كان محبّاً لرفقائه جميعهم ومتفانياً في سبيل حزبه
الأمين لبيب ناصيف
كلما رحل رفيق عرفناه في السنوات الصعبة، وكان مجلّياً بإيمانه وتفانيه، سقط من تاريخنا البهيّ مدماك جديد، هيهات أن ننساه، أو يرحل من ذاكرة حزبنا.
هكذا الأمين محمود عبد الخالق الذي خسرناه، بالأمس وبكيناه، وهكذا نحن اليوم مع الأمين الشاعر والمناضل محمد العبد بيضون، الذي عرفته سنوات النضال القومي الاجتماعي، في الأسر، وبعد أن خرج منه ليتابع نضاله المرير مسؤولاً، ورفيقاً، تعنيه قضية الحزب، ويتفانى في سبيلها، لا في سبيل منافعه أو طموحه الفردي.
عرفتُ عن الأمين محمد عندما كان أسيراً لمشاركته في الثورة الانقلابية، ثم التقيتُ به، وكثيراً، في «الضاحية الشرقية»، حيث كان انتظم ونشط، ثم في بيروت إذ تهجّر إليها، ففي مركز الحزب متولياً أكثر من مسؤولية، ثم في كل الأمكنة التي كان فيها نابضاً بالنشاط القومي الاجتماعي.
كان للأمين محمد حضوره الحلو. كنت أرتاح الى وجدانه اليقظ، الى حديثه الطافح بقضية الحزب.
لم أشهده يوماً متكلماً عن نفسه، أو ساعياً إلى رغباته، إنما دائماً عن الحزب، قضية ونهجاً، والى الحديث العقائدي الذي يستحوذ على جوانبه كافة.
كان من النادر أن يزور الأمين محمد مركز الحزب، فلا يمرّ الى مكتب «عمدة شؤون عبر الحدود» او الى غرفة «لجنة تاريخ الحزب». كان يتابع ما أنشره، ويثني. وكنت أرتاح إليه، وجداناً وطيبة وروحية قومية اجتماعية. لم اسأله عن نفسه، ولا سعيت لأن أعرف شيئاً عن وضعه العائلي أو المهني. حديثنا كان فقط عن الحزب وعما نسعى إليه من أجل مصلحته وعافيته.
في آخر لقاء معه عاتبته بحب: «توّج تاريخك الحزبي يا أمين محمد بكتاب عن مسيرتك، عن الحضور الحزبي في «بنت جبيل»، عن «الضاحية الشرقية»، عن سنوات الأسر، عن وعن وعن. فما تكتب يبقى للأجيال. حرام أن تضيع سير المناضلين في حزبنا، وتلك الرياحين التي يحملها كل مَن عرف الحزب قضية مقدّسة تساوي كل وجوده، أن نتفانى في سبيلها، بحيث تبقى للأجيال، فتفرح بها وتقتدي، بدل أن ننقل إليها البشاعات التي تؤذي ولا تقدّم خيراً لمسيرة الحزب..».
يبتسم بطيبته.
– ليش مستعجل عليّ، بعد بكير.
ورحل الأمين محمد، الطيب، القومي الاجتماعي، ومعه رحلت مسيرة وذكريات ومعلومات هي من حق الحزب، بأجياله، لا من حقنا، كأفراد.
ترك الأمين محمد ذكريات حلوة يعرفها كل من ناضل معه، في الأسر، أو خارجه، في مشواره الحزبي الطويل. من هؤلاء، وربما أكثرهم معرفة، الرفيق كامل الأشقر «توأمه» في «بنت جبيل»، في «الأسر»، في «الضاحية الشرقية»، وغيره الكثير من الرفقاء، الذين ندعوهم لأن يكتبوا عن الأمين محمد، ويتركوا لنا، ولتاريخ الحزب، كثيراً من تلك المرويات التي تفوح برحيق النهضة.
الشاعر
وان لم يترك لنا الأمين محمد كتاباً يضمّ مسيرته الحزبية، انما ترك أشعاراً تنبض بالعنفوان القومي الاجتماعي، وتحمل أبياتها الكثير من نبض النهضة.
من الكثير، هذه القصيدة التي وجّهها الى «سعاده»، وقد نُشرت في العدد الثالث من «صوت النهضة»، تاريخ 15/09/1999
رسولُ الفجرِ
رسولُ الفجـرِ قدْ صَـفَـعَ الخداعا
سما فوقَ السّهَى وعلا فَـشاعا
أتى والشَّــعبُ يسبَحُ في ضلالٍ
فَكانَ الزحفُ أفواجاً تباعا
مَشَيْنا والحياةُ تضجُّ فينا
فكنّا الثورة، السيفَ، اليَراعا
زعيمي قد بزغتَ فكنت فجراً
أضاءَ البيدَ نورُكَ والبقاعا
هُجوميٌّ أردتَ حياةَ شعبٍ
فكنتَ النسر مُنقضّاً شُجاعا
وإن قامَ العظيمُ يهزُّ شعباً
ترى الأذنابَ قد بدأوا النِّزاعا
يريدون الحفاظ على بقايا
من الماضي وماضيهم تَدَاعى
وما الماضِي سوى تمزيق شعبٍ
بأي شريعةً نبقى ضَياعا
وماضيهمْ على نتفٍ تـدَنَّـى
على التاريخَ ذُلاً وانصِياعا
وما كانوا سِوى زُمر تَوالتْ
على حُكم كم اضطَهَدَ الجياعا
وكانَ الصوت يدوي من زعيمٍ
الى شعب قد انتَظَرَ السَّماعا
سنسحقُ كلّ آفاتِ التّـَولِّــي
الى الإقطاع حُكماً او طباعا
لقد ثارَ العظيمُ على نظامٍ
تَعَفَّنَ لم يزل ظُلماً مطاعا
غدا قيْداً لأجيالٍ تتالى
فلا خَلقاً عرفْنَ ولا ابتداعا
مَشيْنا والنّضالَ على طريقٍ
أزَحْـنـا عنْ وُجوههم القِناعا
سَنَبقى الثّائـرين لكلِّ شعبي
وحقُّ الشعب يُـنــْتــَـزعُ انتِـزاعا
ونحنُ الثّائِـرونَ على مواضٍ
وسيفُ نِضالِنا كانَ الصِّـراعا