قالت له

فقال: أدير ظهري وأمشي لأنّ ما عندي في الطبّ والشعر والفلسفة رسالة فروسية وثقافة وأخلاق إن لم تجذب من أنوثتك طرف خيط، فأنا ما ولدت لأراك ولا أنت ولدت لأكون من مملكة أحلامك.

فقالت: أعجب بك كطبيب وأنا أعرف وأعترف بإعجابي بمبادئك وفروسيتك وثقافتك وأخلاقك، لكنني أقرأك لمّا تكتب الشعر ككتاب فلسفة وكتاب تاريخ بكلّ نظافة الفكر والأمانة للضوابط والمعايير كخلطة كيمياء محسوبة، فأعود إلى سيرة الطبّ مع إبن سينا والكيمياء. فأعجب، ولكنني أريد الرجل في حياتي كتلة فوضى لا نظاماً، وأريده قادراً على منحي نهاراً كاملاً وليلاً لا ينتهي، وهو يفكّ ضفائري قبل أن يتفرّغ لقبلة، أعيش في ظلالها وتكرارها نصف يومي، ولا أراك هذا الرجل فهل هذه أنانية؟

فقال: ليس الحبّ إلّا ذروة الأنانية. أنتِ عاشقة ممتازة… ومضى.

قال لها: لو تخلعين نظّاراتك السوداء فقد رأيت لك صوراً من دونها أغوتني فيها عيناك.

فقالت: لكن الضوء مصدر الإثارة والضعف الذي لا أملك مقاومته، لا عيون الآخرين، فأحجب بها الضوء عن عينيّ مندون أن أفقد متعتي بالتجوّل بين العيون.

فقال: فلنطفئ الضوء إذن.

فقالت: إطفاء الضوء يثيرك أنت ويُسقط عنك قناع الخجل، وأنا أحبّ فيك الخجل أكثر من الذكورة العارية.

فقال لها: توقف الحوار بيننا سألبس نظارتي وأتجوّل خلف نظّارتك، ولمّا تفرغين من معادلاتك الصعبة وترين أنّ الحياة لحظات تائهة نستعجل كي نقبض عليها ولا نستفيق إلّا بعد أن تمضي عليك أن تكتبي لي سطراً فأعود.

فكتبت: سأدخل ساعة اليد ليبقى كل شيء على توقيتي… ومضت.

قالت له: أقرأك في الغزل فأتمتع كأنثى بما يفيض من جمال لعبة الحرف بين يديك، وأراك فارساً خلق للكتابة في الحبّ أكثر من الروايات الخرافية، على رغم ما لجمال ما تكتب فيها وقيمته.

فقال لها: هل يعطيني هذا حقّ التقرّب من جمالك، وأن أقلب خصلة الشعر التي تغطي جبينك؟

فقالت: يعجبني أنّني أحسّك تنقلني إلى عالم آخر كمتفرّجة لا كلاعبة. فأتخيّل أبطالك من مقاعد الحضور وهم في حوار جميل على مسرح مرئيّ أمامي. ويوم أرى أنني البطل على المسرح سأراك أمامي في دور البطولة، وتنتقل مثلي من الحضور إلى المسرح.

فقال لها: لكنني لم أكتب في الحبّ يوماً إلّا وكنت لاعباً أوّلًا على ضفّة المسرح. ولست مخرج النص ولا كاتبه وأمامي لكلّ مرّة بطلة من الخيال تضرّجني أمام الجمهور بجراحات أراها متعة الحبّ، لأنّ الحبّ الذي لا ذلّ فيه لا عطاء فيه، ولأنّ الحبّ والكرامة لا يجتمعان، ولأنك تعيشين زمن الدفاع عن الكرامة في وجه الحبّ، سأنقل مسرحيتي الجديدة بين الناس وأختار بين الجمهور أبطالي.

فقالت: لو عرفت الموعد سلفاً سأتغيب، وإن فاجأتني وخدعتني سأضع رجولتك في امتحان صعب وأسمعك من غير لغة القلب. فالأنثى في بلادنا يا صديقي ليست رجلاً إذا أسيئ لسمعتها تترك لحيتها وتحمل سُبَّحة كما قال علي شريعتي، بل تذهب إلى حيث لا مكان ولا زمان. فدعني أكتفي بغموضي و تفهّم ظروف الأنثى في الشرق لا ظروفي.

فجاء إليها في منامها وكتب أجمل القصائد… ومضيا معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى