رئيس الجمهورية في رسالة إلى اللبنانيين لمناسبة انطلاق الانتخابات النيابية: تحرّروا من الضغط والإغراء فمَن يشتركم يبعكم وليس صعباً عليه أن يبيع الوطن
أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في رسالة وجّهها إلى اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، عشية انطلاق الانتخابات النيابية في مرحلتها الأولى في الدول العربية ودول الانتشار أن الانتخاب واجب وطني، و«هو فعل وجود»، كما أنّه «الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية»، معتبراً «أن الحرية مسؤولية، وكذلك الاختيار».
ودعا اللبنانيين إلى التحرّر من وسائل الضغط والإغراء التي تفسد الضمائر، والى عدم الاقتراع «لمن يدفع ويسخى بالمكرمات»، لأن «من يشتركم يبعكم، ومن يبع المواطن ليس صعباً عليه أن يبيع الوطن، وليكن منحكم الصوت في الانتخابات مجاناً، وتعبيراً عن ثقتكم بمن تقترعون له لا تقترعوا لمن يدفع، لأنه لن يمكنكم مساءلته ومحاسبته إن أخطأ مستقبلاً. لا تقترعوا لمن يدفع ويسخو بالمكرمات، وتذكّروا أن الأعمال الخيرية ليست موسمية ترفع فقط في الاستحقاق الانتخابي، لا تقترعوا لمن باع ويبيع السيادة عند كل مناسبة.
لا تقترعوا لمن حوّل حقوقكم خدمات يحتكرها بيده ليبتزّكم بها عند الحاجة، ولا تشهدوا زوراً ولا تقبلوا بغير الحقيقة لتحتفظوا بنظافة الضمير».
وأضاف: الساتر موجود لهذه الغاية، ووراءه يقف الإنسان حراً. وليكن اقتراعكم منحاً لثقة وتكليفاً حقيقياً تليه محاسبة حقيقية فدوركم لا ينتهي عند صناديق الاقتراع، بل يبدأ من هناك، ونجاح الحكم يستلزم شراكة حقيقية بين الشعب وممثليه ويتطلّب محاسبة فعلية لهم في حال أخطأوا ولم يكونوا على قدر ثقتكم، فلا تتخلّوا عن دوركم، الذي يحصّنه القانون الانتخابي الجديد ويجعله أكثر فعالية.
وقال الرئيس عون: لا تصدّقوا من يغدق عليكم الوعود التي تجافي الواقع والقدرة، لأنه لن ينفذ ما وعد به، وتذكّروا أن الوعود الانتخابية لا تُلزم إلا من يصدّقها. وحاذروا من يقيم حملته الانتخابية على سلبيات غيره وليس لديه سوى التجريح والافتراء وإطلاق الشائعات مضموناً لخطابه السياسي، من دون أن يكون لديه أي مشروع فعلي يقدّمه لكم. حاذروا أيضاً، لا بل الفظوا وانبذوا من يؤجّج المشاعر الطائفية والعصبيات، لأنه يتلاعب باستقرار الوطن، تذكّروا مسيرة المرشحين، بماضيهم وحاضرهم، فكّروا بمستقبلكم ومستقبل أولادكم، قدّموا مصلحة الوطن الكبرى على المصالح الأخرى الصغيرة، حكّموا ضميركم، ثم اختاروا، وضعوا الورقة في الصندوق.
وتابع: أيها الشباب، ومنكم مَن يقترع للمرة الاولى، أنتم لبنان الآتي، فلا تكونوا على الحياد، لا تكونوا غير مبالين بما يحصل حولكم، فالتغيير المنشود لن يحصل إلا من خلالكم، ومهما أردتم الابتعاد عن السياسة، فإن السياسة تفرض نفسها عليكم وتؤثر في مجريات حياتكم، فكونوا فاعلين ومقرّرين فيها حتى لا يقتصر دوركم على تلقي النتائج وتحمل عبء التبعات. والانتخابات هي الخطوة الأولى لرفع صوتكم فشاركوا بكثافة ليكون مسموعاً. أيها اللبنانيون المنتشرون في دنيا الاغتراب، أنتم العمق اللبناني في العالم، وللمرّة الأولى يُقرّ في لبنان قانون انتخابي يمنحكم حق المشاركة في الانتخابات من حيث أنتم موجودون، فتمسّكوا بهذا الحق، ولتكن مشاركتكم تعبيراً عن مدى تعلّقكم وارتباطكم بالوطن الأم، وعن إرادتكم الصادقة بالمساهمة في إحداث التغيير فيه، لافتاً إلى أن أوّل خطوة على طريق تفكّك المجتمعات هي في التخلّي عن القيم، وفي التغاضي عن الخطأ والقبول به. والخشية على مجتمعنا أن يصبح الفساد عادةً نتأقلم معها، والرشوة مبرّرة ومقبولة، والكذب مباحاً ومعلّلاً… والأمل، كل الأمل، أن تكونوا على قدر المسؤولية، فتختاروا وفقاً للقيم التي نشأنا عليها، وبضمير نقي وإرادة حرة.
