عشق الصباح
عشق الصباح
رسائل امرأة في زمن الحرب… إلى رجل يشكّل بحضوره كل الدنيا:
لم تزل رائحة تبغه وعطره في الشرفة البحرية ويملأن زوايا الأمكنة، يعلن حضوره بلا مقدّمات، يشدّها كلّما عادت إلى راوية النعنع البريّ، تعيد تفاصيل حياتها، منذ كانت طفلة صغيرة تشاغب خلف البيت الطيني، تحت ظل شجرة الجوز، تناولت زجاجة ملوّنة، تركها في آخر لقاء لم يكن عابراً، سكبت كأساً من النبيذ، دفعت السائل إلى جوفها، شعرت بالدفء.. كم تحتاج للدفء في هذا الليل البارد؟! أعادت التجربة، غمغمت:
كلّما التقينا يأخذنا النبيذ إلى حيث تشتهي أحلامها ان تكون، ندخل في مغامرات تفاصيل لغة الموسيقى والجسد، ينساب الشراب الخمريّ بين الرمّان المتكور على زهر الجلنار، تترنّح بين يديه… تنتشي، ترقص كفراشة، تذوب آهاتها على صدره، تشتعل ألقاً، تناولت كأساً آخر لعلّها تستطيع أن تنام، لكنها لا تنام، كيف تتخلّص من هذا الكابوس، لماذا تشعر بالضعف في غيابه؟ تناولت كأساً آخر، ثم آخر، أحسّت برعشة دفء تسري في جسدها، وهي تنتفض كطائر جريح بعد أن أخبروها بأن الرجل الذي تعشقه حتى الثمالة ترجل وانزرع كالزيتون في الأرض. سمعت نقرات أصابعه على زجاج نافذتها المطلّة على الشارع، حاولت أن تنهض، ترنّحت وسقطت فوق بلاط غرفتها، كم مرة كانت تشعر أن نقرات أصابعه، تشبه نغمات عازف ناي، تركض إلى الباب، تفتحه، لتستقبله بفرح طفلة، تعاتبه قائلة: لقد أتعبني انتظارك؟ أجابها مبتسماً: المهم أني أتيت..
آلة التسجيل لم تتوقف وفريد يغني، تصدح كلمات الأغنية متدفقة بالنغم الأصيل: «عش أنت.. إني مت بعدك» الدموع لا تتوقف، جلست فوق حافة السرير، القراءة وحدها تخرجها من حالتها المزرية، قرأت العنوان بتمهّل إلى الرجل الذي لم أستطع امتلاكه… أمتلكه الوطن… حبيبي… سأبقى وفيّة للعهد وللوعد ولمواعيدنا ولن أخذلك وأكون ضعيفة.. عش أنت.. عاش الوطن.
حسن إبراهيم الناصر