ست سنوات جديدة من الأمر الواقع
روزانا رمّال
هو أحد المواطنين الروس الذين طلبوا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2013 بذل كل ما بوسعه من أجل «اللحاق» بالولايات المتحدة و«تخطّيها»، في شعار قديم من الحقبة السوفياتية. وكان موقف الرئيس بوتين حينها التأكيد أن سياسته تعتمد على البحث عن مؤشرات الضعف لدى خصمه، وعلى ما يبدو فإن لهذا المواطن تأثيراً كبيراً في نفس بوتين بعد أن جسّد له رغبة المواطن الروسي التوّاق إلى العودة إلى الساحة الدولية من باب تلك العظمة التي هزمتها الدول الغربية. فإذ به يستفيق مجدداً من بوابات أخرى مستفيداً من نقاط ضعف الخصوم في كل من سورية والعراق والمنطقة. وهي هي منطقة الشرق الأوسط أو ما يُعرف أكاديمياً بـ «قلب العالم السياسي» تهدي بوتين انتصاره الجديد والكبير هذه المرّة في الرئاسة الروسية لمدة ست سنوات أي ولاية رابعة تستمر حتى عام 2024.
إعادة انتخاب الرئيس الروسي من منظار النتائج المعلنة التي فاقت الـ 75 في المئة من التأييد هي تأييد شعبي لسياساته، وتعني أن الشعب أراد أن يشدّ على يده في قراراته السياسية. وتعني أيضاً أن الشعب الروسي مستعد للذهاب بعيداً من أجل استعادة موقع بلاده الدولي على عكس الترويج بأن سياسات بوتين أرهقت الاقتصاد المحلي، لأن التحالف مع الصين والانفتاح على دول مصدّرة للنفط والغاز جعلا الناخب الروسي يراقب التماهي بين سياسة إعادة الاعتبار والتطوير معاً، لكن الأهم ان هذا الناخب يبدو وعلى عكس الناخب الأميركي أكثر مَن يولي اهتماماً بالسياسة الخارجية التي يرسمها المرشح في حملته الانتخابية أي أن أحد اسباب هذا الفوز الساحق من دون شك هو الاستفادة المباشرة من الأزمة السورية، التي لولاها لما استُعيد موقع روسيا من الباب العريض الى المواجهة الدولية كرقم صعب أجبر الولايات المتحدة على الاعتراف به كجزء من المشكلة المطلوب حلها. ما يعني ضرورة الجلوس معه للتفاوض. وهذا ما يتناقض مع الشعب الأميركي الذي لا يولي اهتماماً كبيراً بسياسة البيت الابيض الخارجية ولا يمكن للناخب أن يعتمد على ذلك، لأنها لطالما كانت سياسة صاخبة تتوالى عليها الإدارات من دون أن يبدو لناخب تأثير مباشر في الرفض او التأييد لهذا يتمّ اختيار المرشح بحسب خطته او سياسته الداخلية. الأمر الذي اعتمد عليه ترامب في إغداق وعود كبيرة أهمها تأمين الوظائف للجميع. وها هو يحصد الأموال الوفيرة من المملكة العربية السعودية بصفقة كبرى خلال أيار الماضي يُضاف اليها ما سيقدمه الامير الشاب محمد بن سلمان في زيارته واشنطن هذه الأيام.
بالعودة إلى الشعب الروسي الذي أكد تأييد مواقف بلاده، بل بدت النتيجة كهدية تقدير منحها الناس لرئيسهم، فإن هذا يزيد بوتين اطمئناناً لسنوات ست مقبلة في انتهاز كل الفرص نحو آخر الطريق، لكن الأهم أن الست سنوات هذه ستكون الأكثر إيلاماً للأميركيين بحيث سيتم الإعلان فيها عن موقع روسيا الجديد والتفوّق الكبير في الشرق الأوسط وعن انتصارات روسية لم تستطع كل مساعي واشنطن التخلص منها على مقربة من الاستحقاق الانتخابي من ضمنها تشويه سمعتها بقضية تسميم الجاسوس المزدوج في لندن، إضافة الى تغطيتها الاعمال «الوحشية»، كما تصفها مندوبة الولايات المتحدة نيكي هايلي التي يتمّ اتهام الرئيس بشار الأسد بها في الغوطة الشرقية باستخدامه الكيميائي، بالإضافة الى عقوبات عالية المستوى على رجال أعمال روس وعقوبات اقتصادية على روسيا، شأنها شأن الأجندة المتّبعة من قبل الأميركيين في المنطقة، خصوصاً مع إيران وحزب الله من أجل تقليب الشعب عليهم. وهو الأمر المقصود في روسيا لتقويض حضور بوتين وشعبيته وخلق هذه الأرضية. فبدا الشعب الروسي يحمل نزعة لا يستهان بها من «الحنين للأمجاد». وهذا ما يفسر كل التمسك بمواقف بوتين تجاه المنطقة خصوصاً في سورية.
سياسياً، فإن هامش التصعيد صار أعلى لدى بوتين بعد الفوز بست سنوات جديدة. وإذا كانت هناك إمكانية لذلك، فإن هذا يضع الأميركيين أمام الأمر الواقع الذي يفرض في نهاية المطاف الاستسلام له. فأحلى الخيارات وأسوأها واحد بالنسبة للبيت الابيض الذي بات عليه «حكماً» أن يتقبّل فكرة المفاوضات مع بوتين والتسليم بتفوّقه في الملف السوري ومتانة تحالفاته، خصوصاً مع إيران والصين بوقت تتعرّى استراتجية واشنطن بخلافات الحلفاء ما جعل ترامب يُعيد رفع فكرة توحيد دول الخليج من جديد على ما بدا إعادة تزخيم الحلفاء بعد فوز بوتين مجدداً.
الأمر الواقع بعد هذا الفوز يعني إمكانية أن تُحسم الحلول قريباً، بعد أن سقطت مسألة إضعاف الرئيس بوتين واستسهال الضغط عليه داخلياً، فيما لو كان قد فاز بنتيجة ضعيفة، خصوصاً أن واشنطن لم تتوانَ عن دعم المرشح الشيوعي في مشهد لافت بعد أن صار جزءاً من اليسار الروسي مدعوم غربياً.
وفي أول أيام الولاية الجديدة ترفع روسيا مستوى التهديد، بما يشكّل إعلاناً واضحاً عن مرحلة ضغط معاكس تطلقها روسيا هذه المرة بعد أن اطمئن الكرملين على مرور الاستحقاق الرئاسي لمصلحة بوتين بإعلان رئيس لجنة شؤون الدفاع في الدوما الروسية، فلاديمير شامانوف إنه «من الضروري النظر في إمكانية إغلاق المجال الجوي السوري في وجه البلدان التي لا يوجد لديها سماح رسمي من الحكومة السورية». وهو يعني هنا بوجه الأميركيين تحديداً وهذا يعني نسف كل التنسيق في سورية ويدخل واشنطن بحساب مقلق سيتوجّب عليها نتيجته الإسراع في التوجه نحو عقلانية تردعها من سيل التهديدات التي لن تضغط على روسيا أو حلفائها وتأخذها نحو الحلول بفترة أسرع مما ترصده للاستنزاف.