كوريا الشمالية قد تصبح ليبيا… هكذا تدمّر أميركا الدول لنزع سلاحها النوويّ
عندما ينظر جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، إلى كوريا الشمالية، فإنه يرى ليبيا. إنه يعترف بأنها ليست مقارنة مثالية، لكن إذا كان هناك نموذج لكيفية التخلّص السلميّ من البرنامج النووي لدولة ديكتاتورية معادية، فهو يشير إلى نزع سلاح ليبيا قبل نحو 15 سنة.
من السهل فهم السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تنظر إلى تجربة ليبيا باعتبارها تجربةً ناجحةً. تخلّى أحد الطغاة الذين لا يرحمون، ولهم تاريخ في رعاية الإرهاب عن جهوده لبناء سلاح كارثي. لكن ذلك المستبد، العقيد معمّر القذافي، قد لا يعتبر ما حدث صفقة جيدة اليوم. لا أحد يعرف على وجه اليقين بالتأكيد لأنه مات. وهذا هو السبب في أن كوريا الشمالية قد لا تجد مثل هذا النموذج أيضاً.
تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قال إن وجهات النظر المتباينة حول ليبيا ربما تكون مفيدة في فهم كيف ينظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبولتون، إلى المحادثات القادمة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون. كما يؤكد هذا الانقسام التحدّيات التي يواجهها ترامب وبولتون: في الوقت الذي يحاولان فيه تكرار ما حدث مع البرنامج النووي الليبي، كما يقول المحلّلون، فإنهم قد يواجهون انعدام الثقة بسبب التحوّل غير المتوقع للأحداث التي أدّت إلى إطاحة العقيد القذافي.
بولتون، الذي خدم في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، ينظر إلى ليبيا من خلال تجربة تلك الأيام الطويلة في عامي 2003 و2004 عندما وافق العقيد القذافي على نقل معداته النووية إلى منشأة في تينيسي. قد يتذكر كيم ما حدث لاحقاً، عندما شنّ الرئيس باراك أوباما وحلفاء أوروبيون هجمةً عسكريةً ضدّ ليبيا في عام 2011 لمنع حدوث مذبحة ضدّ المدنيين، في إطار تمكين المعارضين ليس فقط من إطاحة العقيد القذافي بل أيضاً لتعقبه وقتله.
وتساءل تقرير الصحيفة الأميركية: هل كان العقيد القذافي ليتخلّى عن برنامج الأسلحة النووية إذا كان يعرف ما سيحدث لاحقاً؟ هل كانت الولايات المتحدة وأوروبا ليستخدموا القوة ضدّ دولة مسلحة نووياً؟ وجاءت الإجابة إنه كان من غير المحتمل أن يتخلى العقيد القذافي عن برنامج الأسلحة النووية إذا كان يعرف ما سيحدث لاحقاً.
وهنا تكمن الصعوبة مع كوريا الشمالية. قام كيم ووالده ببناء ترسانة نووية لغرض ضمان أمن دولتهم ضد هذا النوع من التدخل الذي حدث في ليبيا، وهذا هو السبب في أن كوريا الشمالية أصرت على أن تتعهّد الولايات المتحدة بعدم الغزو كجزء من أي صفقة.
ونقل التقرير عن أنتوني بلينكن، نائب وزير الخارجية في عهد أوباما، قوله: «لقد سمعت مباشرة من الصينيين أن النموذج الليبي لا يبعث على الثقة في بيونغ يانغ. سأكون قلقاً للغاية لأن الجمع بين ليبيا ثم قيام ترامب بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران يرسل رسالة خاطئة تماماً إلى كيم جونغ أون، ويقوض أي أمل قائم للمفاوضات».
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد قد أثار نموذج ليبيا في مقابلات صحافية أجراها مؤخراً، وهو أول ظهور تلفزيوني له منذ أن أصبح مستشاراً للأمن القومي أوائل هذا الشهر.
وقال: «نحن نضع في اعتبارنا كثيراً نموذج ليبيا من 2003 و2004. هناك اختلافات واضحة. كان البرنامج الليبي أصغر بكثير، لكن هذا كان في الأساس الاتفاق الذي قمنا به».
تجارب مماثلة
وقال إن المقارنة الأهم ستكون اختبار كوريا الشمالية لمعرفة ما إذا كانت قد قدمت بالفعل عزماً غير مؤكد للتخلي عن أسلحتها النووية. وقال بولتون سيكون ذلك دليلاً على القرار الاستراتيجي بالتخلي عن الأسلحة النووية. يجب ألا يكون قراراً مشابهاً لما حدث في ليبيا، لكن يجب أن يكون شيئاً ملموساً. ربما يكون لدى كيم جونغ أون بعض الأفكار، ويجب أن نعرف بها».
