من منّا لا يعرف «حنان»؟

اعتدال صادق شومان

حدث جلل هذا الذي صار…

استشهد الرفيق حنان جراء القصف التركي على عفرين.

ومَن منّا لا يعرف الرفيق حنان الذي قضى كلّ سني حياته مناضلاً وأبى أن يختمها إلا شهيداً؟!

بولونيا… حنان الذاكرة وبداية البدايات… فعل النهضة في الجيل الجديد غابة من صنوبر وزوبعة من صخر… وأيام لن تنسى.

«يا رايحين والتلج ما عاد بدكن ترجعو… صرّخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعو».

«حنان» قضى شهيداً.. على حدودنا الشمالية، وقد تسلق التسعين من عمره لينتقل بعمره المديد من سرّ الحكاية إلى خلود الأسطورة، فصار «حنان»، كسناء، ومالك، وأدونيس وكلّ الشهداء.

بهذه الكلمات نعى القوميون الاجتماعيون الرفيق الشهيد كمال عبد الحنان كردي المعروف بـ «حنان» الذي أردته تحت ركام منزله في عفرين طائرات عناقيد الحقد التركي التاريخي المسمّاة حملة «غصن الزيتون»، ومتى كان للزيتون غلا ضوء القناديل؟

«حنان» وقد أيقظت في رحيلك واحة الحنين في ذاكرة رفقاء الدرب، فقالوا: «مَن منّا لا يعرف حنان» بأساريره الطيبة وابتسامته الرضية، رغم أنين وطأة الأيام بحلوها ومرّها. «حنان» كبير السنّ في مخيم بولونيا عنوانه الثابت، الذي أتقن أن يكونَ هنا حاضراً يجلسُ بالهمس، أن يكون أول من يكون في استقبالهم على أرض مخيم التدريب المركزي، وآخر المودّعين لهم، إلا أنه اليوم حثّ الخطى للشمال، حيث مسقط رأسه وليسَ في يدِهِ غير دم عمر، وشوق وحنين.

عرفته أرضه فتنهّد وختم صلاته. لحظة لامس دمه وجه الأرض، ليخلف الموعد مرة واحدة مع رفقائه الذين اعتادوا الموعد طوال ثلاثة عقود ونيّف من الزمان، مقيماً برفق وبصمت في أفياء المخيم وهم ما زالوا أشبالاً في بداية تكوين تلك الجذوة فيهم وحكاياتها المشمولة بكلّ الوطن ينشدون «لا تنسوا في الشمال اسكندرونا»..

وهناك إلى ضفاف «عفرين» حيث المكان ميدان مباح وحيث الصورة تنبئ عن نفسها على حدود اللواء السوري السليب اختار «الرفيق كمال» لعناقه الأخير في مسقط الرأس يقرأ سورة العائد، «سورية موطني وبلادي»، و»مستعداً من كلّ قلبي وعقلي لأن أضحّي لها وأن أموت لأجلها»، و»قد أخرجتني النهضة القومية من بيئة التعصّب والشوفينية إلى رحاب الوعي لحقيقة هويتي».. شهادة نطق بها قبل ستة وخمسين عاماً من تحقيق أمنيته أمام المحكمة العسكرية في لبنان في مرافعته إثر الثورة القومية الثانية عام 1962… وكان ما تمنّى، ونال مسك الختام شهيداً.

«حنان» اسم آخر ستفتقده باحة «الغابة»، إلى جانب أسماء ووجوه تمنطقت الغيم باكراً، غيابها لا يسلكه غياب، لا تكاد تطلّ في البال حتى تمتلئ بالدموع ذكراهم، ونبكي شوقاً إليهم وتتنادى الصور والكلمات والشجر العالي وأريج الغابة.

أودَعونا سرّهم حقباً على حقب مخزون ذكريات وقصص نضال… وناصية علم ترفع، ودوي صوت… تأهّب.. للشهيد تحية خذ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى