أحد رفقائنا المميّزين في الكورة… المهندس حنّا العيناتي
أذكر أنّني سمعت عنه في الستّينات من شقيقه الطالب في الجامعة اللبنانية الرفيق جورج الذي كان ناشطاً حزبياً في تلك المرحلة، ثم التقينا وإن لم يكن كثيراً كما أرغب، فقد كان الرفيق حنّا مقيماً خارج الوطن، لفترات، وكنت بدوري مسافراً إلى البرازيل، ومنصرفاً بكلّيتي للعمل الحزبي، إلّا أنّتي دائماً كنت أسمع عنه ما يفرح.
هذه النبذة ليست كلّ شيء عن رفيق كان له حضوره الحزبي السياسي والاجتماعي في الكورة. إنها إضاءة استندت فيها إلى ما نشرته «البناء ـ صباح الخير» بتاريخ 1 كانون الأول 2005 آملاً من معارفه في كفرحزير، والكورة، أن يضيئوا ما يُغني تلك النبذة، من معلومات تفيد سيرته الغنية.
قالت «البناء» تحت عنوان: تشييع حاشد للرفيق حنّا العيناتي، ورئيس الجمهورية منحه وسام الاستحقاق من رتبة فارس، ما يلي:
«في 30/10/2005 ودّع الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي قرى وبلدات قضاء الكورة في مأتم كبير المهندس حنّا قسطنطين العيناتي الذي توفي في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول في الجماهيرية العربية الليبية.
وكان قد نُقل جثمان الراحل في موكب حاشد من «مستشفى النيني» في طرابلس إلى مسقط رأسه في بلدة كفرحزير، حيث نُظّمت له استقبالات شعبية وحزبية في بلدات: ددّه وفيع وبشمزين التي حمل أهاليها النعش على الأكف، ثم في بلدة أميون حيث أقيم هناك استقبال حزبي قدمت خلاله ثلة من السوريين القوميين الاجتماعيين التحية الحزبية، أما في بلدة كفرحزير فقد أعدّ استقبال حاشد شاركت فيه وفود قومية وشعبية من مختلف مناطق الشمال، ولبنان.
حضر التشييع ممثل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وزير العمل طراد حمادة، وممثل دولة الرئيس عصام فارس، وليد داغر، ممثل الوزير السابق سليمان فرنجية، بربر فرنجية، والنواب السابقون: أسطفان الدويهي، فايز غصن، عبد الرحمن عبد الرحمن، عبد المجيد الرافعي وصالح الخير، د. نزار يونس، بول سالم، رفلي دياب، رئيس المنتدى القومي العربي: محمد المجذوب ونائبه ساسين عساف، نقيب المحأمين السابق خلدون نجا، نقيب مهندسي الشمال عبد المنعم علم الدين، نعيم خرياطي، مدير شركة سوماك الأمين إيلي عون، رئيس مركز صلاح الدين د. هاشم الأيوبي، السفير السابق جهاد كرم، رئيس المركز الإنمائي للمغتربين شربل مالك شلهوب، المفتش التربوي فوزي نعمه وحشد من رؤساء البلديات والمخاتير من كل مناطق الشمال، ووفود شعبية وحزبية من كافة المناطق.
كما حضر التشييع وفد مركزي ضم نائب رئيس الحزب الأمين محمود عبد الخالق، وعميد الإذاعة والإعلام الأمين حافظ الصايغ وعدد من المسؤولين.
ترأس رتبة الدفن متروبوليت جبل لبنان المطران جورج خضر ومتروبوليت طرابلس والكورة وتوابعها المطران الياس قربان وعاونهما حشد من الكهنة. وألقى المطران قربان كلمة نوّه فيها بمزايا الراحل.
الوزير حمادة
بعد ذلك قلّد ممثل رئيس الجمهورية الوزير حمادة الراحل وسام الاستحقاق من رتبة فارس وألقى كلمة جاء فيها: عندما ينظر إلى مغادرة أحد هذه الحياة، ينظر أيضاً إلى ما تركه من آثار وأعمال وقيم، وما مارسه في حياته من إيمان وفضل وذلك يبقى في ذاكرة محبيه وأصدقائه ورفقائه، تتحول إلى فعل إيمان وإلى سنّة وإلى قدوة حسنة يستفيدون منها، لذلك عادةً ما تؤاسي هذه الحياة الفاضلة أهل الفقيد وأنسبائه ورفاقه تؤاسيهم لأنه موجود بينهم بما ترك من أبعاد معنوية تشكل الحياة الحقيقية بعد الموت.
المرحوم حنّا رفيق مناضل، وطني ومخلص. محبّ وإنسان محاور ومنفتح يتمتع بكامل الصفات الطيبة، لذلك فإن ما تركه سيكون قدوة لمحبيه ورفقائه، وسيكون مؤاسياً لهم.
ضاهر
وفي الباحة الخارجية للكنيسة ألقى ميلاد ضاهر كلمة رثاء وقصيدة عدّد فيها مزايا الراحل.
برقية عائشة القذافي
بعد ذلك تليت رسالة التعزية التي بعثت بها الأمينة العامة لجمعية واعتصموا للأعمال الخيرية، عائشة معمر القذافي والتي تضمنت إشادة بالراحل وبمساهماته في أعمال المؤتمر العالمي حول انتهاكات حقوق الإنسان في العراق في ظل الاحتلال.
شندب
ثم ألقى عضو الهيئة الادارية للمنتدى القومي العربي علي شندب كلمة أشاد فيها بمزايا الراحل وشمائله، لافتاً إلى دوره النضالي في عدة أطر من المنتدى القومي العربي، إلى اللجنة الشمالية للتضامن مع المفكر الفرنسي روجيه غارودي، إلى هيئة التضامن مع الشعب الليبي وهيئة مقاومة التطبيع، إلى لجان دعم المقاومة والانتفاضة والتضامن مع العراق المحتل، إلى لجنة أهل وأصدقاء جورج ابراهيم عبد الله، إلى الكثير من الهيئات واللجان السياسية والبيئية التي أسهم في تأسيسها، ومنها هيئة الحوار الشمالية، إضافة إلى دوره البارز في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الصايغ
وألقى كلمة مركز الحزب عميد الإذاعة والإعلام الأمين حافظ الصايغ الذي قال:
إن الرجال الكبار لا ينتهون بمأتم، وحنّا منهم، لقد ترك بصماته في كل مكان وجد فيه وفي كل مرحلة من مراحل عمره في الكورة التي لم تكن يوماً إلا معقلاً لرجال الثقافة والعلم والشاهد على وحدة لبنان وتماسكه، الكورة التي نشأ فيها حنّا وأخذ منها الانفتاح على الآخر وأخذ منها الفكر ليرتدي لباس القومية الاجتماعية.
حنّا الذي انطلق من الكورة مسلحاً بالعقل والثقافة فكان بعمله خادماً للشعب وكان وفياً فزرع الخضرة في الكورة ليزيدها عزاً وكرامة وتواصلَ مع الجميع… سافر ولم يهاجر، سافر كي يعود ويساهم في العمران… ويوم طغت الطائفية كان يسجل علامة فارقة تقول: لا للحقد المذهبيّ.
وإذ أكد الصايغ أن الكورة هي رمز وحدة لبنان وقلعة من قلاع الوطن، ختم كلمته بالقول: يا رفيق حنّا، أنت باقٍ فينا تشدّ على أيادينا لتعميق الوحدة الوطنية، تقول للجميع كلّنا مدعوّون لأن نعمّق تماسكنا وأن ندخل في عملية حوار صريح وغير حاقد، لتثبيت كيان هذا الوطن وديمقراطيته.
