سليمان خوري: المشروع يندرج في سياق التفاعل النخبويّ
رنا صادق
هي الأنثولوجيا بالمفهوم اللغوي الصحيح، لكنها عُرفت وشاعت بـ«الأنطولوجيا» نسبةً إلى المعجم الفرنسي، واعتاد الناس على استخدامها، لكن الكلمة الصحيحة هي الأنثولوجيا، فكان لا بدّ من الإضاءة على ذلك.
«العالم في عيوننا»، أنثولوجيا شعرية أدبية نسائية جمعت ما بين الشاعرات اللبنانيات والقارئ الألماني، أقامت رابطاً جديداً ما بين الشرق والغرب، سلسلة من الأعمال الأدبية ترجمها كل من الدكتور سرجون كرم والمترجمة الألمانية كورنيليا تسيرات. وعلى ضوء ذلك، أقيم حفل إطلاق الكتاب برعاية وزارة الثقافة اللبنانية ممثّلةً بسليمان خوري، وذلك في قصر الأونيسكو، بحضور عبير شبارو ممثّلةً وزير الدولة لشؤون المرأة اللبنانية جان أوغاسبيان، رئيسة مؤسّسة «أبعاد» غيدا عناني، رئيس معهد «غوته» الألماني ماني بورناغي، الدكتورة ناديا فون مالتسان عن «المعهد الألماني للدراسات الشرقية»، وحشد من الشعراء والأدباء والكتّاب وممثّلي المنتديات الثقافية والجمعيات النسائية.
شاركت في العمل الأدبي الألماني سبعٌ وثلاثون شاعرة لبنانية، تنوّعت اهتماماتهن بين الشعر العمودي والنثري، وذلك للتعبير عن مكنونات المرأة الاجتماعية والنفسية والحياتية، مع آلامها وخيباتها وسط العادات والتقاليد البالية. والشاعرات هنّ: إدفيك شيبوب، صباح زوين، الراحلة مي الأيوبي، باسمة بطولي، دارين حوماني، فاديا بدران، هدى ميقاتي، هدى النعماني، إنعام فقيه، عناية جابر، عناية زغيب، جميلة عبد الرضا، جميلة حسين، ليندا نصّار، لوركا سبيتي، مريم خريباني، ميرا صيداوي، ندى الحاج، ندى حطيط، نادين طربيه، نسرين كمال، رنيم ضاهر، ريتا باروتا، سنا البنّا، سوزان شكرون، سوزان تلحوق، فيوليت أبو الجلد، د. يسرى بيطار، إيفون الضيعة، غادة إبراهيم، هالة نهرا، زهرة مروّة، زينب حمود، نور سلمان، ماري قصيفي، مهى خير بك، ومهى بيرقدار الخال.
خوري
قدّمت الحفل الشاعرة لوركا السبيتي، وكانت البداية مع كلمة وزارة الثقافة ألقاها سليمان الخوري، وجاء فيها: إنها لبادرة جليلة أن تسجتمع باقة قيّمة من روائع الشعر النسويّ العربيّ لتتقولب شعراً بالألمانية. هي ذات قيمة تأخذ منحيَين: الأوّل تندرج أهميته في أنه يأتي في سياق التفاعل النخبوي. والثاني تكمن أهميته في أن هذا الديوان يُدرج القصيدةَ، التي هي أصلاً، باللغة العربية، في مقابل القصيدة المترجمة إلى الألمانية، ما يعني أنه يشكّل سابقة، إلى حدٍّ ما، خرجت عن سياق الترجمات إلى الألمانية التي كنّا عهدناها في الفترة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، ثمّ في خلال القرن العشرين، والتي، جلّها اهتمّ بالمواضيع الدينية والدراسات الإسلامية، وذلك في إطار الأدب الاستشراقي، وباللغة الألمانية.