وشدّد على أن الديمقراطية تصلح نفسها، والعملية الانتخابية هي السبيل لذلك. وقد صار اليوم لكل صوت من أصواتكم قيمته وفعاليته، ويبقى أن تمارسوا أنتم حقكم في الاختيار ولا تتنازلوا عنه فالانتخاب واجب وطني، وهو الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية.
وتوجّه الرئيس عون إلى الناخبين، فحثّهم على نبذ «مَن يؤجّج المشاعر الطائفية والعصبيات، لأنه يتلاعب باستقرار الوطن». وقال إن الطموح السياسي مشروع وحق لكل من يجد لديه الكفاءة والإمكانية لممارسة الشأن العام، ومخاطبة الناس لإقناعهم بتبنيكم أيضاً حق لكم، ولكن تحاشوا مخاطبة الغرائز، وابتعدوا عن التجييش الطائفي والمذهبي والتحريض لشدّ العصب، خاطبوا عقول الناخبين لا غرائزهم، فالشحن الطائفي هو أول خطوة على طريق الفتنة، فلا توقظوها من أجل مقعد نيابي.
وخصّ رئيس الجمهورية في رسالته الشباب اللبناني بدعوتهم إلى عدم البقاء على الحياد أو اللامبالاة، و«المشاركة الكثيفة في الاستحقاق الانتخابي». أمّا اللبنانيون المنتشرون، فحثّهم على التمسك بالحق الذي أتاحه لهم القانون الانتخابي الجديد بالاقتراع حيث هم، داعياً الى ان تكون مشاركتهم تعبيراً عن مدى ارتباطهم بالوطن الأم.
وإذ لفت رئيس الجمهورية الى صحة التمثيل وفعاليته اللتين يؤمّنهما القانون الانتخابي الجديد، فإنه اعتبر «الصراع الذي نشأ بين أعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي لا يعود الى القانون، ولكن الى المرشحين». فالقانون هو الإطار الذي يؤمن للناخب حرية الخيار، أما الصراع فهو يعود لنقصٍ في التعاون بين أفراد اللائحة الواحدة، أو لعدم اعتيادهم بعد على التنافس الإيجابي ضمنها.
وقال «أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون، مقيمين ومغتربين، أنتم مدعوّون بعد أيام للانتخاب، وقد مرّت تسعة أعوام على الانتخابات الأخيرة، شهد خلالها لبنان أحداثاً جمّة طغى عليها الإرهاب الذي ضرب الشرق الأوسط، وخرج منها وطننا، بقوته سليماً معافى، واستتب فيه الأمن والاستقرار. وكان من الطبيعي بعد الانتخابات الرئاسية أن نقوم بصياغة قانون جديد للانتخابات النيابية، كما التزمت في خطاب القسم، يؤمّن التمثيل الصحيح لجميع مكوّنات الشعب اللبناني بأكثرياته وأقلياته، ويعطي أيضاً، وللمرة الأولى، الانتشار حق التصويت من حيث هو موجود.. بالإضافة إلى فعالية التمثيل التي يؤمّنها هذا القانون، فإنه يحدّد الخيار السياسي بواسطة اللائحة المغلقة، وعبر هذا الخيار يسمح بالتقدير الشخصي للمرشحين ضمن اللائحة المختارة بإعطاء الصوت التفضيلي لمن يعتبره الناخب المرشح الأفضل.
وتابع: هناك قيمٌ في الحياة تُمنح مجاناً، كالحب والثقة وحرية الضمير، لا تشرى ولا تباع، وإذا فقدت مجّانيتها وتحوّلت سلعة للبيع، أصبح الحب دعارة وكذلك الثقة والضمير.
وكان الرئيس عون استقبل قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، وزير السياحة اواديس كيدانيان الذي أطلعه على فوز الجناح اللبناني في معرض سوق السفر العربي الملتقى 2018 المقام في دبي، بجائزة أفضل جناح من أصل 65 جناحاً انتشرت في المعرض الذي شاركت فيه 2500 جهة عارضة من اكثر من 150 دولة.
وعرض الوزير كيدانيان للرئيس عون التحضيرات الجارية لمؤتمر visit Lebanon 2018 الذي سينعقد في لبنان في 10 ايار المقبل، بحضور ممثلين عن 150 شركة سياحية عالمية، ولفت «الى ان هذا المؤتمر سيكون فرصة للتلاقي بين اهم الشركات التي تُعنى بتنظيم الرحلات السياحية في دول العالم».
وهنأ عون كيدانيان على الإنجاز الذي حققته الوزارة في معرض دبي، مؤكداً «أهمية الحركة السياحية في الموسم المقبل، لإنعاش الاقتصاد اللبناني، لاسيما أن الاستقرار الذي ينعم به لبنان يساعد على تحقيق ذلك».
وأجرى رئيس الجمهورية مع النائب فريد الياس الخازن جولة أفق تناولت التطورات الراهنة.
ومن زوار قصر بعبدا ايضاً، النحات بطرس فرحات الذي قدّم للرئيس عون، نسخة من كتابه «حلم الحجر» بثلاث لغات، إضافة الى منحوتة على شكل قذيفة حفرت عليها الشارات العسكرية للضباط. وهنأ عون فرحات على عطاءاته الفنية، متمنياً له «دوام التوفيق والنجاح».