العيناتي
وبِاسم منفذية الكورة وعائلة الفقيد تحدّث شقيق الراحل الرفيق جورج العيناتي فقال: آمنت بكلّ ذرّة من تراب لبنان الطاهر معطّرة بعرق آبائنا وأجدادنا، مطهّرة بدم البطولة. آمن بها أنبل مليون مرة من الذين يتآمرون على هذا الشعب في العلن والخفاء.
وقفة شرف سجلّتَ بخوضك معركة الانتخابات النيابية مرشحاً عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، مسلّحاً بمحبّة وتأييد وإرادة شرفاء الكورة معطياً المثل لرجال النهضة المخلصين بأن قيمة الصراع في أزمنة الصعاب هي أهم بكثير من قيمتها في الأزمنة العادية.
آمنت بالكورة وجهاً للمجتمع الجديد، ورسالة إنقاذ انسانية جديدة إلى العالم».
الرفيق حنّا قسطنطين العيناتي في سطور
ولد المهندس حنّا العيناتي في كفرحزير ـ الكورة ونشأ في عائلة عصامية عرفت بحبها للعلم والنزاهة والخلق الكريم والخدمات الاجتماعية والإنسانية.
تلقّى دراسته الابتدائية في مدرسة بشمزّين العالية، والثانوية في مدرسة «ملحم» في طرابلس. تابع دراسته الجامعية في «الجامعة الأميركية» في بيروت حيث نال شهادة الهندسة الزراعية.
آمن بتعاليم النهضة القومية الاجتماعية وعمل جاهداً على إلغاء الطائفية وتحقيق الوحدة الوطنية.
عمل في «مصلحة التعمير» ودرّس في مدرسة بشمزّين العالية، ثم عمل في «المشروع الأخضر» في الجنوب ومن ثم أصبح رئيساً له في الشمال. قام خلال سنوات من العمل الجاد والدؤوب باستصلاح آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية التي استفاد منها المزارعون اللبنانيون على مختلف طوائفهم وانتماءاتهم.
شقَّ مئات الكيلومترات من الطرق الزراعية وغرس عشرات الآلاف من الأغراس المثمرة والحرجية، وما زال مشروع تحريج كفرحزير، الذي يعتبر أثمن مشروع تحريج في لبنان، شاهداً حيّاً على عَظَمة مساهماته وسعيه إلى تثبيت المزارع في أرضه وإنماء الزراعة.
اضطر للإقامة مع أسرته في السعودية بداعي العمل. وساعد مئات اللبنانيين في إيجاد الوظائف لهم.
عاد إلى الوطن ليشارك في تأسيس مجلس إنماء الكورة، وكان أحد أهم منسّقي مشروع مكافحة مرض «عين الطاووس» في الكورة.
خاض معركة الانتخابات النيابية منفرداً عن المقعد الأرثوذكسي في الكورة مرشحاً عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.
متزوج من السيدة نجوى سعيد معلوف وله ثلاث بنات: أمل، عبير ومريان.
النعي:
نعى المهندسَ الرفيق حنّا قسطنطين العيناتي، إلى آل العيناتي والحزب السوري القومي الاجتماعي، كل من:
زوجة الفقيد: نجوى سعيد معلوف
بناته: أمل زوجة المهندس رستم مجاعص وعائلتهما. عبير زوجة باسيل ربعمد وعائلتها، ماريان زوجة المهندس سليم فروخ وعائلتها.
أشقائه: يوسف العيناتي وعائلته، عائلة المرحوم الدكتور يعقوب العيناتي في المهجر. وجورج العيناتي.
شقيقاته: أمينة زوجة آلفرِد عودة وعائلتها في المهجر. الدكتورة شمس العيناتي في المهجر. سعاد زوجة الأستاذ الياس النجار وعائلتها. وعفيفة زوجة جان حداد وعائلتها في المهجر. والدكتورة أدليت زوجة الدكتور نسيم خرياطي وعائلتها.
