ما بعد الضربة العسكرية لسورية…؟
زهير فياض
تدخل الأزمة السورية الشام مرحلة جديدة بعد التطورات الأخيرة الحاصلة في الميدان، وبعد تحديد الكيفية التي ستتمّ على أساسها محاكاة كلّ هذه الأحداث في السياسة والأمن والاقتصاد، وفي ظلّ التقاطعات المحلية والإقليمية والدولية، ووجود العديد من الأطراف المؤثرة في الوضع السوري، وانعكاسات كلّ ذلك على الوضع وآفاق تطوّره وعلى كلّ الصعد…
لقد رسم الميدان السوري خطاً بيانياً واضح المعالم باتجاه ترسيخ جملة من الحقائق السياسية والعسكرية ذات الطابع الاستراتيجي، والتي ستشكّل المرتكز لمواجهة التحديات المستقبلية ليس فقط على مستوى سورية الشام إنّما على مستوى المنطقة والعالم بأسره.
ما حدث حتى الآن، يقارب الخيال في حجمه وتحدياته وإشكالياته، وما مرّ من أحداث خلال الأعوام السبعة من تاريخ الأزمة السورية يدلّ على أهمية الموقع الجيو سياسي لسورية في صناعة وتشكيل المشهد المحلي وامتداداته في السياسة العالمية.
لقد تخطّى الصراع حدود الجغرافيا، وثبّتَ نهج التلاقي الإقليمي والعالمي مع كلّ القوى المتضرّرة من السياسات الأميركية والغربية حول العالم وتشابكاتها مع دوائر التأثير الصهيوني في مراكز القرار من أوروبا الى أميركا. وكلّ ذلك تحت سقف المواجهة مع المشاريع الاستعمارية وأحلام الهيمنة الكولونيالية حول العالم.
في هذا السياق، تأتي الضربة الأميركية الغربية بالأمس، لمواقع ومنشآت على الأرض السورية لتحاول إعادة خلط الأوراق ورسم وقائع جديدة تغيّر توازنات القوى، أو تحاول أن تحافظ على مواقع وأدوار مفترضة لقوى دولية وغربية وإقليمية في مستقبل سورية والمنطقة، بيد أنّ استيعاب الضربات ومواجهة العدوان العسكري المستجدّ والإصرار والتصميم من قبل قوى المقاومة والدولة السورية على الذهاب في عملية التصدّي لهذه الهجمة حتى النهاية، جعل ارتدادات هذه الضربة عكسية أصابت في الصميم القوى الدولية والإقليمية التي تقف وراءها.
ليس تفصيلاً ما يجري. الضربة التي حصلت ليست ضربة صغيرة لا حجماً ولا شكلاً، ولكن ما أعطاها حجمها وتأثيرها المحدود هو استيعابها ميدانياً، وتجويفها سياسياً، بعد أن تمّ تسويقها كردّ على هجمات «كيميائية» مفترضة. الكلّ بات يعلم أنها جزء من مسرحية وسيناريو ممجوج ووقح لا يُراعي أبسط قواعد الفهم والعقل والمنطق.
إنّ تشابكات وتعقيدات الوضع السوري إنْ دلّت على شيء، انما تدلّ على أنّ الخطوات الأحادية لم تعُد تؤثر في تغيير المعادلات الكبرى، وأنّ قرار مواجهة الصلف والتعنّت الأميركي والغربي قد تمّ أخذه والسير به حتى النهاية وتقاطع فيه المحلي مع الإقليمي والدولي بما يشكّل محوراً متماسكاً في توجّهاته وأهدافه الاستراتيجية الكبرى.
فالمعركة في سورية اليوم لها امتداداتها في السياسة والاقتصاد والأمن الدوليين، وهذه حقيقة باتت جزءاً لا ينفصل عن خلفية أيّ مفاوضات أو حوارات أو تفاعلات بين القوى المؤثرة في الميدان والواقع السوري. وهذا سيرتب آليات جديدة في صياغة المشهد المستقبلي في سورية الشام وفي كامل المنطقة والعالم، وإنّ غداً لناظره قريب…
عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي