الأوزان والأحجام المنفوخة في لبنان

د. رائد المصري

تزامناً مع المعركة الانتخابية النيابية المفتوحة في لبنان في السادس من أيار المقبل، وما يرافقها من خطاب تحريضي خبيث وعبَثٍ ضارٍّ في النسيج الاجتماعي والوطني اللبناني، يحاول تيار المستقبل أو ما تبقَّى من الحريرية السياسية غرْزَ آخر ناب أو أظفار له في أجساد الفقراء المُعدَمين الذين كَوَتهم سوليدير وملحقاتها بالحديد والنار منذ عام 1992. واليوم يريدون استعادة أمجاد اقتصادية محمية بقوة سياسية برلمانية تحصِّن سرقاتهم وفسادهم المالي والسياسي وتشرِّع للبنك الدولي الاستباحة المُمنهجة لأموال الناس عبر قروض تمويلية جديدة لباريس أربعة..

فهل تنجح الحريرية السياسية في إعادة النظام اللبناني الى الوراء وربطه من عنقه بقرارات الاستعمار الأميركي والإسرائيلي الجديد…؟

فما توضَّح الى اليوم منذ بدء التحشيد الانتخابي ورصِّ الصفوف الذي يعمل عليه الحريري وفريقه السياسي، هو حجم اللامسؤولية واللاوعي السياسيين الذين انطوى عليهما هذا الفريق، بالانتقال من محافظة لبنانية الى أخرى، محمَّلاً بالتُّهم وبالنعوت لخصومه السياسيين مستخدماً أدوات بالية في خطابه، مستنداً على أوراق وإثباتات محَتْها ذاكرة اللبنانيين ما خلا فيها هذه الذاكرة من تشليح ونهب بيوتهم وأرزاقهم وعقاراتهم في بيروت وضواحيها وفي مختلف المناطق، بدءاً من الاستملاكات البحرية والنهرية وصولاً الى وسط بيروت وما تلاها من نزع متعمَّد لأهلها ورميهم لقاء تعويضات زهيدة واعداً عبر فرسان التطبيع الجُدد بعلاقات سلام دائمة وفتح المنطقة ولبنان أمام سيطرة الناهبين الماليين والمصرفيين والمضاربين الحالمين، بحجَّة منطق تحريك وتحرير الاقتصاد وتطويره، وإذ بنا أصبحنا كالهنود الحمر نتطلَّع بأعيننا ونتفرَّج على المنجزات الحضارية والمباني المصرفية والأسواق الاقتصادية التي بُنيت دون إنتاج حقيقي من دون أن نملك قدرة الفعل والتأثير والعمل. وهو حال هؤلاء الهنود الأميركيين عندما غزاهم المستعمر الأوروبي الرأسمالي وأبادَهم عن الوجود، وجعل من تبقَّى منهم على قيد الحياة يتطلَّع بعيونه لأرضه التي لا يملكها ومنتج لا حول ولا قوة له بها من أجل لقمة عيشه…

الاستخدام الرخيص في الخطاب السياسي الذي ينتهجه ما تبقى من فريق 14 آذار والمستقبل والزيارات المكوكية التي يقومون بها لمناطق محرومة لم ترَ منهم إلاَّ التحريض المذهبي والاصطفاف الطائفي والمناطقي واستخدام الناس بالاستثمار المذلِّ في إنشاء المحاور العسكرية في طرابلس وصيدا والدفع بأهلها ممن غُرِّر بهم لانتهاج سياسات وتبنِّي مواقف متطرفة راديكالية تقف في وجه حزب الله والمقاومة وسائر القوى القومية والوطنية والعروبية المقاومة للمشروع الصهيوني، للقول بـ«أننا أي المستقبل «رمز الاعتدال والانفتاح»، علماً أنَّ هؤلاء ليسوا بمعتدلين ولا بانفتاحيين حين صادروا قرارات كلِّ البيوتات السياسية الوطنية الحقيقية في بيروت والبقاع والشمال، من خلال الاستثمار بدم الشهيد رفيق الحريري والسطو على الحكم ذات ليل، والنفخ بطبول الحرب الإسرائيلية عام 2006 على المقاومة، ونهب 11 مليار دولار تبخَّرت من دون قيود في الميزانية العامة للدولة، فلا يعتقد أحد بعد في لبنان بأنَّ هؤلاء هم فعلاً أصحاب السيادة وأسياد بناء الدولة والحفاظ عليها ومن حماتها، بل هم منتهكون الكرامة الوطنية ومستبيحون ومشرِّعون السطو على المال العام، مال الناس وأرزاقهم في تحصين عيشهم بعد أن فقدوا قدرة العيش بالحدِّ الأدنى منذ عام 1992 الى يومنا هذا….

خطاب الرئيس الحريري الانتخابي في البقاع الغربي، ولو كان في سبيل المزايدات السياسية الفاقدة أدنى توازن، فهي تؤكِّد على الاستمرار في نهج الإلغاء والإقصاء – هذا إذا قدّر له وحصل – وعدم الاعتراف بقوى سياسية حقيقية في لبنان أخذت مسؤولية الناس على عاتقها وواكبتها وحصَّنتها، في الوقت الذي كان السياديون فيه من «14 الشهر» وتوابعهم ومن المستقبل، يقفون على تلال عرسال يناشدون قوى الإرهاب والتكفير بضرورة الاستمرار في ثورتهم على سورية لإسقاطها، وضرورة وحاجة وصولهم الى لبنان للتخلُّص من المقاومة بعد أن عجزت «إسرائيل» وخاب ظنهم بها، وبعد أن بنوا متاريس الحرب في طرابلس ودعموا نُخب المحاور العسكرية، وبعد أن حاولوا التأسيس على الحالة الأسيرية في صيدا والرهان عليها إذا أمكن… لن ينسى اللبنانيون كل هذه المآسي التي حصلت وقتلت منهم ما قتلت، واليوم يريدون إعادة الخطاب الانتخابي بصيغة وضع السمّ بالعسل السياسي للتجديد لعقدهم الاجتماعي في الاستحقاق الحالي في 6 أيار، ويريدون من الشعب اللبناني طي صفحة الماضي بل والأخطر من كل ذلك إعادة إنتاج خطاب رمي التهم على قوى سياسية لبنانية وربطها بسورية أو ما يسمُّونه زمن الوصاية السورية أو المحور الإيراني السوري وغيرها من الصفات التي لن تقدّم ولن تؤخر في شيء، لاسيَّما وأنَّ المنجزات السياسية والعسكرية في سورية والعراق وكل المنطقة تصبُّ في مصلحة محور المقاومة، وهو ما سلَّم به أخيراً الأميركي في التأشير لضرورة انسحابه من سورية، أو لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنَّ الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ في السلطة… تسليم بات منجزاً وكاملاً بانتظار الإخراج المدبْلج لكن ليس على الطريقة التركية، بل على الطريقة العروبية المقاومة لمشروع «إسرائيل» ونصرة مقدساتها…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى