اعترافات مباشرة في سورية وإعادة تحجيم الصراع
روزانا رمّال
بَدَت الضربة العسكرية الثلاثية الخاطفة على سورية من قوى كبرى كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا أكثر إثارة للجدل شكلاً ومضموناً وتداعيات، منه إلى السبب الذي أخذ هذه الدول إليها وهو الكيميائي الذي اتُهمت به روسيا، برعاية استخدام الرئيس السوري بشار الأسد له في معرض اختتام قوات الجيش السوري معارك الغوطة الشرقية.
الغارات التي أزعجت «إسرائيل» أكثر مما أراحتها أرخت أجواء من العجز المكشوف الذي كان بالغنى عنه بنظر المعلقين الإسرائيليين بعد أن وصفوا نتائج الضربة بـ «الصفر» أعادت تحجيم الأوزان بشكل أخذ الأمور نحو نهايات دراماتيكية كشفت أن القدرة الأميركية الغربية على تدويل الحرب السورية بمعناها العسكري المباشر غير ممكنة وأن الحرب التي كانت واشنطن، وتحديداً البيت الابيض ينوي شنّها على دمشق وما يعنيه من تداعيات قد تجعل الحرب بين أقطاب الصراع الأميركي الروسي، بحكم انتشار قواعد عسكرية للطرفين، صارت اليوم بحكم المستحيلة بعد الاختبار القاسي الذي أعاد الصراع الى حدوده الإقليمية وصار أبعد ما يمكن التنبؤ به بلحظة انزلاق أو تدهور عسكري هو أن تعاود «إسرائيل» الاعتداءات المحدودة، من دون أن تتمكن من حشد الأميركيين الى إسنادها في المنطقة. وهو الامر نفسه الذي ينطبق على السعودية التي حشدت بشخص الأمير محمد بن سلمان القوى الغربية من أجل الضربة هذه نظراً لما يمكن أن تشكل رادعاً مباشراً لإيران في الملف اليمني.
اللافت والذي لا يمكن تجاهله هو قصف الحوثيين عشية القمة العربية للرياض ما أدى الى نقل القمة الى «الظهران» حماية للوفود. وحديث صحافي عن نقلها الى الدمام، حينها ما يعني أن الاهتزاز الأمني سيد المشهد في الرياض. وربما تكون هذه الصواريخ وحدها رسالة إيرانية غير مباشرة استطاعت دوزنة الأمور وردع العدوان الأميركي. فاذا كانت الرياض غير قادرة على مواجهة صواريخ «الحوثي»، فكيف بالأحرى ستتمكن من مواجهة صورايخ إيرانية بلحظة تدهور حرب إقليمية؟
صار مؤكداً أن البنتاغون أو وزارة الدفاع الأميركية رفضت توسيع الضربات لدرايتها بهذه الأمور ولمعرفتها أن حرباً عالمية ستنشأ جراء الاستخفاف بالوجود الروسي وتخطي القانون الدولي. وفي لحظة الاشتباك الكبير تخرج المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت، لتعلن بشكل لافت أن بلادها لا تسعى لتغيير النظام الحاكم في سورية اي انها لم تكن تنوي من خلال الضربة إسقاط الاسد، مشددة على ضرورة إقرار حل سياسي من خلال «عملية جنيف للسلام».
وقالت نويرت في تصريحات أدلت بها لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية بالامس، إنه كان من المفترض أن تساعد روسيا الحكومة السورية على التخلص من مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية، مؤكدة أن «التخلص من 3 منشآت كانت تستخدم في تخزين واختبار الأسلحة الكيميائية في سورية هو نجاح، وجميع حلفائنا في العالم بما فيهم تركيا والصين، معترفون بذلك النجاح الذي حققناه».
كلام المتحدثة الأميركية يؤكد أن الضربة كانت اعلامية أكثر مما هي سياسية المنافع. وفي الوقت الذي سوقت تركيا قبل الضربة لأهمية التخلي عن «كلام الشوارع» صار اليوم بعد الضربة الخفيفة الوزن كلاماً تشجيعياً لإنهائها بالشكل الذي انتهت فيه والدول المجاورة تدرك تماماً استحالة ان ينتهي الخيار الأميركي على ما هو أبعد من ذلك نظراً لصعوبة المعركة التي وإن بدأت كيميائية انسانية قد تنتهي بشرية كارثية.
اللافت أيضاً ان الدول التي استهدفت الحلفاء منهجياً اي الروس والإيرانيين بهذه الضربة عملياً وما قبلها بمطار تيفور بحسابات الحلف المقابل لا تزال تحرص على عدم القطيعة مع إيران، وإلا اين يفسر او يوضع تواصل وزيري خارجية بريطانيا وإيران بمكالمة هاتفية؟
دان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بهذا الاتصال مع نظيره البريطاني، بوريس جونسون ، الضربة العسكرية الأميركية البريطانية الفرنسية على سورية . وجدّد ظريف إدانته للضربة العسكرية وانتقد « سياسة الكيل بمكيالين» لدى الغرب إزاء السلاح الكيميائي، وأن «الضربة على سورية تعتبر غير قانونية وأحادية الجانب وأنها عدوان على سورية»، لافتاً الى أنه «لا يحق لأي دولة في العالم معاقبة دولة أخرى خارج القانون الدولي».
الاهم من كلام ظريف هو التواصل الاوروبي مع إيران في الوقت الذي تتقدم فيه الايام الحاسمة لتجديد التوقيع على النووي الإيراني مع الدول الكبرى. ويبدو أن البريطانيين لا يرغبون بهذه القطيعة مع الإيرانيين حتى أن التبادل الدبلوماسي أعيد إحياؤه. ومن الجهة المقابلة قلّل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس، من المشاركة الفرنسية باعتبارها مضطرة لمجاراة الأميركيين وكأن هذا إعفاء مباشر من الادانة الكاملة، لأن العلاقة الفرنسية الإيرانية، كما تؤكد المعلومات سياسياً واقتصادياً واعدة وكان لفرنسا دور مباشر لإعادة الرئيس سعد الحريري من الاحتجاز السعودي. كلها أمور تؤكد أن الغرب أعجز من استهداف محور روسيا إيران سورية وتوجّهه نحو القطيعة.
الحرب الدولية أعيد تحجميها وتحويلها الى الخيار الإقليمي ومعها ستتقلص مطالب القوى الكبرى على طاولة التسويات، وحدها «إسرائيل» اليوم تدرك فشل ورقة «الجوكر» التي تم استخدامها، فلا يمكن بعد اليوم استقدام الأميركيين لشنّ حرب على الجهات التي تواجه خياراتها، بل إن ما جرى يؤكد أو يحسم بشكل نهائي جدل شنّ حرب أميركية خليجية على إيران في المستقبل.