لعبة نرد في قلب الغابة…!
محمد ح. الحاج
ما من شك أن دول التحالف لمحاربة «داعش» وأخواتها متضاربة المصالح والبرامج، وهي ليست في حالة الاتفاق الكلي على كلّ شيء، لأميركا مصالح لا بدّ من تحقيقها على قاعدة القراءة الواقعية والأخذ بعين الاعتبار تنبّؤات مراكز البحوث لما هو آت، وأوروبا منساقة للمخطط الأميركي لأنها ستكون مستفيدة على هامش مصالح أميركا، الشركات متعددة الجنسية، سواء كانت الحصص متماثلة أو حتى غير عادلة، من هنا المشاركة، تركيا تقرأ في صفحة الأحلام بعيداً جداً عن الواقعية، وقطر محكومة بعقدة أن تصبح معروفة للعالم حتى لا تبقى نقطة مجهولة على الخارطة، وهو حلم أميرها غير المهتمّ أن تكون هذه الشهرة على حساب تصنيفها دولة داعمة للإرهاب، الأهمّ، وجودها ضمن الحلف الأميركي، هي وظيفة نتيجتها الشهرة بأية طريقة، المونديال وحده لا يكفي، والترجيحات تقول بأنه لن يكون ولو كان العذر هو الطقس…
السعودية وحدها تختلف عن الجميع، فالهاجس الرئيس هو البقاء، وزعامة «العالم الإسلامي» إن كانت هذه الصفة واقعية، فليس كلّ الإسلام سعودياً إلا بالقدر الذي توفره أموال البترودولار.
أن تسقط عين العرب وترتكب فيها «داعش» مجازر مروّعة أمر في صلب الرغبة التركية، وهي عملية إنْ حصلت قد تخدم سورية بشكل كبير، مع أنّ القيادة السورية لا تراهن على هذا الأمر، فهي ضنينة بأبنائها، والكرد في عين العرب مكوّن أساسي وأصيل من هذا الشعب، الجيش السوري المعنيّ الأول بالدفاع عنها ممنوع بحاجز من صناعة الغرب، ما يترتب على سقوط عين العرب معناه ثورة شاملة لملايين البشر في الداخل التركي، وليس من المستبعد وقوع حرب أهلية، أما لماذا لا يقرأ حزب العدالة والتنمية في صفحة الواقع مستشرفاً ما بعد فلأنه الغرور والغطرسة، الكيان الصهيوني لم يقرأ أيضاً للسبب ذاته، ومع أنّ مراكز أبحاثه واستخباراته أوسع نشاطاً من الأتراك، لكنها فشلت فلحقت بهذا العدو أكثر من هزيمة.
الإدارة الأميركية قرأت بالنيابة عن الأتراك، فاستشرفت ما قد يحصل، وهكذا اجتهدت بحيث جنّبت الأتراك عاقبة سوء قراءتهم، الأحلام لا يمكن أن تنطبق على الواقع بالضرورة، أميركا قصفت بجدية في المرحلة الأخيرة مراكز «داعش» وخطوط إمدادها بحيث أوقفت تقدّمها، وأسقطت أسلحة وذخائر للمدافعين، وربما أمدّتهم بالمعلومات الاستخبارية، فانحسر هجوم «داعش»، ولكن، لماذا تناقض حزب العدالة والتنمية مع نفسه فسمح بعبور قوات كردية بيشمركة البرزاني للمشاركة في الدفاع عن عين العرب، هل هو ضغط أميركي، أم داخلي تركي وقد لعب العسكر دوراً ما في هذا الضغط، وهل أثمر التعاون الاستخباري التركي الأميركي في اكتشاف ما وراء سقوط «كوباني» أم أنّ في الأمر صفقة مع البرزاني الذي يتعاون منذ أمد بعيد مع الاستخبارات التركية والأميركية، ويتناغم مع متطلبات المصالح التركية حتى وإنْ كانت على حساب أبناء جلدته من منطلق الصراع مع حزب العمال، أو الحزب الديمقراطي الكردستاني؟ العلاقة بين البرزاني والغرب، ومع الكيان الصهيوني بالذات ليست وليدة الزمن القريب، هي راسخة منذ نصف قرن، ومشروعه كبير الشبه بالمشروع الصهيوني، وكلاهما مشروع غربي هدفه الأساس تقسيم المنطقة وتفتيت مجتمعاتها على قواعد لا يطبّقها الغرب ذاته الطائفية المذهبية القبلية… الأتراك في المستقبل لن يكونوا بعيدين عن هكذا نهاية شرط أن تسقط مظلة «الناتو».
