نفط وغاز أيضاً…
حسام عيسى
منذ ولادة «داعش» ككيان جديد في المنطقة، كان معلوماً انه لم يولد من الغيب، وأن لا أعجوبة حصلت فتشكل تنظيم من عشرة آلاف مقاتل يملكون تجهيزات قتالية تتيح لهم خوض معارك متعددة في وقت واحد، ولديهم ما تحتاجه مثل هذه الحروب من استطلاع واستخبارات وتنسيق وشبكات اتصال وأدوات سيطرة وآليات تموضع، وتبديل وتنظيم وتنقل، هذا عدا عن تنسيق النيران وتحديد بنوك أهداف.
عندما يخوض «داعش» معركة مع الجيش السوري حول مطار الطبقة ويربحها، ويخوض أخرى تعادلها بعشرة أضعاف للسيطرة على ثلث العراق، وتسقط بين يديه مواقع تعود لثلاثة فرق من الجيش العراقي تعادل ثلاثين ألف رجل بسلاحهم وعتادهم ومستودعاتهم، ليصير قادراً على تسليح مئة الف رجل، فإما أنّ جهاز مخابرات قادر بحجم المخابرات الأميركية أو التركية أو «الإسرائيلية» يهندس المعارك والخروقات ويقودها وينظمها، لتسقط المواقع بلا قتال، ويوفر المعلومات اللازمة للتقدم والتراجع، ويحدّد الأهداف المحتملة، والطرق الواجب سلوكها، والحشد اللازم توافره والسلاح اللازم استخدامه، أو أنّ «داعش» تنظيم سرّي شديد الخطورة يخترق مخابرات الدول العظمى، فتراه عبر الأقمار الصناعية وتكشف تحركاته على مسافات بمئات الكيلومترات ولا تصل المعلومات إلى القيادة المعنية بمحاربته، وتكتشف قنوات الاتصالات التي يستخدمها وتمنع أجهزة التشويش من تعطيلها، وتحدّد مراكز القيادة وغرف العمليات والمستودعات، من الصور الديناميكية المجمعة وتحليلها على اساس الحركة، مجيئاً وذهاباً منها وإليها بمواكب القادة أو شاحنات التحميل أو هوائيات الإرسال ولكن يمنع استهدافها.
لو كان الأمر الثاني لكان نفع اختراق «داعش» للغير لمدى زمني محدود، فسرعان ما سيكتشف المعنيون في صناعة القرار، أنّ بلوغ عين العرب ونجدتها المتسمرّة من الموصل بمسافة مئتي كيلومتر، تحت الشمس والأقمار الصناعية والطيران الحربي والاستطلاعي لا يتم إلا بقرار التغاضي، وأنّ التحشيد على الجبهات وتحديد نقاط الاختراق يتمّ بإرشاد من يعلم ويملك القدرة على الوصول للمعلومات.
يستحيل عسكرياً ان يحدث ما نراه يحدث، ما لم تكن اميركا وتركيا و»إسرائيل» بحال تواطؤ وتغاض، فلماذا؟
«إسرائيل» معلوم أنها تريد تشكيل جغرافيا المنطقة على أساس دول دينية متطرفة، تشبه تصوّرها لذاتها كدولة يهودية، كما هو معلوم أيضا أنها لا تدخر وسعاً لكلّ ما يمكن ان يقطع في الجغرافيا أوصال خصومها في حلف المقاومة.
تركيا تفرح لذعر تثيره الخلافة الصغرى لاستبدالها بأمان الخلافة الكبرى، يصير «داعش» مصدر الخوف فتصير تركيا العثمانية بديلاً مقبولاً، وتركيا ترى بـ»داعش» مولودها الذي يجلب لها استنزاف الأكراد وسورية وإيران والعراق وحزب الله، ويزيد الطلب عليها من أوروبا خصوصاً والغرب عموماً.
لكن أميركا التي تعلم ماذا تريد كلّ من تركيا و»إسرائيل» ولماذا؟ فماذا تريد من «داعش»؟
أشياء كثيرة تريدها واشنطن من استجلاب ما تبقى من متطرفين في بلاد الغرب إلى استنزاف إيران وسورية في المفاوضات، إلى ما لا يقلّ أهمية وهو رسم خريطة النفط والغاز في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسورية حيث تتشابك خطوط الأنابيب الآتية من الخليج والواصلة إلى المتوسط.
في الخليج ما عاد ممكناً الرهان على باب المندب كممرّ آمن للمحور السعودي التركي القطري، وبالتالي الذهاب عبر قناة السويس بحراً دون شراكة اليمن الجديد وحليفه إيران، ولا عاد ممكناً الرهان على إضعاف الحاجة لروسيا كمصدر للنفط والغاز بدون الإمساك بشطيرة جغرافية متصلة من العراق وسورية تربط حدود تركيا بحدود الخليج عبر الأردن والسعودية، ولا عاد ممكناً لبلوغ هذا الهدف الرهان على «داعش» ضامناً للأنابيب، ولا التعامل مع هذه الإمارة كدولة باقية، فهذا مصدر مخاطرة كبرى، لأنّ نهاية «داعش» على يد إيران وحلفائها سيقضي على كلّ الآمال وهو أمر ممكن، ما يمكن هو امتلاك ورقة حياة «داعش»، بما تقدّمه لها واشنطن من اسباب للمعرفة والقوة، لتتمّ مفاوضة روسيا وسورية والعراق وإيران على حلّ تفاوضي وسط في سير أنابيب النفط والغاز، فيترك المجال للخطين يسيران بالتوازي، خط قطر تركيا إلى أوروبا وخط إيران والعراق وسورية إلى المتوسط فأوروبا، ويخرج الجميع وفقاً لمعادلة رابح رابح ولا يلغى أحد، خطي الأنابيب معاً استحالة بدون أوراق تفاوض قوية، أهمّها رأس «داعش».
مرة أخرى نفط وغاز وأميركا و»إسرائيل».
«توب نيوز»