تجمُّع «جادة الملك» بدل تجمُّع 14؟
روزانا رمّال
في سبعة أيار يصبح على الرئيس سعد الحريري التقدم نحو اللبنانيين باتجاه المهمة الأصعب التي يتطلّب من خلالها إعادة تسميته رئيساً للوزراء، آنذاك سيحتاج الحريري الى اصوات الكتلة الشيعية، تلك الكتلة المتّهمة من السعوديين بالولاء الى إيران. هذه الأصوات تتكفّل مع الحلفاء بإعادة انتخاب الحريري رئيساً للوزراء وبدونها فهو غير قادر على التباهي أمام المملكة من جديد باحتضان اللبنانيين له.
المشكلة أن السعودية تدرك تماماً أن الحريري صار محتضنا من قبل الأفرقاء اللبنانيين ومن حزب الله تحديداً، خصوصاً بعد ازمة الاختطاف التي تعرض لها واستنفرت البلاد بكل مؤسساتها لأجله وتدرك ايضاً أن بدون هذا التعاون مع حزب الله، لن يكون هناك لها ممثل قوي او حليف قوي في الساحة السنية يُعيد المجد لكرسي رئاسة الوزراء الذي يجسّد حضور المملكة في لبنان في وقت صار محسوماً أن الحريري سيلجأ الى هذه الأصوات. تعرف السعودية أن الطريق نحو إتمام المهمة هو واحد أكان الحريري هو الرئيس او غيره من الطائفة السنية التي تمثل حضور المملكة في لبنان كحليف أساسي منذ عقود، وهو التعاون من اجل الحصول على اصوات الذين يعزّزون الحضور «الفارسي» في لبنان، وهم أولئك الذين لا يرغب الحريري بالقطيعة معهم لاعتباره إياهم شركاء الوطن الأساسيين. الأمر الذي لم يعجبها مؤخراً، خصوصاً لجهة التعاون مع وزراء حزب الله في الحكومة.
شرح الحريري وجهة نظره في زيارته الأخيرة الى الرياض بعدما ردّ له الاعتبار وفد سعودي بقيادة نزار العلولا الذي وجّه له دعوة للقاء ملك البلاد وولي العهد، فكان ما كان بعد أن أيقنت المملكة أن صورتها في لبنان لن تعود بدون الإفراج عن الحريري، وأن الحريري وحده القادر على الحفاظ عليها بعد أن مدّ كل الأفرقاء اليد له على الرغم من خسارة حلفائه الإقليميين في مشروعهم ضد سورية وإيران وانتصار حزب الله الذي يقاتل مباشرة في ميادين المحور المنسجم مع مصالحه. بالتالي كان ممكناً لحزب الله الاستفادة من فائض القوة الذي تمنحه إياه التطورات الاقليمية التي شارك بصنعها «بنفسه». بالتالي كان اضعف الايمان ان يطلب تسمية رئيس حكومة مقرّب منه اي قيادي سني من 8 آذار مثل عبد الرحيم مراد او اسامة سعد او فيصل كرامة أو سواهم. لكن هذا لم يحصل، لأن مبدأ الشراكة الوطنية وحده هو الذي يحكم البلاد ومبدأ الشراكة نفسه هو الذي أتى بالرئيس عون الى سدة الرئاسة.
هذه الحقائق التي تدركها المملكة اليوم متأخرة تستوجب الإضاءة على أمر أساسي بعد الانتخابات النيابية، ألا وهو:
اذا كان حزب الله وفريقه مضطراً لتسمية الرئيس الحريري رئيساً للوزراء قبل الانتخابات النيابية لقاء التصويت للرئيس عون على أساس «الصفقة» التي روّج لها، فإن شيئاً لا يفرض عليه بعد ان وصل الرئيس عون الى الرئاسة أن تُعاد تسمية الحريري رئيساً للوزراء. وبالتالي إن أي تصعيد بوجه حزب الله يعني قطع الطريق على هذا التعاون مستقبلاً. وهو ما لا يأمله الطرفان وكأن معادلة غير مباشرة تحكم علاقتهما أي «تيار المستقبل وحزب الله».
ها هو الحريري يخوض المعركة الانتخابية بكل أوجهها ومن ضمنها احتفالات ومهرجانات، لكنه لم ينسَ أن يوحي بأن المعركة فيها شق إقليمي، وهي جزء من المعركة الدولية وتبادل النفوذ وتقاسمها وحضور المملكة العربية السعودية في مرحلة انتخابية هو جزء لا يتجزأ من اصل المعركة في لبنان. واذا كانت قوى 14 آذار قد تفرَّق جمعها مؤخراً، فإن هذا الامر أسس لشكل من أشكال فشل السعودية في مشاريعها المحلية وفشل «لمّ الشمل»، اضافة الى ما لا يمكن أن تلغيه مهرجانات وهدايا او تكريمات من ضمنها التالي:
أولاً: عجز سعودي عن اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لأكثر من 7 سنوات لينتهي المشهد اليوم على إقرار ولي العهد ببقاء الأسد ونية ترامب الانسحاب من سورية.
ثانياً: تقلص النفوذ السعودي في لبنان ترجمها وصول مرشح حزب الله العماد ميشال عون الذي وضع فيتو على اسمه سنتين لهذه الغاية.
ثالثاً: فشل المملكة بحسم حرب اليمن لصالحها ودخولها السنة الرابعة من هذا العجز الذي صار مرهقاً.
جادة الملك سلمان التي افتتحها الحريري في بيروت تشكل رسالة «وفاء» من رئيس وزراء يريد لعب السياسة بذكاء قرّر أخيراً أنها لعبة تستوجب الأخذ والعطاء. وإذا كانت الانجازات المادية الحسية صارت أبعد عن المملكة بسبب التطورات التي تعاكسها في المنطقة، فإن إنجازات معنوية من هذا النوع تتكفل بحفظ حضورها عبر ما يؤمنه الحريري. وهو ما يتكفل بنسج علاقة جيدة مع ولي العهد وتحسينها أو تعزيزها لمستقبل طويل بين الرجلين.
ها هو تجمّع «جادة الملك» «المعنوي» يستبدل تجمُّعات 14 آذار السابقة «الجدية او الحسية» التي كانت تمثل مخططاً سياسياً سقط في لبنان يحن اليها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فحسب المعلومات فإن «خلوة جمعت الرئيس الحريري والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري وجعجع والعلولا والنائب جنبلاط في جلسة مصارحة وملاطفة جمعت من أبعدتهم الظروف». هي أول لقاء بين جعجع والحريري، يقول جعجع إنها ذكرته بالأيام الخوالي آملاً رسم مرحلة جديدة مع الحريري المتوجه نحو تسميته رئيساً من جديد. بالتالي فإنه وبالرغم من كل شيء فإن من اجتمعوا في جادة الملك مضطرون للحصول على أصوات حزب الله وحلفائه لحفظ رئاسة الوزراء وإعادة تسمية الحريري…