أن تكون سورياً، عليك أن تحمل صليبك أو أكفانك لا فرق، أن تسافر معنى ذلك التوجه نحو الجلجلة، ألق تحية الوداع الأخير على أهلك فقد لا تعود… على الطريق وأينما تحرّكت تشاهد الألبسة المرقطة، فلاح خلف المحراث، سائق شاحنة أو دراجة… وربما عامل تنظيفات، بالكاد تعرف من هو العسكري الحقيقي ومن هو المزيف… الانضباط العسكري لم يعد لديه الوقت الكافي لتطبيق نظامه، البلد في فوضى… هي حرب بكلّ معنى الكلمة، الكثير من العصابات تحمل راية ليس لها وأسلحة وآليات لا تخصّها، وحدك من تلبس اللباس المدني تنتظر الاعتراض، التشليح وحتى القتل، وأن تكون نهايتك بئراً مهجورة احتمال، في حالات كثيرة يكون ما معك من متاع أو مال لا يفي ولا يليق بالمقام، المساومة من هاتفك مع الأهل ضرورية، المطلوب بضعة ملايين فقط…! هي لعبة نرد، أن تكون محظوظاً تتوفر الملايين وإنْ بتضامن الأهل والأصدقاء، وتنجح العملية فتعود سالماً ويكون التسليم في غابة أو على طريق فرعي، الأسوأ أن ينقلب النرد إلى ما لا يرضي، قد يشك أحدهم بأنك عرفت فيه علامة، أو نبرة صوت أو… فتكون النهاية وقد تعود في كيس، وكم من أهل دفعوا الفدية وما عاد المخطوف، لكنك كسوري يجب أن تتذكر دائماً أنّ هذه الفوضى، وهذا الخروج على القانون، أوجدهما على أرضك الغرب المتوحش خدمة لأغراضه وأهدافه المتعددة، استمرار التخلف والنهب، بقاء أسواقك مفتوحة، التبعية، والسيطرة السياسية والاقتصادية، وكلها تخدم استمرارية واستكمال المشروع الصهيوني، وهو خازوق المنطقة… في عرف بعض العرب من الأعراب، لم يعد هذا المشروع يهدّد وجودهم رغم أنيابه النووية البالغة أكثر من مئتين، بل هي قنبلة المستقبل الإيرانية… بالأحرى قنبلة الصراع المذهبي الذي تعزف سيمفونيّتها أصابع وألسنة عربية، بدءاً من سيّئ الذكر حسني مبارك، وصولاً إلى أستاذه في المحفل عبد الله بن الحسين ومن خلف الستار رئيس لجنة القدس الماسوني محمد السادس.
الأميرال الياباني الذي وضع خطة الهجوم على بيرل هاربور، وخلال استعراضها مع قادته، قال له أحدهم: أنت يا سيدي في غاية الذكاء…! أجابه الأميرال: القائد الذكي هو مَن يربح المعركة من دون حرب…! كانت الضربة مؤلمة لأميركا، لكن اليابان خسرت الحرب في النهاية – إصرار الحكومة السورية على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها كان الرسالة الأهمّ إلى القيادة الأميركية وللغرب والعالم، قرأ قادة أميركا ما بين السطور، فهموا، فأعلنوا أنّ إسقاط نظام الرئيس الأسد هو المستحيل، وحدهم الأتراك والسعوديون لم يفهموا ذلك وأنّ نسبة 85 من شعب سورية ليست معهم، الأتراك بسبب الغرور والسعوديون بسبب البلاهة، ولأنّ المصالح الصهيو ـ أميركية تفرض على الإدارة الأميركية استمرارية اللعبة أعلنت عدم التراجع، بل، الانتقال إلى تسليح وتدريب «معارضة معتدلة»، ومفهوم أنّ المعارضة المعتدلة هي معارضة الحوار وليس السلاح، ولأنّ تدريب جيش معارض غير ممكن على الأرض الأميركية تطوّعت الدولتان السعودية والتركية لتوفير أمكنة التدريب والتمويل، وهذا بحدّ ذاته إعلان حرب، يعطي المبرّر القانوني والشرعي لإعلان سوري مماثل، لكنها الرصانة السياسية للقيادة السورية، قمة الذكاء أن تربح المعركة من دون إعلان الحرب، تركيا مأزومة داخلياً، والشرخ يتسع على أرض الواقع بغضّ النظر عن ربح العدالة والتنمية معركة الانتخابات بما رافقها من ألاعيب، والسعودية في حالة من التوجّس حدود الرعب مما قد يحصل… الدولة السورية ليست في موقف العاجز عن ردّ الفعل، وهي تكسب المعركة والأدلة يعرفها قادة الدولتين قبل أن يعرفها الشعب السوري، المصيبة الأكبر أن يكونوا في حالة الغفلة التامة بعيداً عن توقعات مراكز الأبحاث العالمية التي ترتكز إليها قرارات الإدارة الأميركية أو دول «الناتو».
قد يكون الأتراك أكثر خبرة في لعبة النرد، لكن قواعدها غير ثابتة في زمن الحروب والاضطرابات، تصبح لعبة في غابة، هي الفانتازيا في حالة الاسترخاء مع فنجان القهوة التركية للسلطان، قد يكون تعادل، وتسوية داخلية إنْ لم تسقط عين العرب…! لكن البله السعودي يفتقر إلى المرونة متشبّهاً بسلوك الجمل الهائج، الخسارة أرجح الاحتمالات، القِدْر السعودي على نار حامية والغليان يقترب… الدولة السورية ليست بحاجة لتضع مزيداً من الحطب في الموقد…! يكفي الانتظار فربما آن الأوان للتخلص من حكم آل سعود وعودة نجد والحجاز إلى عروبة حقيقية بعيداً عن إسلام ابن عبد الوهاب وتلمود مردخاي.