وأضاف: وهنا، يجدر بنا أن نلفت إلى أن اللغة الألمانية، وبالتالي، النتاجات الفكرية باللغة الأمّ، لم تأخذ المدى المرتجى في الانتشار في العالم العربي، في حين أن الثقافة الجرمانية تتمتع بقدر رفيع وسامٍ في مجالات الأدب والفنون، إضافةً إلى صنوف متعدّدة في ميادين العلوم. ولأنها كذلك، تبرز أهمية هذا الديوان.
وتابع: إنّ المختارات التي احتواها كتاب «العالم في عيوننا»، والتي جمعت بين العمودي والحديث، اتّسمت بأنها ذات قيمة فنّية عالية، يجدر أن تمثّل صورة جليّة لطاقات وإبداعات الشاعرات في مهارات التعبير.
وأضاف: هذا الكتاب فريدٌ، إذ تفرّد ناسكاً في الفضاءات الشعرية الوجدانية للمرأة، وتميّز صوفياً يغوص في تكايا الأحاسيس وحناياها وثناياها. واللافت توقيت إصداره متزامناً مع يوم المرأة العالمي، ليشكّل رسالة دعم للمرأة في تحقيق طموحاتها، ومناسبة إضافية لإبراز مكانتها ومكنوناتها الفكرية.
كرم
ثمّ كانت كلمة الدكتور سرجون كرم قال فيها: هذا المشروع جزء من سلسلة بدأت قبل 12 سنة لنقل الأدب اللبنانيّ خصوصاً والعربيّ عموماً إلى اللغة الألمانيّة. لكنّني لستُ الأوّل الذي أخذ هذه المبادرة. ففي عام 2000 أصدر «المعهد الألمانيّ للدراسات الشرقيّة» في بيروت كتيّباً يضمّ مقتطفات من روايات لبنانيّة من فترة الحرب الأهليّة بعنوان «عذاب وانطلاق». من كل رواية صفحة مترجمة. ويذكر الناشر في مقدّمة الكتاب أنّ الأدب اللبنانيّ المعاصر يحمل ثروة من المفاجآت ومع ذلك لم تولد أيّ محاولة لنقله إلى خارج حدوده. ومع أنّني لم أعرف بمحاولة المعهد الألمانيّ إلّا الأسبوع الماضي فقط، يمكنني القول إنّ هذه الأمنية قد أضحت واقعاً.
وأضاف: إنّ أنثولوجيا «العالم في عيوننا» جمعت في ذاتها مناسبة الشعر ومناسبة يوم المرأة العالميّ. مناسبة يوم المرأة العالمي التي جُهِّز هذا العمل خصيصاً لها بأصوات نسائيّة تعبّر عن واقع المرأة اللبنانيّة. ومناسبة الشعر إذ إنّ النصوص هي لشاعرات لبنانيّات يختزلن الساحة اللبنانيّة بتعدّديّتها الدينية والاجتماعية والثقافية. فلحّنت الشاعرات فيه صوتاً واحداً بنغمات متعدّدة. منهنّ من تطرّقت إلى موضوع العنف ضدّ المرأة، ومنهنّ من تطرّقت إلى سلطة التقاليد والمجتمع الذكوريّ، ومنهنّ من تطرّقت إلى الرجل أباً وحبيباً وإلى المرأة أمّاً وحبيبةً وحتّى عشيقةً، ومنهنّ من رسمت الوجع لامبالاة وانكساراً أو فراغاً.
وتابع كرم: لم يكن هدف هذا المشروع النسائيّ ذي الطابع الشعري الأدبيّ إثارة شعورٍ بالشفقة لدى القارئ الألمانيّ، ولا استدراج تعاطفه. لقد أصرّ هذا المشروع ونجح بنصوص شاعراته في أن يضع المرأة اللبنانيّة الشاعرة والأكاديميّة والإعلاميّة والصحافيّة والفنّانة والرسّامة والعاملة في قطاع المسرح والموسيقى وفي القطاع التربويّ، وربّةَ البيت، إلى جانب الألمانيّة والأوروبيّة وفي الفضاء الإنسانيّ مناضلةً في سبيل قضيتها المحقّة والعادلة. أمّا اختيار الأسماء فكان الحلقة الأصعب في ما يتعلّق بشاعرات العصر الجديد.
