الجيش ينهي خلافة أبي بكر الميقاتي في الشمال بري مع التمديد منعاً للتهويل بالمؤتمر التأسيسي
كتب المحرر السياسي:
إدارة ملفات الفراغ تصحّ في كلّ ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي، ومقرّرات الحكومة، وسلسلة الرتب والرواتب، وصارت تطاول المتابعة اليومية لقضية العسكريين المخطوفين.
في إدارة ملفات الفراغ، القاعدة هي المياومة، يعني كلّ يوم بيومه، بلا رؤية تعكس توافقاً أو اتجاهاً نحو توافق يرسم طبيعة المستقبل أو يحدّد وجهة التوقعات، والقاعدة الثانية هي العمل بقانون الصدمة فلا ثوابت تحكم الأطراف في مواقفها، سوى إثبات الذات، ولذلك يمكن اتخاذ الموقف وعكسه من الأمر نفسه، فالمهم ألا تلتقي مواقف من يفترض أنهم الخصوم، والقاعدة الثالثة هي المدّ والجزر، أيّ هبّة ثلج وهبّة نار، فاليوم لا يُعرف مثلاً مصير الهبة السعودية، وعليك انتظار مصير الهبة الإيرانية، وغداً لا تعرف موقف النائب وليد جنبلاط بقصده تأخر أو تبخر الهبة السعودية، وبعد غد قد يقول وزير الداخلية إنه كان يقصد التهجّم على حزب الله بعد إنكاره واستنكاره لتصنيف كلامه على هذا الأساس، ويقرّر أنّ سبب موقفه معطيات تتصل بالتحقيقات في اغتيال اللواء وسام الحسن التي قال إنها قاربت على النهاية، وسيكشفها قريباً، على ذات الطريقة التي قال فيها اللواء الحسن سابقاً ما قاله عن مصير التحقيقات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي صارت في ما بعد المضبطة الاتهامية للمحكمة الدولية ضدّ الحزب، بعد أن كانت مادة الحوار الذي أداره الحسن يومها مع حزب الله لمقايضة المحكمة برئاسة الحكومة للرئيس سعد الحريري، والصلح مع سورية، ولا غرابة أن يكون قصد الوزير المشنوق حواراً شبيهاً لمقايضة شبيهة ومصالحة شبيهة لرئاسة شبيهة.
في قوانين إدارة الفراغ كلّ شيء متوقع ولا يمكن توقع شيء.
يبقى أنّ الجديد يأتي من خارج إدارة الفراغ، حيث حقق الجيش اللبناني إنجازاً نوعياً كبيراً ومفصلياً في الحرب على الإرهاب، بعدما تمكنت مخابرات الجيش من التوصل لكشف المخبأ السرّي لأمير «داعش» في الشمال أحمد سليم الميقاتي الملقب بأبي بكر الميقاتي تيمناً بأبي بكر البغدادي، وقتل مرافقوه من قادة «داعش»، أثناء المداهمة.
الجديد الثاني هو أنّ التمديد الواقف عند شرط الميثاقية التي يتولى تأمينها طالبوه، والقصد هنا الرئيس سعد الحريري وتياره، بعدما نجحوا بسحب غطاء الميثاقية عن الانتخابات النيابية بقرار المقاطعة، وأوحى الحريري بتوافر الغطاء المسيحي للتمديد عبر موافقة البطريرك بشارة الراعي عليه، لتثير كلمات الراعي اللاحقة غباراً حول وجود هذه التغطية، وينكشف الهدف الحريري بوضع الرئيس نبيه بري بين خيارين، الموافقة وسحب رفضه المبدئي للتمديد، أو الوقوع تحت سكين الاتهام بالسعي إلى الفراغ تمهيداً للمطالبة بالمؤتمر التأسيسي، ليصدر كلام قاطع من بري يقول: سنمضي بالتمديد كي لا يهوّل أحد على أحد بالمؤتمر التأسيسي، لكن على دعاة التمديد تحمّل مسؤولية توفير الميثاقية.
توزع الاهتمام المحلي أمس على أكثر من ملف في طليعتها العقبات التي تعترض التمديد للمجلس النيابي بشكل سلس، وقضية العسكريين المخطوفين التي برز فيها تطوّر شكلي قد يدفع المفاوضات إلى الأمام، وهو تسليم الخاطفين الحكومة لائحة خطية بمطالبهم.
وبرز بين هذين الملفين مواقف قوية لقائد الجيش العماد جان قهوجي تجاه الإرهاب أعقبت إنجازاً أمنياً نوعياً للجيش بتوقيف أحد أهم كوادر «داعش» في الشمال، بعد دهم شقته في بلدة عاصون قضاء الضنية.
