وليد أبو سليمان: الموازنة لا تعكس رؤية اقتصادية ولا سياسة مالية
أسف الخبير المالي وليد أبو سليمان لأنّ «الصورة سوداوية، فالوضع المالي والاقتصادي صعب بناء على جملة مؤشرات أبرزها الأزمة التي حلّت في القروض السكنية بعدما أنفقت المصارف الكوتا التي خصّصت لكلّ منها، فيما الحلول المطروحة راهناً جزئية، أضف الى العجز والدين العام الذي ينمو بوتيرة مرتفعد جداً، بينما يفترض أن لا يتخطى العجز إلى الناتج المحلي 3 أو 4 ، وهو يقارب الضعف راهناً، رغم كلّ التقشف في النفقات، ويصل الى 8,35 إلى الناتج المحلي فيما بلغ الدين عام 150 إلى الناتج المحلي، ما يعني أننا الدولة الثالثة عالمياً المديونة إلى الناتج المحلي بعد اليابان واليونان، فيما الاقتصاد الياباني كبير جداً بينما يقف الاتحاد الأوروبي خلف اليونان».
ورأى أنّ «الخلل هو بسبب العجز الذي يزداد ارتفاعاً فيما الدين يتفاقم، والعجز سيتحوّل تلقائياً إلى دين عام. ثمة صراع سياسي يدفع ثمنه المواطن لأنّ ديون اليوم هي ضرائب الغد»، مشيراً الى أنّ «قطع الحساب وحده قادر على التأكد من أرقام الواردات والنفقات والعجز وما إذا كان هناك غش في الأرقام»، لافتاً إلى أنّ «ما يحصل هو تأجيل لبعض النفقات بانتظار وصول الهبات من الدول الغربية، أو تحويل جزء من الدين إلى دولار، وهذا أمر إيجابي لكن الخطورة تكمن في حال حصول أيّ خلل في تسديد الدين ستواجه الدولة أزمة صعبة بينما بإمكانها التحكم بسعر صرف الليرة فيما لو كان الدين بالعملة الوطنية».
واعتبر أنّ المشكلة الأساس هي في كيفية لجم العجز والسيطرة على الدين العام، أما الكلام عن تخفيض 20 من النفقات فهامشه صغير جداً لأنّ 75 من هذه النفقات ثابت لا يمكن المسّ به، كونه يتصل بخدمة الدين، وعجز موازنة كهرباء لبنان وأجور القطاع العام، وبالتالي التخفيض لا يطال أكثر من 5 إلى 6 من موازنات الوزارات.
ولفت الى أنّ الحلّ الوحيد، إلى جانب مكافحة الهدر والفساد، هو في رفع الإنفاق الاستثماري الذي من شأنه أن يخلق فرص عمل ويكبّر حجم الاقتصاد.
وأشار إلى أنّ أرقام الموازنة موزعة بين 2100 مليار ليرة لعجز مؤسسة كهرباء لبنان، 5,3 مليار دولار كلفة الرواتب والأجور، و5,6 مليار دولار خدمة دين عام، وما تبقى من الـ 23 مليار دولار تخصص لنفقات تسيير شؤون لدولة، الى جانب 1300 مليار ليرة نفقات استثمارية، وهذا يدلّ على أنّ هذه الموازنة لا تعكس رؤية اقتصادية ولا تتضمّن سياسة مالية وإنما هي مجرد تجميع للأرقام.
وقال إنّ «الحكومة تناقض نفسها ذلك لأنه مع فرض ضرائب جديدة لا يمكن تمرير إعفاءات، لكنها تقوم بهذه الخطوة بغية زيادة الإيرادات وتحفيز المكلّفين لدفع الضرائب المتوجبة عليهم من خلال شطب بعض الغرامات كون الحكومة بأمسّ الحاجة للإيرادات لإطفاء العجز. مع العلم أنه لا يمكن غضّ النظر عن التفلّت الضريبي وشرعنته من خلال الإعفاءات لكن الحكومة في وضع لا تحسد عليه ولهذا قامت بهذه الخطوة لزيادة الإيرادات».
وأكد أنه «من الحلول الممكنة تخفيض الفائدة على الدين العام اذ أنّ تخفيض 1 سيؤدّي إلى توفير 800 مليون دولار سنوياً إذا كان الدين 80 مليار دولار. ويمكن تغريم أصحاب مولدات الكهرباء وإخضاعهم للرسوم من دون شرعنة هذا القطاع».
ولفت إلى أنّ «المؤشرات التي تنذر بصعوبة الوضع هي في العجز والدين العام لأنّ العجز تخطى عتبة الـ3 من الدين العام، والمتفق عليها في معاهدة ماستريش، ليصل الى 8,35 ، والدين إلى الناتج المحلي يتخطى الـ60 المتعارف عليه في المعاهدة نفسها ليصل الى 150 . وانما من منظار حاكم مصرف لبنان الأمر مختلف، فلبنان بلد فريد من نوعه لأنّ ودائعنا تتخطى أربعة أضعاف حجم الاقتصاد، ايّ حجم الناتج المحلي، وهو يشكل العمود الفقري والرادع لأيّ انهيار».
وقال: «لدى مصرف لبنان من الاحتياط بالعملات الأجنبية ما يكفي لامتصاص الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية كافة، إذ أنّ 66 من الودائع مدولرة وبالتالي ممكن لمصرف لبنان امتصاص الكتلة المتبقية في حال عرضها للبيع».
وأشار الى أنّ «سلسلة الرتب والرواتب أقرّت مشروطة بضرائب لتأمين الإيرادات ولكننا حذّرنا أنه في وضع اقتصادي ضاغط سيؤدّي فرض ضرائب جديدة إلى أسر الاقتصاد، وهذا ما حصل، لم تأت الإيرادات على حجم التوقعات ما أدّى إلى رفع العجز».
واعتبر أنّ الأزمة الاقتصادية ستولد أزمة اجتماعية ومن شأنها أن تسبّب أعمال شغب وتوترات في الشارع، مشيراً الى أنّ «إعادة الاقتصاد إلى السكة السليمة تفرض علينا تحفيز الاستثمارات ورفع الاستهلاك وذلك من خلال تأمين بيئة تنافسية مع دول الجوار حيث ترتفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بينما تنخفض في لبنان بسبب ارتفاع الكلفة التشغيلية، وسوء البنى التحتية».