حطيط
أمّا كلمة الأنثولوجيا، فألقتها الإعلامية والشاعرة ندى حطيط، وقالت: «العالم في عيوننا» أنثولوجيا تفتح كوّة تواصل بديل بين العالم العربي والأمّة الألمانيّة من خلال نافذة الأدب الرحبة، وتضع القارئَين الألمانيّ والعربيّ على حدّ سواء أمام تساؤلات مستحيلة أكثر ربّما من الإجابات، في شأن معنى نسونة الشعر، ومكانة الشعر في دنيا ما بعد الحداثة، وإمكانية ترجمة القصائد بين اللغات، وكذلك البحث في قواسم مشتركة مفترضة يمكنها أن تجمع بين هذي الأصوات متباينة الألوان والمشارب. وهي تمنح ثلّة من نساء بلاد الأرز صوتاً يرفرف بأجنحة تقترف كلّ صنوف الحرّية من دون أن تُمارَس عليهن سلطة التنميط المسبّق، لتصير قصائدهن نوارس من شغف ووجع، كما لو أنها بوح مجاهدات جريئات تفرك كلماتهن رأس الفضيحة وتنزع الضماد عن المأساة. وكما لو أنها أصوات عالية خرجت من تنميطات حرّاس الثقافة لتصرخ بكلّ ما أرادت، وتحكي عن الرؤى الجدلية عبر الشعر الذي هو أقرب أعمال البشر إلى اشتغالات الآلهة.
لقاءات
«البناء» تحدّثت إلى عدد من الشاعرات المشاركات في ديوان «العالم في عيوننا»، للوقوف على روحية هذه التجربة العملية والإنسانية المنفتحة على الغرب بأبعادها كافّة.
الشاعرة نادين طربيه شاعرة التناصّ والكلمة، تمكّنت من المشاركة في هذه التجربة لتتكلّم بِاسم المرأة اللبنانية والمرأة ككلّ، حيث اعتبرت أنّ تجربة الأنثولوجيا جعلت الفرصة سانحةً أمام شاعرات لبنانيات لأن يعبّرن عن «نحن» النسائية التي تجمع كلّ نساء الأرض بالهموم، والأحلام المشتركة والألم المشترك، والطموح المشترك.
وقالت: هذه المشاركة كانت قيّمة جداً، لأنها في البداية فتحت لنا الباب لندخل عند القارئ الألماني. وهذه فرصة هامّة جداً لنا كشاعرات، وفرصة لنعبّر عن هواجس المرأة اللبنانية. وهذه الهواجس لا تخصّ المرأة اللبنانية فقط بل المرأة حيثما وُجدت على الكرة الأرضية، لأن المرأة بطبيعتها كائن متميّز جداً، ومعطاء. وهذه الحالة قد عايشناها أثناء كتابتنا ما في دواخلنا. «العالم في عيوننا» فرصة شعرية عالمية رائعة. هذه التجربة لم توصل أصوات الشاعرات فقط، بل صوت المرأة ككلّ، وآمالها بالعدالة وسعادتها وآلامها.
وأضافت: الاحتكاك بين الحضارات يولّد ثقافة وتفاعل مهمّين، ويساعد في تبادل الخبرات والأفكار. لم يقدر أحد على تحقيق شيء من دون حركة الترجمة. ففي العصر العباسي لعبت الترجمة دوراً هامّاً وساعدت العرب في الانفتاح على الفكرين الإغريقي والفارسي، وحتّى الفكر الهندي. هذا الأمر طوّر المجتمع. وكذلك هذه التجربة تميّزت لأنها فتحت أبواب الغرب على الشرق. أتصوّر أنّ المرأة اللبنانية تتمتّع بمميّزات، من جمال الشكل والروح والأصالة، وهي امرأة حاملة للقيم، ومتفانية في سبيل تربية أجيال صالحة، وتطالب بحقوقها في زمن حقوق المرأة باتت شعاراً. المرأة اللبنانية تكافح من أجل تأمين مستقبل مشرق لأطفالها، وحياة مميّزة، هي امرأة عاملة ومناضلة.
