سناء محيدلي زهرة المستحيل!
حنان سلامة
هي نسمةٌ جنوبيّةٌ تلفح جبين المقاومين، ووعد الفرح المتدفّق من شلالات مجد الأمّة. هي زوبعة الغضب في وقفة عزّ. نثرت جسدها لتغيّر لون التّاريخ، وليمسي الموت ولادة.
سناء زهرة المستحيل. كانت كما الفولاذ، كلّما توهّجت أمامها حرارة الحياة ازدادت صلابةً وعزماً وإصراراً. تزيّنت بإرادةٍ لا تلين، أيقونتها وذخيرتها إيمانٌ صارمٌ بأنّ الدّماء الّتي تجري في عروقنا عينها هي ليست ملكاً لنا، بل وديعة الأمّة فينا، متى طلبتها وجدتها وحيث يجب أن تكون، ستكون برّاقةً كزهر نيسان فداءً لأمّة الخير والحقّ والجمال. ارتقت الرّفيقة اليافعة كبتلات الورود شهيدةً في زوبعة المصير.
زهرة المستحيل تبهر مجدنا الآتي! اقتحمت تجمّعاً لآليات جيش الاحتلال عند معبر «باتر – جزّين»، وأضحت رمزاً يُقتدى به. كانت الوحي لبداية سلسلة عمليّات نجحت في كسر قيد الاحتلال. الاستشهاديّون هم أكثر النّاس إيماناً بثقافة الحياة، لأنّ رحيلهم يكتب سِفراً جهاديّاً جديداً ملوّناً بفرح النّصر والحرّيّة والحياة. سيكون النّصر لكلّ الأمّة تكريساً للكرامة الوطنيّة والقوميّة، ولإنسانها الّذي اجتاحه العذاب. هناك فارقٌ بين العيش والحياة، فللموت الكريم شرفٌ هو الشّهادة، وللنّصر جهادٌ وتضحيةٌ في عقيدة الإرادة، ولمغازلة الفجر النقيّ حرّيّة مطلقة يحتضنها العزّ في الاتّجاهات الأربعة، فيعبق الجوّ بعطر الشّهادة التي تمحو التّاريخ الانهزاميّ في صفحة الوجود المشوّهة بأذناب العمالات.
إنّ الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ الّذي تأسّس على قواعد وأسس العقيدة الوطنيّة القوميّة الموحّدة، وعى برؤيته الاستشراقيّة الجذريّة ضخامة المؤامرة، وكان مصمّماً على القيام بواجبه كاملاً في مواجهة الاحتلال. ومن هنا، أطلق أولى عمليّاته الاستراتيجيّة على أرض لبنان بقصفه مغتصبة «كريات شمونة» في فلسطين المحتلّة، مسجّلاً وشماً بطوليّاً نوعيّاً هو الأوّل لسلاح «الكاتيوشا» ردّاً على ما سُمّي بعمليّة «سلامة الجليل».
لقد عصفت رياح عاتية بأمّتنا، وزرعت نواة لمشروع معادٍ ذراعه المؤسّسة العدوانيّة «الأميركيّة – الإسرائيليّة»، تقوم أولويّاته على صيانة أمن العدوّ الغاصب، وتحقيق إنجازاته العسكريّة، السّياسيّة والاقتصاديّة. لقد تغطرس هذا المشروع باغتصاب الأرض والسّيطرة على خيراتها، وإذلال الشّعب وقهره، وإلغاء حقّه في أرضه وتهجيره، ومنعه من العودة إلى مسقط رأس الأجداد حيث تتوفّر للمواطن كلّ سبل الحبّ والحياة. إنّ هذا العدوّ لم يستطع أن يلغي حقيقةَ وجدانيّةِ الشّعب، ولا إيمان الشّرفاء بشرعيّة المقاومة الّتي تصدّت للعدوان بإرادةٍ أخلاقيّةٍ عاليةٍ مؤمنةٍ بأحقيّة وحتميّة الانتصار.
التّاسع من نيسان، يوم يضجّ بالحياة الجميلة، يوم تتغرّس فيه زهرة المستحيلات فتسمو حقيقةً وشاهدةً وشهيدة، هو يوم الولادة الجديدة لعروس الجنوب – سناء محيدلي. لقد أسّست سناء لمرحلة جديدة من تاريخ الأمّة، ولصفحة نوعيّة، واعية، مستشرفة، صراعيّة في كتاب أنطون سعاده باعث نهضة أمّتها. ألم يكن الشّهيد أنطون سعاده قرباناً فادياً، افتتح عهد البطولة الصّراعيّة الواعية، وصفحاتٍ تتوالى في فصول المقاومات الّتي صنعت تحرّراً وتحريراً، وممانعة ومعاندة أعادت للأمّة عزّاً، وكرامة لا تزول؟!
إنّ الشّعب الّذي تستشهد لأجله سناء محيدلي ورفقاء لها في الحزب الصّراعي النهضوي التحرّري، السّوري القومي الاجتماعي المقاوم، متمسّك باسترجاع حقوقه دون نقصان، ولن يتخلّى عن المقاومة المسلّحة، وسيبقى ملتفّاً حول قوميّته، وحاميها بكلّ وسائل المعاندة والمواجهة والجهاد، مساهماً في توحيد مشاريعها المفتّتة لتصير أمّة قويّة واضحة في حدودها، ولا يشوب نواحيها الثّقافية والسّياسيّة والجغرافيّة أيّ شائبة، أمّة تصون الحقوق وتقاوم المحتلّين والغزاة. هكذا نحن، هكذا سنكون. وخلاف ذلك لا يجب أن نكون. هو السّناء الوضّاء ما نحن عليه. أمّا «الأوباش» الذين يعبرون إلى الدّولة بغير قماشتنا، يعبرون متنكّرين بأزياء السّفارات، وخوذاتها البيضاء، وخرزاتها الزّرقاء، فتجارتهم مفلسة، حقارة موصوفة، وقناع مزيّف!
إن المشروع «الصّهيو أميركي» يسعى إلى طمس الهويّة القوميّة وإلغائها، واستبدالها بهويّات طائفيّة مذهبيّة وإثنيّة. كما يسعى إلى تفتيت الأمّة دويلات وكانتونات. وما الحرب الكونيّة على الشّام، وقبلها على العراق إلا الدّليل الواضح على مخطّطات ومشاريع هذه القوى المعادية لكنّ الإرادة الحيّة في أمّتنا استطاعت سحق العدوان، وانتصرت في العراق، ورايات النّصر في الشّام بدأت تلوح بفضل دماء الشّهداء، ونسور الزّوبعة، وقيادة د. بشّار الأسد السّياسيّة والعسكريّة. ونحن في الحزب السّوري القوميّ الاجتماعيّ نراهن على وعي أتباع عقيدة الشهيد أنطون سعاده، ومحازبيه، ورجال فكره، وعسكره. فالمؤمنون أنّى حلّوا، كلّهم واحد، أقمارٌ لا تضيع في ليل الصّقيع، وحتماً سيكتبون مجد انتصاراتنا الكبرى.
زفّت سناء أحلام الصّبا، لتستحقّ تاج المجد، كاسرةً خناجر الذّلّ وخوذات الرّؤوس الخانعة. كلماتنا ستبقى ترتّل بهدوءٍ أنّ اللّقاء سيحين، فالأحلام غدت واحةً، شهادتنا فيها أشهى معين.
في ذكرى سناء، سناء المجد والبطولة، نجدّد عهدنا على مواصلة الطّريق، ثابتين ومتمسّكين بعقيدتنا، مؤمنين بها، مؤكّدين قوميّة الصّراع. فسناء ستبقى الكلمة التي تحتلّ رؤوس الأقلام، يتوهّج اسمها، ويفوح عطراً فوق السّطور، وسنبقى مردّدين:
سناؤك سناء ُ برق ٍ يومضُ في عيونِ اليهود..
تلاوين دمكِ نوافير طيورٍ تجاوزتْ حقدَ الحدود..
نقسمُ أنَّكِ آيةُ الأسماء الّتي حرَّكتْ جثث الرّكود..
وأنَّكِ همزةُ الوصلِ الّتي أحلَّت الحرّيّةَ من ليل القيود.
عضو اللّجنة الثّقافيّة المركزيّة في الحزب السّوري القوميّ الاجتماعيّ.