لماذا هدّدت روسيا بالردّ على الولايات المتّحدة في سورية؟
عامر نعيم الياس
قالت رئاسة الأركان الروسية إنّ «الجيش الروسي سيستهدف أيّ صواريخ ومنصات إطلاق تشارك في أيّ هجوم على سورية»، وأشارت إلى أنّ «البنتاغون يخطط لقصف صاروخي ضدّ مواقع حكومية في دمشق… وسنردّ في حال تعرّض دمشق لضربة صاروخية أميركية أو تعرّض قواتنا للخطر». وزير الخارجية سيرغي لافروف وبعيد ما أعلنته الأركان الروسية قال «في حال إقدام الولايات المتّحدة على استهداف سورية فستكون عواقب الصربة وخيمة جداً». ما أعلنته الأركان والدبلوماسية الروسية يعيدنا إلى أجواء الحرب الساخنة، وذلك مع نهاية حقبة الحرب الباردة بين القطبين في تسعينيات القرن الماضي لمصلحة الولايات المتّحدة. ويأتي في وقت تمّ التركيز فيه إعلامياً على ما صرّحت به مندوبة الولايات المتّحدة في مجلس الأمن الدولي، نيكي هالي، من أنّ بلادها ستتحرك منفردة في حال استمرّ «عجز» مجلس الأمن في سورية، وردّ السفير السوري، بشار الجعفري عليها، والذي اتهم بلادها فيه بتشجيع المسلحين على القيام بهجوم كيميائي على البلاد، وهو أمر لا يحصل للمرة الأولى، كلّ ما سبق يتزامن مع ثلاثة تطورات ميدانية بارزة، الأول، تحرير الجيش العربي السوري لأكثر من 60 من مساحة الغوطة الشرقية، وشطرها إلى ثلاثة أجزاء. والثاني، ما سرّبته الصحافة الإسرائيلية عن هجوم يحضّر له في جنوب سورية وتحديداً من القرى والبلدات في الريف الشرقي والشمالي الشرقي لمحافظة درعا باتجاه الاتوستراد الدولي دمشق درعا، في محاولة لتغيير خارطة القوى في جنوب البلاد وتحريك خطوط التماس. الثالث، هو انتشار الجيش العربي السوري في القدم، وهي بوابة جنوب البلاد بعد إخراج حركة «أجناد الشام» من مدخل العاصمة الجنوبي المتصل مع جبهة الجنوب التي تتمحور حولها التسريبات الإعلامية الحالية والتي بدأها الكيان الصهيوني، بالنيابة عن واشنطن وعمّان، ومن ثم رفعت رايتها المجموعات المسلحة في الجنوب، حيث بدأ العمل على إجلاء الأهالي من ريف درعا الشرقي قسراً.
لكن لماذا هذا التصريح الروسي غير المسبوق؟ التصريح الروسي ليست قيمته في الردّ على أيّ صواريخ تطلق على دمشق، هنا لا يتحدّث الروس عن «حق الردّ» والحفاظ على «أمن قواتهم» فقط كما جرى العام الماضي عند الهجوم على قاعدة الشعيرات، هم لم ينتظروا أيّ هجوم، هم اليوم بادروا إلى تطوير الردع عبر الحديث عن «الردّ على منصات إطلاق الصواريخ» واستبقوا هذا الأمر باتهام البنتاغون، ونحن هنا أمام منصّات البنتاغون في سورية، وكامل مجال عمل القيادة الأميركية العسكرية الوسطى، التي يبدو أنها اليوم تتحمّل العبء الأكبر في التخبّط الاستراتيجي الأميركي في المنطقة، ومحاولة اتخاذ خطوات مرحلية لمعالجة ملفات باتت تخرج عن السيطرة مع تغيّر الخارطة الميدانية في الشرق الأوسط عموماً وفي سورية خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي في سورية بناءً على طلب الحكومة السورية. هنا يحضر إعادة تصنيع الملفات في الحرب على سورية، من المستويين الإنساني، والكيميائي، وعند هذا الأخير، ومع التقدّم الناتج عن قرار حاسم في محيط العاصمة دمشق، يبدو القلق الروسي مشروعاً من إعادة استخدام الذريعة الكميايئية خاصةً وأنّ الغرب وخاصةً فرنسا وبريطانيا والولايات المتّحدة، يلزمون أنفسهم بهذا الخط الأحمر يومياً، لكن من الواضح أنّ القرار باستعادة الغوطة وتوسيع طوق الأمان حول دمشق وريفها، وصولاً إلى ما قبل العام 2011، هو الهدف غير القابل للنقاش، وهو الذي يتوجّب الدفاع عنه بكافة الوسائل، وعليه فإنّ رفع مستوى التهديد الروسي في مواجهة واشنطن ليصل إلى حدّ التهديد بقصف المنصة التي ينطلق منها أي صاروخ باتجاه دمشق، يعود إلى القرار أولاً، وعمق التحالف الروسي السوري ثانياً، وشكل وأهمية سورية في الاستراتيجية الرئيسية للأمن القومي الروسي، والتي دفعت إلى إرسال قوات عسكرية خارج حدود روسيا، للمرة الأولى منذ آخر مغامرة روسية في أفغانستان، وقطع الطريق على الاستنزاف العسكري، خاصةً تلك التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن استهداف قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سورية لهجوم جديد بطائرات من دون طيار للمرة الثانية على التوالي.
في الحرب الفيتنامية تساءل «تشي غيفارا» في معرض انتقاده لحجم الانخراط الروسي في الدفاع عن فيتنام في مواجهة الولايات المتّحدة حينها، وخاصةً في لحظة قصف عاصمة الشمال «هانوي»، تساءل عن أنه لو توافرت للفيتناميين مظلة جوية روسية حينها، هل كان تمكن الأميركيون من قصف هانوي؟ تساؤل يجد صداه وتثبت صحته في دمشق اليوم.
لا وجود لبوادر حرب بين واشنطن وموسكو في سورية، لكن ما يجري اليوم هو محاولة روسية للجم الرؤوس الحامية في واشنطن، وعدم الوصول إلى مرحلة يصعب فيها إنزال ترامب وإدارته عن الشجرة، هو ردع استباقي يجبر الأميركي على وضع حسابات الردّ المباشر على أيّ مغامرة في دمشق وجنوب سورية، موضع الحسبان.