المملكة غير «ممتنّة» مما يقدّمه الحريري بعيداً عن «مواجهة» حزب الله
روزانا رمّال
كشفت معلومات خاصة لـ «البناء» من مصادر دولية رفيعة أن السعودية ليست ممتنّة لتسمية شارع في بيروت باسم الملك سلمان بن عبد العزيز أو جادة، كما أطلق على منطقة ميناء الحصن. فتسمية هذا الشارع إجرائياً يحتاج الى موافقة «رئيس بلدية». الأمر الذي غالباً ما تقوم به المملكة في بعض الأحيان لزوارها الكبار. وأضافت المصادر «كانت المملكة تتطلع منذ سنوات حكم الرئيس رفيق الحريري إلى تسمية مرفق عام أو «منشأة» باسم المملكة أو شخصياتها كمطار بيروت أو المبنى الجامعي أو مجمع المدينة الرياضية. وكان هذا موضع جدل واستغراب لا يزال موجوداً في الرياض. وهو ما يتطلب موافقة مجلس الوزراء أو التصويت عليه. وهذا ما لم يحصل في مرحلة الحريري الأب ولا في مرحلة الإبن، غير القادر على فرض شيء من هذا النوع الذي يعني «مواجهة» حزب الله وحلفائه بالحكومة. وهو فقط الأمر الذي سيرضي السعوديين ويريحهم ويؤكد على قدرة الحريري ونيته مواجهة حزب الله فعلاً». وتختم المصادر «إزاء هذا، فإن التساؤل عما يضمن حرية عمل الحريري في لبنان مشروع والجواب أنه مرعي بقرار أوروبي فرنسي أميركي، لكن بدون الخروج عن السقف السعودي المرتجى، خصوصاً لجهة استمالة سعد الحريري لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي يعتبر الاسم الاول عند الأميركيين».
الحديث هذا يؤكد أن الحريري يتحرك في المرحلة الانتخابية من دون إملاءات سعودية، بل ضمن دائرة او مساحة من الحرية التي تسمح له خوض الاستحقاق حسب مصالحه أو مصالح تياره مع حفظ الخطوط الحمراء السعودية التي اعلن عنها من بداية حملات المستقبل الانتخابية باستحالة التحالف مع حزب الله على غرار كل الأحزاب التي تحالفت مع تناقضات كثيرة. واجتمعت للمرة الاولى مع خصوم تاريخيين في لوائح انتخابية باعتبار التحالفات هذه «على القطعة»، ولا تعني تحالفات استراتيجية، وبالتالي قدّم الحريري هذه الضمانة للمملكة بأن التحالف غير وارد حتى ولو كان هناك تعاون حكومي مع حزب الله.
من جهة أخرى تبدو علاقة المملكة العربية السعودية بالممثلين السنة في لبنان، أمثال الوزير السابق أشرف ريفي لا تزال جيدة أو بالحد الأدنى مشرعنة في الوسط السني انتخابياً. وهذا ما يفسر مضي ريفي قدماً في الانتخابات من دون أن تبذل المملكة جهداً لضمّ ريفي الى الحريري وإعادة الامور الى نصابها محافظة على «خط رجعة ما»، او ربما لإبقاء ريفي جرس إنذار يقلق الحريري دائماً من مغبة تبنيه سعودياً او دعمه حتى النهاية. وبالتالي فإن شيئاً لا ينبئ ان الحريري أصلح الوضع مع السعوديين بالكامل إلا أن الأكيد ان السعودية عجزت عن تقييد الحريري وتلزيمه كل ما تريده من سياسات ومواقف يرى الحريري أنه أدرى بها وبحساباتها المحلية. وبالتالي يمكن الحديث جدياً عن استفادة الحريري من الالتفاف الشعبي حوله في الأزمة وبعدها لمواجهة السعودية بأفكاره كحيثية تشارك في صنع القرار المحلي وليس تنفذ الرغبة السعودية الكاملة.
انتقل الحريري من دور الملتزم بالدور السعودي الى دور الراعي له أو الحريص. والفارق كبير هنا وهو ما يعني اقتراب الحريري أكثر نحو تعزيز اللعبة السياسية اللبنانية وتغليبها على الإقليمية، بالإضافة الى نيات تعزيز حضوره السياسي وإنعاش موارده الاقتصادية. وهو الأمر الذي يتكفل بتحريره بشكل أكبر بعيداً عن حيثيات أو ارتباطات تدين له بالمال الوفير مستقبلاً والشراكات التي يُجريها مع أفرقاء لبنانيين ورهاناته في هذا العهد تتكفل وحدها بذلك.
أما مسيحياً فيبدو اسم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأكثر قرباً للسعوديين الذين يجدون فيه ضالتهم المنشودة في الصف المسيحي بعد أن تبينت استحالة استمالة عون وتياره إليها وعدم قدرة حزب الكتائب الذي لا يمثل الشريحة المسيحية الكبرى على أداء المهمة. وهذا ما يفسّر كلام جعجع عن الخلاف مع الحريري الكبير بعد حلف افتتاح جادة الملك سلمان في قوله «يمكنني أن أجتمع مع الرئيس الحريري على الصعيد الشخصي في أي لحظة إلا أنني أفضل أن نضع خطوطاً سياسيّة عريضة للمرحلة المقبلة في ما بيننا». و»تطرقت مع الحريري إلى الوضع العام وأكدنا الثوابت الكبرى التي نؤمن بها جميعاً ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط كان حاضراً معنا وكان عنصراً أساسياً في الجلسة»، كاشفاً إلى أنه «لا يختلف مع الحريري على قطعة أرض أو معبور، الخلاف كان حول مواضيع وطنية كبيرة وكان هناك اختلاف في وجهات نظر وما حصل بداية فعلية لصفحة جديدة. ومع تيار المستقبل لا مواضيع خلافية كبيرة، لكن هناك خلاف في وجهات النظر حول طريقة إدارة الدولة».
الخطوط السياسية العريضة والمواضيع الوطنية الكبرى تعني بحسب جعجع مبادئ مثل عدم الشراكة مع حزب الله وهو الذي روّج لها بعد استقالة الحريري من الرياض على أساس أنهم يعطلون عمل الحكومة، وتعني أيضاً عدم ارتضائه مسألة المساكنة مع سلاح المقاومة والذي قال إنه بعد الانتخابات سيزور بعبدا لطرح مع الرئيس عون مسألة السلاح.
وبالمحصلة لا تزال السعودية تراهن على اسماء محلية وتراقب عمل الحريري المتجه نحو تعزيز حيثيته المحلية أكثر فأكثر بدون ثقل الالتزام مكتفياً برعاية المبادئ.