عيد العمل والإنتاج المرتجى
حنان سلامة
يطلّ عيد العمل فيما الأمّة مثقلة بالجراحات نتيجة تفاقم الأزمات، وازدياد التّحديات، خاصّة على صعيد الوضع الاقتصاديّ، الاجتماعيّ والمعيشيّ الّذي يثقل كاهل المنتجين فكرًا وغلالاً وصناعة، في وقت تستمرّ سياسات الاحتكار والرأسماليّة الّتي تعبث بحقوق الكادحين، وتتحكّم بقوت الفقراء الّذين تزداد أعدادهم بنسب غير مسبوقة!
وكأنّ أبناء شعبنا لا يكفيهم الاكتواء بنار الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وغياب السّياسات الواضحة بهذا الخصوص، حتّى تواجههم أحوال الأمّة على الصّعيد السّياسيّ، سواء في ما يخصّ الشّؤون الدّاخليّة للكيانات، أو على المستوى القوميّ الأشمل، إذ إنّ هناك ارتباطًا وثيقاً بين كلّ هذه القضايا والمشاكل، لأنّ الأساس الّذي يجب أن تُبنى عليه الحلول هو أساس سياسيّ وطنيّ وقوميّ، بعيد كلّ البعد عن أيّ تدخّل خارجيّ.
هذه التّحديّات تستهدف أمّتنا في وجودها وحضارتها وثرواتها، وتهدف إلى تقطيع أواصر العلاقات الاقتصاديّة الاجتماعيّة في كيانات الأمّة، والّتي يشكّل تكاملها السّياسيّ الاقتصاديّ – ضمن دورة اقتصاديّة واحدة – منصّة للوصول الى تحقيق السّيادة والعدل الاجتماعيّ والحقوقيّ، والازدهار الاقتصاديّ، والحياة الحرّة الكريمة بدلاً من أن تكون مجرّد كيانات متباعدة تستجدي الفتات من دولٍ تريد فرض شروطها وإملاءاتها لصالح مشروع الهيمنة على بلادنا وثرواتها.
إنّ الحزب السّوري القوميّ الاجتماعيّ، ومن ضمن نظرته الاقتصاديّة، الاجتماعيّة والحقوقيّة، يدعو إلى إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القوميّ على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل، وصيانة مصلحة الأمّة والدّولة، باعتبار أنّ تحقيق هذا المبدأ العام يؤسّس لعدالة اجتماعيّة حقيقيّة فتنظيم الاقتصاد القوميّ على أساس الإنتاج هو الطّريقة الوحيدة لإيجاد التّوازن الصّحيح لتوزيع الثّروة.
إنّ الاقتصاد يعني الازدهار، وتوفير إمكانيّات التّقدم، ورفع مستوى المصالح المادّيّة والفنّيّة والنّفسيّة للشّعب الواحد. فبهذه الرّوحيّة وهذه القناعات نسعى إلى تحقيق نظام اقتصاديّ اجتماعيّ عادل، منتج ومتكامل بين كيانات الأمّة، لأنّ التّكامل الاقتصاديّ المدعّم بالحقّ والخير والمساواة ينتج انصهارًا اجتماعيًّا تسوده روح التّعاون والإلفة ووحدة المصالح الماديّة، الرّوحيّة والنّفسيّة.
بمناسبة عيد العمل لا بدّ من تأكيد ضرورة الاهتمام اللازم والجدّيّ بالقضايا والمطالب كافّة، من خلال تحمّل الحكومة المقبلة – إضافة الى مسؤوليّاتها الوطنيّة والسّياسيّة – مسؤوليّة تجاه القضايا الاجتماعيّة والمعيشيّة والإنمائيّة.
لقد توجّه سعادة الى المنتجين علمًا وفكرًا وغلالاً وصناعة، لأنّ هذه العوامل الأساسيّة هي الّتي تشكّل دورة الحياة المجتمعيّة، ولأنّها روعة العطاء الّذي تبذله النّفوس والعقول لتشيّد للأمّة حصون الكرامة وفرح الانتصار.
الأوّل من أيّار عيد العمل والدّأب والجهد. هو موعد فرح للعمّال والمنتجين إذ ينعمون فيه ببهجة ما تحقّق من إنتاج. اليوم لا بدّ من تسليط الضّوء على قضيّة المحرومين من حقّهم في العمل والوظيفة، والتّفكير بحلول لتخفيف نسبة البطالة الحاصلة والمتفشيّة في كلّ القطاعات الإنتاجيّة وفي المصالح والمؤسّسات. إنّ حقّنا في العمل والانتاج يزيد من قدرتنا على الانتفاع بكلّ ما تكتنزه أرضنا من معادن وموادّ أوّليّة وما تفيض به من نبات ومزروعات. إنّ التّشبّث بالسّيادة على الأرض ومواردها لا يمكن أن يتحقّق إلا بالوعي القوميّ لتحقيق الوحدة القوميّة والاجتماعيّة، ونبذ كلّ الصّراعات الّتي تبقيه متقوقعًا في تمذهبه وتطيّفه، ومتمحورًا في أنانيّته.
لقد طرح رئيس الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ عام 2012 قيام مشروع «مجلس التّعاون المشرقيّ» وهو باكورة خطّة قوميّة شاملة نوعيّة تكفل تفاصيله خطّة شاملة لتوزيع قطاعات الإنتاج، وزيادة فرص العمل، وزيادة حجم السّوق، وفتح آفاق للتّجارة الدّاخلية والخارجيّة، كما نزع الحدود التّجاريّة بين الكيانات السّوريّة الطّبيعيّة وتكاملها في الاقتصاد لتكون مقدّمة لقيام جبهة سياسيّة تتعامل مع قضايا مصيريّة وجوديّة تتعلّق بمكافحة الإرهاب وتحرير الأجزاء السّليبة من البلاد وحفظ السّيادة الدّاخليّة، وبذلك يكون الرّابح الأوّل هو الشّعب والطّبقة المنتجة العاملة فكرًا وعملاً وغلالاً.
أيضًا، لا يسعنا إلا أن نشير إلى أمرٍ أساسيّ وهو آفة الفساد الّتي تحدّ من إبداع عمّالنا وتفانيهم، وغياب مجالس الرّقابة والمحاسبة الرّسميّة، وهدر الطّاقات والموارد البشريّة والمادّيّة، واستنزافها وتهجيرها، وبذلك يخسر اقتصادنا الوطنيّ طاقة فاعلة ومنتجة قادرة – لو بقيت على أرض البلاد – على أن تُحدث ثورة إنتاجيّة ونهضة شاملة لو تكاملت سياسات الدّولة التّشريعيّة والسّياسيّة المستثمرة في العامل ورأس المال على حدّ سواء.
إنّ الدّولة تاجر فاشل إذا تركت قطاعاتها سائبة، دون توجيهٍ وحمايةٍ وتشريع. كما أنّ عوامل التّجزئة إذا بقيت سائدة فستؤدّي بنا إلى مزيدٍ من التّهلكة، وإلى تعايشٍ دائمٍ مع البطالة الّتي تستنزف طاقة الحياة فينا. وهذا ما يريده ويعمل على ترسيخه واستمراره الإقطاعيّ والرّأسماليّ المتعاون مع نظام العولمة الّذي يقوم على الاستئثار بخيرات الشّعوب، ساحقًا سيادتها وتطلّعاتها، قاهرًا إرادتها وقوميّتها، قابضًا على مصيرها بالتّرهيب تارّةً وبالتّرغيب طورًا، وفتكًا بأسلحة الدّمار أحيانًا. أيضًا إنّ تدخّل الدّولة في تركيب الاتّحادات العمّاليّة لتكون معبّرة عن رأس المال والسّلطة والحزب والطّائفة والمذهب، ضاربةً بذلك العامل وحقوقه وتطلّعاته لتحسين فرص زيادة حضوره في السّاحة العمّاليّة لتحقيق طموحاته بالعيش الرّغيد والحياة الكريمة.
