فيّاض: القومية الاجتماعية رؤية تجسّد منهجاً علمياً معرفياً في مقاربة الواقع الاجتماعي
افتتحت منفذية سلمية في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأسبوع الثقافي الذي تقيمه لمناسبة الأول من آذار، عيد مولد باعث النهضة الزعيم أنطون سعاده، بمحاضرة لعميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور زهير فيّاض، بعنوان «القومية الاجتماعية… آفاق وتحدّيات». وذلك بحضور نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، عميدة الإذاعة داليدا المولى، عميد التربية والشباب رامي قمر، العميد ـ منفذ عام حمص نهاد سمعان، عضو الكتلة القومية في مجلس الشعب طلال حوري، منفّذ عام سلمية عدنان الجرف، نائب رئيس المجلس القومي ميسر الملا، عضو المجلس القومي عفراء ضعون، أمين شعبة حزب البعث العربي الاشتراكي في سلمية عبد الكريم الشيحاوي وأعضاء قيادة الشعبة، رئيس مجلس مدينة سلمية علي الصالح وأعضاء المجلس. كما حضر ممثّلون عن الأحزاب الوطنية في سلمية، وفاعليات سياسية واجتماعية وثقافية، وجمع كبير من القوميين والمواطنين من متّحدات سلمية وعقارب وتلدرة وتلسنان وجدوعة. وقدّم للمحاضر غسان قدور بكلمة من وحي المناسبة.
ثمّ ألقى عميد الثقافة الدكتور زهير فيّاض محاضرته، وأشار بداية إلى القومية الاجتماعية باعتبارها تأسيساً للحاضر والمستقبل من خلال إطلاق نهضة قومية اجتماعية في الفكر والثقافة والأدب والشعر والسياسة والاقتصاد والتربية، تكون قادرة على صنع الزمن الجديد. فالقومية الاجتماعية هي رؤية تجسّد منهجاً علمياً معرفياً في مقاربة الواقع الاجتماعي على ضوء معطى العقل باعتباره الشرع الأعلى الذي يقود ويعقل سلوكيات الناس وتصرّفاتهم وآدائهم. وهي ليست حالة فكرية سكونية جامدة، بل وضعية فكرية ديناميكية متحرّكة تمثّل منصّات انطلاق للعقل الإنساني.
ولفت فيّاض إلى أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يمثّل حركة الإسقاط الحيّ للمنهج القومي الاجتماعي في واقع الأمة، بحيث لا يمكن فهم وجود الحزب خارج هذا الإسقاط لمفاهيم النظرة القومية الاجتماعية، التي تهدف إلى تحقيق نهضة الأمّة وعزّتها وتقدّمها وفلاحها.
واعتبر فيّاض أنّ السؤال اليوم هو حول كيفية تقديم مفاهيم النهضة القومية الاجتماعية، وإمكانية الربط بين المفاهيم القومية الاجتماعية وتحدّيات العصرنة والحداثة في الشكل والمضمون.
وأشار إلى أنّ القومية الاجتماعية وضعت قواعد رؤية علمية صحيحة للواقع الإنساني، في ظلّ تعزيز فرص التواصل والاتصال بين الشعوب والحضارات بفعل التقنيات والوسائل التي تجعل التفاعل الحضاري مسألة شبه يومية.
كما تطرّق فيّاض إلى الدورة الحياتية والاقتصادية التي تجري في سورية الطبيعية، والتي كانت تسبق الوعي بحقيقة وجودها. معتبراً أنّ السؤال حول الهوية هو المنطلق للبحث والتمحيص والبحث عن الحقائق التي يختزنها كلّ التاريخ الحيّ لهذه الأمّة، التي مرّت بظروف تاريخية صعبة وقاهرة، أدّت إلى كلّ هذا التصدّع في المشهدية العامة للهوية والانتماء وحقائق الحياة الأخرى. فالسبيل الوحيد لإعادة بناء صورة المشهد القوميّ التاريخيّ الواحد، يكون في التأكيد على صوابية المنطلقات القومية الاجتماعية.
وشرح فيّاض مفهوم الأمّة وفق الرؤية القومية الاجتماعية كونها الوجود الحقيقي الذي يختزن في ذاته تاريخها وحاضرها ومستقبلها، تجسّد بنيةً قائمةً بحدّ ذاتها ومستقلّة عن غيرها، وهي تمثّل الإطار الطبيعي لوحدة المجتمع والمرتكز لإلغاء كلّ أنواع التناقضات الداخلية، والانتماءات الجزئية الروحية والمادية، وكلّ ذلك على قاعدة تعزيز فكرة المواطَنة التي تنبثق من رحم الفكرة القومية وفلسفتها.
كذلك لفت إلى أنّ تأكيد مقولات القومية الاجتماعية في النظر إلى العالم العربي، باعتباره يتكوّن من بيئات طبيعية، وأمم قومية تربطها ببعض روابط من المصالح والأهداف المشتركة، مشيراً إلى الصيغ التعاونية العملية التي نشأت والتي تعتبر إقراراً نظرياً وعملياً بواقع المتّحدات القومية الطبيعية التي يتشكّل منها هذا العالم العربي.
كما أشار إلى التحوّلات والتبدّلات التي شهدها عالمنا في العقود الأخيرة، والتي أعادت الاعتبار إلى المسألة القومية لتحتلّ من جديد المرتبة الأولى في الفهم العميق لواقع العالم وحركة الصراع فيه، بعد طغيان نظريات مثل العولمة، وصراع الحضارات ونهاية التاريخ، فإن هذا العالم الذي نحن جزء لا يتجزّأ منه هو عالم الأمم والقوميات، وعالم المجتمعات التي تملك وجودها الذاتي، كما تأكدت أكثر حقيقة أنّ الخطر الذي يتهدّد الأمم والمجتمعات في عالم اليوم يكمن في نزعة الهيمنة والاستئثار والإخضاع، وفي العقل الإمبراطوري الذي تمثّل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي رأس الحربة في مشاريعه الاستعمارية.
وأكّد فيّاض أنّ أولويات النضال القومي إضافة إلى الصراع القومي التحريري تتمثّل في السعي الجدّي إلى إقامة تكتّلات إقليمية، تتلاقى لتشكّل جبهة عالمية موحّدة في وجه هذا التكتّل النيو ـ كولونيالي العالمي، فالقومية الاجتماعية بما تحمله من مضامين صراعية تشكّل الأساس النظريّ لخيارنا المقاوِم كأمّة سوريّة رافضة للمشروع الإمبراطوري الجديد وتقاطعاته الخطيرة مع المشروع الصهيوني. بحيث أنّ الصراع الذي تخوضه أمّتنا السوريّة في وجه المشروع الصهيوني ـ الأميركي هو محور كلّ حركة نضالنا القوميّ في هذه المرحلة التاريخية الاستثنائية، تنبع من طبيعة هذا الكيان الذي تم زرعه في قلب سورية والعالم العربي، والقائم على فكرة الاستيطان والتوسّع والعدوان.
ولفت فيّاض إلى أنّ الأزمات التي يتخبّط بها مجتمعنا السوري تنتمي إلى فئة الأزمات البنيوية. هي أزمات من النوع الذي يحاكي مسألة الوجود على مستويات مختلفة. مشيراً إلى الإرث الذي تركه الاستعمار في بلادنا على مدى العقود السابقة، وأخطر مظاهره ما يتعلّق بمناهج التفكير لدينا وما يتفرّع منها من سلوكيات، وبالتالي ينبغي التأسيس لثورة هادئة في عالم العقل في بلادنا السورية لتحقيق التحرّر والتقدّم والنموّ الحقيقي. ورهاننا في كلّ زمان ومكان هو في تحرير هذا العقل باتجاه الفعل.
واعتبر فيّاض أنّ سلطة العقل أرادها سعاده أن تكون أعلى سلطة وهذا يعني الإبداع الذي يُغني الفكر والحياة، وتعني أيضاً فتح المجال لكلّ ما هو جديد في الحياة. فمنهج سعاده هو انحياز كامل إلى سلطة العقل، وأهم ما يميّز الإنسان هو امتلاكه العقل، الذي يقرّر ويحدّد مسارات الحاضر والمستقبل، وإعمال العقل يولّد المعرفة، والمعرفة هي الكفيلة بانتشال مجتمعنا من كبوته الحالية.
ختاماً، أشار فيّاض إلى أنّ المعرفة هي سلاحنا ضدّ اللاعلمية التي تفشّت في مجتمعنا، وهي مدخل حقيقيّ لتأصيل الخطاب التنمويّ، وتوسيع آفاق الرؤى لعملية الإصلاح، وفضّ مواضع الخلاف بين الدين وبعض نظريات العلم الحديث. فالقومية الاجتماعية هي المرتكز لانطلاق مسار العقلنة في بلادنا، باعتباره مساراً معرفياً أخلاقياً في مقاربة مشكلات الواقع الاجتماعي.