وتابعت: ومن هنا يجدر السؤال: من أين نبدأ بتحرير المرأة؟ هل نبدأ بعملها؟ أو ببناء عقلها؟ أو بتربيتها؟ أتمنّى على المرأة أينما وُجدت ألّا تكون عدوّة نفسها بالدرجة الأولى، ولا عدوّة المرأة بالمجمل، بل أن تؤمن بنفسها وبدورها كمسؤولة عن التربية، لأنها أساس المجتمع.
الشاعرة جميلة عبد الرضا شاركت بقصائد: «أسنُّ الشوارع لمجيء»، «لن يأتي»، و«جُملةٌ غائبة»، واعتبرت أنّ هذه التجربة فريدة تحلّق بين الحدود وتتخطّى المعابر اللغوية والقيود الجغرافية، في وقت تحتشد التجارب الثقافية والاجتماعية والحياتية وأيضاً تتنافس الأضواء على الأضواء وتسمو الحداثة.
وقالت: جميل جداً أنّ ننطلق من شرقنا وشرق اللغة وهموم ذواتنا ومجتمعاتنا نحو الغرب. جميلة هذة التوأمة وجميل هذا الانفتاح الثقافي، وهذا التبادل الديمغرافي. يعطي هذا الشعور نوعاً من الرهبة والجمال ونوعاً من خفقة إنسانية عالمية بين الضلوع. محاولة ترجمة تجربتنا الإنسانية والذاتية وتناولها بلغة أخرى. هذة الأنثولوجيا تناولت قضايا المرأة بكلّ ما يختلج في ذاتها وكلّ ما تعانيه الذات التي تدور حولها بكلّ قضاياها.
الشاعرة إيفون الضيعة شاركت بنصّين الأول بعنوان «لم أصرخ» ويحكي عن المرأة المقموعة في مجتمعها وتبحث عن هويتها، وتضحّي بصمت من أجل أطفالها، والنصّ الثاني بعنوان «كأس عشقٍ أخيرة»، وأيضاً يحكي عن قمع المرأة وخيبات المجتمع والحبّ، وهو القصيدة عبارة عن صرخة.
وتقول إنّ هذه المشاركة هي أولى خطواتها على أبواب العالمية من خلال ترجمة نصوصها، إلى شعب لديه نهم للقرأة من خلال باب أكاديمي ومهني. والصحافة الألمانية أعطت أهمية لهذا المشروع لذلك تتوقّع أن تنجح هذه الخطوة وأن تلقى اهتماماً واسعاً من الجانب الألماني.
وقالت: نحن كشاعرات أمام مسؤولية الكلمة اليوم، التي تمثّل المرأة اللبنانية. الكلمة قادرة أن توصل الكلمة الحقيقية الأنثوية الحاملة للصرخة، ستضيء على ثقافة المرأة اللبنانية وعمقها وثقافتها، المرأة الثائرة التي تعمل على تحقيق ذاتها في ظلّ محاولات تشويه صورة المرأة العربية. والشعر سيكون الصورة الحقيقية عن وضع المرأة اللبنانية السبّاقة في جميع المجالات.
هذه بداية ليست ككلّ البدايات، هي بداية عالمية متجدّدة مفتوحة الآفاق، تحمل رسائل وتجمع ما بين حضارتين، علّ هذا العمل يكون نافذة أعمال أدبية وشعرية جديدة مترجمة، توصل صورة «لبناننا» كما هو.