تهديدات ترامبية لـ«مواجهة» تفاوضية
سماهر الخطيب
تجري على مدار الساعة مراقبة الوضع في منطقة المتوسط: وتستخدم من أجل ذلك طائرات الإنذار المبكر A-50، وهي ترصد حركة المدمّرة «يو إس إس دونالد كوك» التي يمكن إطلاق صواريخ كروز توماهوك منها.
كما وضعت منظومة إس 400 و»بانتسير- إس 1» في حالة تأهب قتالية، في قاعدة حميميم والقاعدة اللوجستية البحرية في طرطوس، كما أنّ حوالي 15 سفينة حربية من أسطول البحر الأسود باتت في وحدة البحرية الروسية في البحر المتوسط، بالإضافة إلى ذلك، تم نشر طائرات إل -38 ن المضادة للغواصات في سورية، وهي قادرة على اكتشاف غواصات العدو المحتمل.
في هذه الأثناء، وصل التصعيد الغربي ضدّ موسكو إلى درجة تحميلها مسؤولية الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية من قبل الجيش السوري. وكان هناك تحت قبة مجلس الأمن تهديد ووعيد لأن تدفع روسيا الثمن باهظاً بعد رفعها الفيتو مرات متتالية ومتوالية في وجه القرارات الأميركية ضدّ الدولة السورية وقيادتها، كما جاء على لسان «نيكي هايلي» بما ينذر بأنّ الأمور وصلت إلى تأهب المواجهة على كافة الصّعد السياسية والدبلوماسية وكذلك العسكرية المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا ما ظهر في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حينما قال إننا نشهد اليوم حرباً باردة.
في وقت ردّ المندوب الروسي بحدّة على مواقف الولايات المتحدة وحلفائها واستخدامها مجلس الأمن كإحدى أدواتها، كما فعلت في العراق وليبيا وكذلك أفغانستان، فلا يسع شعوب المنطقة نسيان ما فعلته الإدارات الأميركية المتتالية من مجازر ومآسٍ كانت نتيجتها ظهور «داعش» حتى تعود الإدارة الحالية اليوم وتحاضر بالإنسانية وتحمّل روسيا المسؤولية، وكعادتها تبحث عمن ترمي عليه أخطاءها وعثراتها لتصبها كافة في بوتقة أعمالها الإجرامية بحق الشعوب.
وإذا ما عدنا إلى خيار توجيه «ضربة أميركية» واسعة النطاق ضدّ سورية، نعود أيضاً إلى صيف 2013، حيث كان الوضع العام، ما عدا الميداني، مشابهاً، لكن ذاك الخيار ألغي، بعد التوصل إلى اتفاق بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية، أما في الواقع، فنتيجته فهم العواقب الكارثية على المنطقة بأكملها.
وحينها دخلت موسكو خط الحرب السورية من باب السلام ومن باب المدافِع بالفعل عن حقوق الشعوب، ومحاربة الإرهاب، بدعوة من الحكومة السورية، حيث انتصرت روسيا بسرعة وعملت على تقوية مواقفها في المنطقة، دونما دراية من واشنطن وحلفائها، بحيث انقلب السحر على الساحر.
هكذا لا تستطيع الولايات المتحدة عكس الوضع، إلا إذا غامرت بخيار عسكري كامل وتدخلت بقواتها البرية إلى سورية وقصفت أراضيها قصفاً شاملاً. وهذا سيؤدي على الفور إلى صدام بين روسيا وحلفائها والولايات المتحدة. وقد وعدت هيئة الأركان الروسية، وكذلك إيران، بالردّ على المواقع التي ستُنفَّذ منها الهجمات.
الأمر الذي دفع ترامب وإدارته إلى التريث وعدم تأكيد الخيار العسكري وحده، إذ لا يوجد أي مجنون في البيت الأبيض يرغب في صراع عسكري مباشر لم يسبق له مثيل بين القوتين النوويتين، كما يدرك الجميع خطورة أي عمل عسكري ضد روسيا أو سورية. وهو ما أكده جيمي كارتر بأن أية مواجهة عسكرية حتى لو كانت محدودة النطاق تُعتبر «إجراء خطيراً»، لأنه من الممكن أن يخرج الأمر في النهاية عن نطاق السيطرة.
ونستذكر هنا تصريحات ترامب المدوية بشن ضربة عسكرية شاملة ضدّ كوريا الشمالية، ولكن صوته خفت حينما وجد صدى تصريحاته يهدد العمق الأميركي. وكذلك نستذكر «أزمة الصواريخ الكوبية» وللسلاح النووي قوة ردع تجعل ترامب يعدل عن قراره المجنون. وعلى ترامب أن يعي كما كان أسلافه، أن أي تبادل لضربات نووية سيؤدي إلى كارثة للبشرية جمعاء.
كما أنّ الولايات المتحدة ليست مستعدة على الإطلاق لقياس علاقتها مع روسيا بمعايير القوة العسكرية وحدها، بغض النظر عن مدى تفوقها في كميات بعض الأسلحة أو أنواعها، أو حاملات الطائرات أو القواعد العسكرية. فالأمر لا يتعلق بالأحجام، إنما بالوضع الجيوسياسي، ومهارة اللاعبين وتوافر الموارد لحل المهام المطروحة.
لذلك، ينبغي النظر إلى جميع التصريحات الحربية المتنوعة الصادرة من واشنطن، بما فيها الترامبية، بوصفها تخدم أهدافاً أخرى، ربما تكون تفاوضية.