وأوضحت قيادة الجيش أن قوة من مديرية المخابرات نفذت فجر أمس «عملية أمنية دقيقة في منطقة الضنية، بعد رصد مكان وجود الإرهابي أحمد سليم ميقاتي، فتم دهم الشقة التي كان يقيم فيها مع مجموعة من الإرهابيين، وتم توقيفه، فيما أصيب أحد العسكريين بجروح طفيفة، وقتل ثلاثة من المسلحين الموجودين في الشقة المذكورة».
وأشارت القيادة إلى أن «الإرهابي الموقوف الملقب بأبي بكر، وأبي الهدى، بايع أخيراً تنظيم داعش ويعتبر من أهم كوادره في منطقة الشمال، وقام بإنشاء خلايا مرتبطة بالتنظيم في المنطقة، وكان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي كبير»، لافتة إلى ضلوعه في سلسلة عمليات إرهابية واشتباكات مع الجيش منذ عام 1999 كما أنشأ عدة خلايا إرهابية.
وواكب العماد قهوجي هذا الانجاز بتأكيده أن قرار القيادة ثابت وحازم في عدم السماح للإرهاب بإيجاد أي محمية أو بقعة آمنة له في لبنان، مهما تطلب ذلك من جهود وتضحيات. وأعلن في نشرة توجيهية إلى العسكريين، تمسك القيادة بتحرير العسكريين المخطوفين واعتبار قضيتهم قضيتها الأولى، عبر استخدام كافة السبل المتاحة مع رفضها الخضوع لأي ابتزاز من شأنه أن يوظفه الإرهابيون لاحقاً ضد مصلحة الجيش والوطن، وشدد على أن لا مكان في صفوف المؤسسة للخارجين عن الولاء للوطن والجيش أو المتقاعسين في أداء واجباتهم، فالجيش بغنى عن خدمات أي عسكري يتخاذل أو ينكث بقسمه ويخون رسالته. وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية اليوم أقوى من أي وقت مضى وعصية على كل محاولات التشكيك بها والنيل من تماسكها.
وبرز في هذا السياق، تخوف رئيس المجلس النيابي نبيه بري من الأوضاع الأمنية في لبنان مبدياً خشيته مما قاله النائب وليد جنبلاط «حول تأخر أو تبخر الهبة السعودية للجيش»، مشيراً في حديث لقناة «المنار» إلى انه من الأكيد أن تأخراً قد حصل، متسائلاً: «ما الفائدة إذا تأخرت الهبة، فالفائدة منها الآن». وحول الهبة الإيرانية للجيش قال الرئيس بري: «إن المجنون فقط يرفضها»، مشدداً على ضرورة القبول بها.
مطلب خاطفي العسكريين
أما التطور الأبرز على صعيد قضية العسكريين المخطوفين فهو تسلم من وزير الصحة وائل أبو فاعور مطالب خطية من خاطفي العسكريين قدمها إلى رئيس الحكومة تمام سلام في مستهل جلسة مجلس الوزراء أمس، إلا أنه لم يجر إطلاع الوزراء عليها، واكتفى سلام بالقول إن الاتصالات لا تزال مستمرة وإن تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» توقفا عن القتل، وأشار إلى انه في حال استجد جديد في قضية العسكريين فإنه سيدعو إلى جلسة يضع خلالها الوزراء بما آلت إليه المفاوضات.
وفيما يستمر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على تكتمه من المفاوضات الجارية لإطلاق العسكريين المختطفين، أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن التفاؤل الذي عبّر عنه الأهالي بعد لقائهم أمس الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير لا يستند إلى شيء ملموس». وفيما كشفت المصادر أن المطالب الخطية التي تسلمها وزير الصحة تتضمن إطلاق موقوفي عرسال ونحو 170 موقوفاً من سجن رومية، وتأمين المعبر الآمن إلى عرسال الذي يضعه الخاطفون في صدارة مطالبهم»، أكدت «أن الموفد القطري سيعود إلى لبنان في الساعات القليلة المقبلة لاستكمال المفاوضات مع الخاطفين بشأن هذه المطالب.
من جهة أخرى، لم يستغرق البحث في الورقة التي وضعتها اللجنة الوزارية المختصة حول سياسة النزوح السوري إلى لبنان في جلسة مجلس الوزراء أكثر من عشرين دقيقة، وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» إلى أن الورقة حظيت بإجماع الوزراء. وأشارت مصادر وزارية إلى أن الخلاف الوحيد الذي حصل في الجلسة كان حول تلزيم النفط بين وزير المال علي حسن خليل والطاقة ارتيور نظاريان الذي أكد تمديد العقود، في حين أن خليل أشار إلى أن تمديد العقود يحرم لبنان من شروط أحسن. وإزاء ذلك طلب المجلس من اللجنة الوزارية المختصة إتمام وضع دفتر الشروط المتعلق بشراء الفيول اويل والغاز اويل لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، تمهيدا لإجراء مناقصة عمومية في هذا الخصوص وعرضه على مجلس الوزراء خلال الجلسة المقبلة. كما مدد المجلس عقود شركتي الخلوي 7 أشهر.
