واشنطن وأقلّ الخيارات مرارة
ناصر قنديل
– يفترض البعض أن روسيا وسورية وإيران والمقاومة في وضع صعب، لأن الرئيس الأميركي وبعض حلفائه يتحدّثون عن ضربة عسكرية لسورية. وهذا ليس إلا ظاهر الأمور، ففي العمق يعرف الجميع أن القضية ليست قضية سلاح كيميائي، ولو كانت كذلك فالتصريحات الروسية والسورية تحدثت للمرة الأولى، بكلام قاطع، أن لا وجود لأثر استخدام سلاح كيميائي، وتعالوا لتحقيق فوري، والمنطقة المعنية بحوزتنا وجاهزون لتأمين وصول المحققين وضمان مهمتهم. وهذا لم يكن في أي مرة سابقة حيث المنطقة المعنية كانت بحوزة المسلحين، وروسيا وسورية تشكّان بوجود استخدام مفبرك لسلاح كيميائي. اليوم كل شيء مختلف، كلام قاطع بنفي وجود أثر للكيميائي وتحدٍّ بقبول التحقيق، ومَن قضيتُه الكيميائي يلاقي هذا التحدّي فوراً، ويقول تعالوا لنتفق فسنذهب للتحقيق، وإن ثبت العكس فسنتصرف، لكن بقرار من مجلس الأمن!
– كذلك القضية ليست قضية حياة المدنيين بالنسبة لواشنطن ومَن يسير خلفها. وقد شهدنا قبل أيام في مشهد لا يتضمن أي التباسات كقضية الكيميائي في دوما. واشنطن تستخدم الفيتو لمنع أي تحقيق في مقتل مدنيين عزّل على الهواء ببث مباشر يقتلون في غزة، والقاتل يحتفل ويَعِدُه وزير حرب العدو بالأوسمة. والمنع ليس لإدانة القتل بل لمجرد التحقيق، كذلك القضية ليست في السياسة سعياً لتعديل موازين القوى، فمَن يريد ذلك كان الأفضل له أن يتّخذ القرار الأممي بوقف النار قبل شهرين غطاءً للدخول عسكرياً تحت شعار فرض وقف النار بالقوة، وعندها للتدخّل معنى، لأن الحفاظ على الغوطة كقلعة تمنح الأمل بالانقضاض على دمشق في ظرف مناسب، وبالوصل مع قاعدة التنف في ظرف آخر، وحدهما يحفظان الأمل بالرهان على تغيير أو تقسيم في سورية. وما بعد تحرير الغوطة لا تدخل عسكري يحيي المشاريع التي دفنت هناك بين عين ترما وجوبر ودوما.
– الواضح أن واشنطن اختارت توقيت لعبة الكيميائي لهدف يقع تحت سقف عدم التورّط في حرب مفتوحة ومواجهة شاملة مع روسيا وإيران، وإلا لفعلت ذلك قبل تحرير الغوطة، والواضح أنها تلقّت بألم كبير رسالة التحرير، وخسارة المعقل الأهم والأخير في اللعبة السورية، قبل تحوّل المعارك المتبقية معارك حدودية جنوباً وشمالاً، ستكون واشنطن معنية بها جيمعها، بدورها من جهة، وبمستقبل أمن «إسرائيل» من جهة أخرى. والواضح أن أي عمل عسكري تفكر فيه واشنطن وتدرس شروطه هو الحد الأقصى الممكن للقول نحن هنا ولن نخرج خاسرين ومن دون ثمن، لكن تحت سقف عدم التورّط بحرب شاملة أو ردود تستدرج فرص التورط في مثل هذه الحرب.
– التفاوض على صفيح ساخن، هو عنوان ما بعد نصر الغوطة. والقوى التي تورّطت في الحرب على سورية تخسر آخر بقايا رهاناتها وتعجز عن التأقلم مع الوضع الجديد. الخيارات كلها مرّة، القبول بالتحقيق وفقاً للعرض الروسي السوري يحمل مخاطرة إعلان عدم وجود استخدام لسلاح كيميائي، والذهاب لضربة عسكرية بوظيفة إثبات الوجود لن تحدث فرقاً ولن تمرّ دون التصدّي لها، والتوسّع في عمل عسكري يترك أثراً سيستدرج مثله عملاً عسكرياً يترك أثراً، والقواعد الأميركية في سورية ستدفع ثمناً باهظاً، ويصير التورط سريعاً في تصعيد يفتح باب المواجهة. فهل يحتاج الأميركي لنصف مواجهة على حافة الهاوية لفتح باب التفاوض؟