلى احتواء «داعش» بدلاً من الدخول في مخططات متكلفة بهدف السعي إلى تسويات سياسية في العراق وسورية.
غير أن التفاعل بين الأبعاد المذكورة أعلاه سيلقي بظلاله على التطورات المستقبلية بشكل كبير. فإن الدعم الأميركي العلني لحزب الاتحاد الديمقراطي «PYD» الذي يتحالف من دون أدنى شك مع حزب العمال الكردستاني «PKK» الذي يحارب تركيا حليفة الولايات المتحدة والناتو ، سيتردّد صداه في جميع أنحاء الأوطان الكردية في سورية والعراق وتركيا ويمكن ان يعطي دفعاً قوياً للتطلعات القومية الكردية في تحقيق حلمهم في الحكم الذاتي. وهذا يعني أن أنقرة ستضطرّ قريباً إلى التعامل مع التمرّد الكردي.
خلاصة القول، إن تركيا ستدفع ثمناً باهظاً لتورطها المشبوه في تأجيج الحرب الأهلية في سورية على مدى السنوات الثلاث الماضية ولدعمها «داعش» سرّاً على وجه التحديد. خصوصاً أنها قد عادت للتوّ من هزيمة مذلّة الأسبوع الماضي بعدما حصلت على ستين صوتاً فقط من التصويت على مقعد الأوروبيين في مجلس الأمن الدولي. ما أصاب مصداقية تركيا في المنطقة والعالم في الصميم.
يرى أوباما أن دوراً عسكرياً علنياً لتركيا من شأنه أن يثير القلق في عقول العرب، بالنظر إلى التاريخ الطويل لمعاناة هؤلاء مع الحكم العثماني في المنطقة. ومع ذلك، فإن النقطة الأهم بالنسبة إلى أوباما ترتبط بالنظام السوري، إذ يبدو انه يتجنبه حالياً وينشغل بمحاربة «داعش».
ولطالما بقي الملف النووي الإيراني ورفع العقوبات عن إيران، بمثابة الحلقة المفقودة والتي من المفترض أن تفتح باب النقاش واسعاً بين الولايات المتحدة وإيران بشأن التوصل إلى تسوية سياسية قريبة في سورية.
وقد نضجت في الوقت عينه، المداولات الأميركية الإيرانية بشأن العراق وذلك في فترة زمنية قصيرة، بعد الجهود التي بُذلت لاستبدال رئيس الوزراء السابق نوري المالكي برئيس جديد. فلقد أصبح العراق مختبراً حقيقياً للتأكد من فعالية التعاون الأميركي الإيراني حول قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة. ما يؤكد على اعتماد الولايات المتحدة على إيران كلاعب أساسي وعامل مهم من عوامل الاستقرار في العراق.
ومن المثير للاهتمام في العراق، ان الولايات المتحدة لا تتدخل في التركيبات الدقيقة للحكومة «الشاملة». على كلّ حال، فإن أحدث تعيين سياسي شيعي كان منصب وزير الخارجية من منظمة بدر، كما تشير الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى طهران على رأس وفد رفيع المستوى، إلى مدى النفوذ الإيراني في الشأن العراقي.
لذلك، وبصرف النظر عن رمزية قرار أوباما في تسليح المقاتلين الأكراد في الشمال السوري ومع ما يثيره مثل هذا القرار من قلق لدى الأتراك، فهو يمهّد لعودة الولايات المتحدة إلى الساحة السورية استراتيجياً، بعدما أدركت الإدارة الأميركية أن أي تصعيد عسكري أميركي ضدّ النظام في سورية، من شأنه ان يخلق فوضى كبيرة وعواقب شتى، لذلك، فإن العنصر السياسي المفقود اليوم، لا بدّ من الحاجة اليه في نهاية المطاف.
إنها إيران، وإيران فقط التي يمكنها أن تشكل هذا العنصر السياسي للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية، لا تركيا، أو السعودية، ولا حتى روسيا. فالتصريحات الإيرانية الرفيعة المستوى، بحسب وكالة إيرنا، FNA ، تشير إلى أن طهران مستعدة تماماً للعب هذا الدور في سورية.