أجواء التمديد سلبية
سياسياً، ومع تسارع العد العكسي لانتهاء ولاية المجلس النيابي الممددة، وموعد إجراء الانتخابات النيابية، أخذت الأجواء تميل إلى التوتر بسبب التجاذبات المتزايدة بين الأطراف حول موضوع التمديد الجديد. وقد طرحت علامات استفهام جدية في الساعات الماضية حول هذا الموضوع في ظل ما تشهده الساحة المسيحية من إرباك وتجاذب يميل بدوره إلى السلبية. وفي ظل هذه الأجواء نقل زوار الرئيس بري عنه أمس كلاماً تحذيرياً من الوقوع في الفراغ. وأفادت المعلومات في هذا السياق، أن بري يتريث في الدعوة إلى جلسة التمديد بانتظار جلاء كل المواقف ولا سيما المسيحية منها. ونقل الزوار أيضاً أن بري أبلغ المعنيين أنه بات ميالاً إلى التصويت مع التمديد خلافاً لموقفه السابق بعد موقف الرئيس سعد الحريري الذي أعلن رفضه المشاركة في الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس الجمهورية. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن بري يخشى عدم تأمين الميثاقية إذا ما استمرت المواقف المسيحية سلبية أو إذا ما لجأ الحريري إلى معارضة أي جلسة لا تؤمن التمديد. ولفتت المصادر إلى أن بري أبلغ بعض الأطراف أن الفراغ النيابي يعني استحالة انتخاب رئيس الجمهورية ونقل عنه أيضاً أنه «إذا كان يراد الذهاب بالبلد إلى الفراغ للوصول إلى مؤتمر تأسيسي. فمن الآن أقول إن أمل وحزب الله هما مع التمديد».
وفي حديثه إلى قناة «المنار» أشار الرئيس بري إلى أنه لم يحدد بعد موعد الجلسة التشريعية للتمديد حتى ينهي مشاوراته مع الجانب المسيحي.
وفي شأن الملف الرئاسي، قال: «لا جديد في هذا الملف في ظل الوضع القائم وثبات جميع الأطراف على مواقفها».
من جهتها، جددت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر تأكيدها لـ«البناء» أن موقف التيار الأخير حول التمديد ليس مناورة سياسية ولا يدخل في إطار المزايدات كما يحاول أن يوحي البعض، موضحة أن هذا الموقف جدي وأن التجارب السابقة تؤكد ذلك، مشيرة إلى أنه ستكون هناك خطوات لاحقة للتيار في هذا المجال.
وأكد النائب أنطوان زهرا لـ«البناء» «أن «حزب القوات» لن يصوت للتمديد، لأسباب مبدئية تتعلق بتداول السلطة، رافضاً «الاستسلام للوضع القائم مع تفهّمنا لهواجس الأطراف التي تسعى للتمديد». ولفت إلى «أن تيار المستقبل يعرف موقف القوات الرافض للتمديد ولا خلاف على ذلك».
باسيل التنسيق قائم مع سورية
إلى ذلك، أطلق وزير الخارجية جبران باسيل مواقف لافتة مساء أمس من جملة ملفات أبرزها على صعيد التعاون والتنسيق مع سورية. وشدد خلال مقابلة مع قناة «أل بي سي» ضمن برنامج «كلام الناس» على أن «التواصل مع الحكومة السورية ضروري للتعاطي بملفات منها النازحون»، معتبراً أنه «طبيعي أن التقي بوزير الخارجية السوري وليد المعلم عندما أكون في نيويورك ممثًلاً لبنان»، كاشفاً أن «التنسيق مع النظام في سورية يتم وهذا على مسؤوليتي ومن الجهتين»، سائلاً: «ماذا يفعل إذن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في سورية؟»، وقال: «متنا وعشنا لإقامة العلاقات الديبلوماسية مع سورية ليس كي نقطعها اليوم والأمر له علاقة باستقلال البلد وسيادته».
من جهة أخرى، أكد باسيل «أننا لا نعمل لمؤتمر تأسيسي وعدم القبول بالمناصفة ورفض انتخاب رئيس يمثل، هو بعكس روح الطائف».
وأشار باسيل إلى أن قهوجي «أتى بخيار منا ولا نقبل به رئيساً توافقياً ووضعه الآن غير شرعي في موقعه».