إنّ الاستعمار الّذي يتظلّل بنظام العولمة، يعمل بأساليب خبيثة لشلّ إرادة الحياة فينا، وإرادة الإنتاج والوحدة الّتي تقوم على أساس الوعي القوميّ، كما يعمل على إضعاف إرادة الانتصار والمقاومة والصّمود لدحر المحتلّ في معركة البقاء، والقضاء على المرض السّرطانيّ المستشري في جسم الأمّة وانتزاعه من خلاياها.
إنّ حقّ العمل والتّوظيف والاستقرار الاجتماعيّ، الّذي نفرح بامتلاكه، لا يستوي بين أيدينا إلا بالنّضال القوميّ الاجتماعيّ، الّذي يمنحنا سكينة الرّوح ووحدة النّهج في أمّة تعاني من نكبات وويلات الانقسام والتّفتّت والتّجزئة الكيانيّة والرّوحيّة. إنّ حقّنا في العمل يستوجب تكافؤًا ومساواة في الفرص، وعدالة في توفير الحقّ. فأين نحن من هذا التّكافؤ والمساواة والعدالة في النّظام الطّائفي الّذي ينخر كسوسة في الرّوح والجسد، فيجعل كلّ منّا أسير طائفته حتّى لا يُحرم من الحقوق الموزّعة طائفيّاً؟ فالاستسلام للنّظام الّذي يسلب حقّنا في المساواة والعدالة هو إقرار بعدم القدرة على المجابهة، وعدم التّمسك بحقّنا في الصّراع الّذي هو حقّنا في الحياة.
في عيد العمل دعوة للمزيد من النّضال لتحقيق المطالب المشروعة، لرفع الغبن اللاحق بالعمّال والمنتجين، ولدحر الاحتكار والفساد والاستغلال، وتصحيح السّياسات الضّريبيّة الّتي تنال دومًا من الفقراء وذوي الدّخل المحدود، وتستثني أصحاب الثّروات ورأس المال المتوحّش. ينبغي على المسؤولين السّعي الحثيث من أجل تعزيز الأمن الاجتماعيّ، عبر إنصاف العمّال والمنتجين في شتّى مجالات العمل وإقرار الضّمان الصّحيّ وضمان الشّيخوخة، ورفع الحدّ الأدنى للأجور، وإقرار قانون الإيجارات. وهذا يتطلّب حالة وطنيّة وقوميّة لإيجاد الحلول الّتي ترفع عن المواطن كاهل العوز والفقر والحاجة.
في عيد العمل، ورغم طغيان الهموم المصيريّة، يجب العمل على صون وحدة العمّال والمنتجين وصمودهم، ليكونوا أكثر استعدادًا للمواجهة، ولردّ المتآمرين وأدواتهم على أعقابهم خائبين خاسرين، لأنّ في أمّتنا وبين أبناء شعبنا إرادة لا تلين وعزيمة لا تستكين حتّى تحقيق كلّ أهدافنا النّبيلة السّامية بالحرّيّة والحياة الكريمة.
وعيد ُ العمل ِ حين يطوّقنا كعمر الشّباب
تُزهِرُ في الأجساد ِ شُعلةٌ
والفكرُ عودُ الثِّقاب ِ..
على الأبوابِ تنتظرهُ اليدُ المُتعبةُ
وبين مسافاتِ أصابعها
تفوحُ رائحةُ التُّرابِ…
يا عيدَ العملِ الآتي في كلِّ عام ٍ
قد ملّ الجبينُ من شمسِ الاغترابِ…
أقدم إلينا نهضةً تنتشلُ الأرضَ
كي نحصدَ مواسمَ الخيرِ
على أوراق ِ الكتابِ