عموم عائلات كفرحزير ومن ينتسب إليهم في الوطن والمهجر.
مهرجان في ملبورن في ذكرى الأربعين
قالت جريدة «تلغراف» الصادرة في أستراليا في عددها بتاريخ 23 كانون الاول 2005، التالي:
«كان للرفيق الراحل حنّا العيناتي في ملبورن لقاءان. لقاء قبل رحيله يوم زارها في مطلع الثمانينات يضجّ حركة ويسطع ضياء نهضوياً ففتحت له القلوب وأمامه القاعات والصحف ومحطّات البثّ الإذاعي يومها، وسكن طيفه في الحنايا وعلت خطبه المنابر وتزيّنت الصحف بحواراته الشيّقة واعتلى صوته الجهوري الصادح بقيم الحقّ والخير والجمال تموّجات الأثير. وكان لقاؤه الثاني بعد الرحيل في ذكرى أربعينه حيث اجتمع الأهل والرفاق والمعنيّون وأبناء كفرحزير، تقدّمهم المندوب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين عادل موسى وسعادة القنصل اللبناني العام الأستاذ غطاس الحكيم ورئيس بلدية مورلاند الرفيق طوني الحلو والمنفذ العام الأمين سايد النكت والأمناء إدمون ملحم، جان سالم، واسكندر سلوم إضافة إلى ممثّلي بعض الجمعيات والمؤسّسات والأحزاب الحليفة كما عائلة العيناتي بأبناء شقيق الراحل الرفيق قسطنطين والمواطنين هادي ورامي.
قام بمراسم الجنازة المتّقدة بالكهنة الأب ديمتري بارودي والأب جورج مطر حيث تحدّث الأب بارودي عن مزايا الراحل ومكانته ورسالته الإنمائية.
وفي قاعة الكنيسة تحدّث رئيس بلدية مورلاند الرفيق طوني الحلو حيث قال: لكلّ إنسان في حياته حادثتان مهمتان، لا مفرّ منهما. الأولى يوم ولادته والثانية يوم مماته. في الأولى نفرح ونهلّل. وفي الثانية نحزن ونتألّم. لكن بين الولادة والموت، مرحلة زمنية تعدّ عمر الإنسان. هذا العمر إما أن يكون مليئاً بالعطاءات والتضحيات، وإما أن يكون فارغاً لا معنى له ولا قيمة.
عمر الأمين الغائب كان عمر العطاءات والإنتاج والتضحيات، لهذا يحقّ لنا أن نقول أنّ في حياته ولادتين: ولادة الجسد وولادة الذكرى والمجد.
اليوم نحن نحتفل بالولادة الثانية لأمين أعطى ونذر حياته بذوراً للأمّة وللآخرين وإن غاب جسده أما روحه فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.
هذا الوجود وهذا الوجود الكوراني الممثّل عبر الأمة بالفكر والممارسة أعطى عدداً من رجال الفكر والعلم والمعرفة. حتى لُقّبت الكورة بالكورة الخضراء لا لزيتونها واخضرار سفوحها وقراها ووديانها، بل للإنتاج الفكري العقائدي المدرك حقيقة وجودنا وانتمائنا ومن نحن!
فكانت له صولات وجولات ومواقف تعبّر عن نهج الفكر القوي الاجتماعي عبر المؤسّسات الحزبية.
الأمين حنّا، غيابه موسميّ، ذكراه ستبقى تتردّد على ألسنة كلّ من عرفه في سجلّ النهضة القومية الاجتماعية، وما التكريم الذي دعت إليه المنفذية إلا تعبير لصحة ما نقول.
فهنيئاً للأمّة به وهنيئاً للحزب بأمثاله، هنيئاً للكورة بوجوده وبانتمائه إلى الأرض. وهنيئاً لعائلته بحضوره الدائم.
أمثاله لا ينتهون بمأتم، بل يستمرّون بالنهضة عبر الأجيال الجديدة».