بحسب التقرير، لم تتخلّ سوى أربع دول عن السلاح النووي. أنهت جنوب أفريقيا برنامجها النووي السرّي في عام 1989، ودمرت نصف دزينة من القنابل. وتخلت أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان عن الأسلحة النووية التي كانت تتمركز في أراضيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، وأصبحت دولاً مستقلة.
بينما سعى آخرون مثل البرازيل وتايوان للحصول على أسلحة نووية، لكنهم تخلوا عن الجهود المبذولة لعدم صنع القنابل. لم يكن من المعروف أن إيران تمتلك أسلحة، لكن كان لديها برنامج نووي، وبدا أنها تهدف إلى تطويره عندما وقّعت اتفاقاً مع إدارة أوباما في عام 2015 للتخلي عن برنامجها، وهو الاتفاق نفسه الذي هدّد ترامب بتمزيقه بحلول 12 أيار.
وبالمثل، لم يكن لدى ليبيا أسلحة نووية، لكن كان لديها برنامج لتطويرها عندما غيرت مسارها في عام 2003. بدأ العقيد القذافي مفاوضات سرية مع إدارة بوش والبريطانيين لتفكيك برنامجه مقابل تخفيف العقوبات الدولية.
ويعكس القرار سنوات من الجهد لإنهاء عزلة البلد. لكن الاتفاق الأساس جاء بعد أيام فقط من العثور على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في حفرة في العراق بعد غزو أميركي كان مبرّراً بأنه محاولة لتخليص نظام خطر من أسلحة الدمار الشامل. أشار العقيد القذافي إلى أنه لا ينوي مواجهة المصير نفسه.
مقارنة غير مفيدة
وقال روبرت جوزف، مساعد الأمن القومي الذي توسط في الصفقة لصالح بوش بدعم من بولتون، مؤخراً: إن زميله السابق كان على حق في النظر إلى ليبيا.
وأضاف: «لكنك لا تقول إننا سنفعل كل شيء مثلما فعلنا مع ليبيا. ما تفعله هو استخلاص الدروس من هذه التجربة. إذا لم تفعل ذلك، فسينتهي بنا الحال في النهاية إلى المصير الذي واجهناه عدة مرات على مدار آخر 25 سنة، وهو الفشل».
وقال جوزف: إن من بين دروس ليبيا التي تنطبق على كوريا الشمالية الحاجة إلى قرار حقيقي من كيم بالتخلي تماماً عن برنامجه، وليس مجرد التحوط. أيضاً استخدام جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك الاستخبارات، والنفوذ الاقتصادي، والدبلوماسية، والتهديد باستخدام القوة. والإصرار على الوصول الكامل «في أي مكان وفي أي وقت» للمفتشين إلى جميع المواقع النووية المحتملة.
لكن التقرير أشار إلى أن المختصين الآخرين يجدون أن المواقف المختلفة إلى حدّ ما تجعل المقارنة غير مفيدة. وقال روبرت إينهورن، وهو مستشار خاص لمنع الانتشار والحدّ من التسلح في وزارة الخارجية الأميركية، وهو الآن باحث في معهد بروكينجز: «لم يكن لدى ليبيا برنامج أسلحة نووية تقريباً. كان بها صناديق تحتوي على أجزاء من أجهزة الطرد المركزي لم تكن تعرف ماذا تفعل بها. كان يمكن أن تهبط طائرات النقل الأميركية وتحمل البرنامج بالكامل».
على النقيض من ذلك، قال إينهورن: «كوريا الشمالية لديها أسلحة نووية. لا نعرف عددها. لديها مرافق الإنتاج النووي. لا نعرف أين هم جميعاً. إن التحقق مما لديهم وتفكيك كل ذلك سيستغرق سنوات».
لم تكن نهاية العقيد القذافي العنيفة مرتبطة مباشرة باتفاق 2003. بعد حوالى ثماني سنوات من اتفاقه مع بوش، واجه الرئيس الليبي انتفاضة شعبية كانت جزءاً من الربيع العربي 2011، وتعهد بسحق خصومه، بمن فيهم المدنيون مما دفع أوباما والحلفاء الأوروبيون للتدخل لمنعه.
ونفت إدارة أوباما في ذلك الوقت أيّ صلة بين التدخل ونزع السلاح النووي السابق. لكن جوزف قال إنه كان على أوباما أن يفكر أكثر في العواقب. وقال: «لقد اتخذوا القرار بالتدخل من دون خطة لليوم، أو أيّ شعور بما يمكن أن ترسله رسالة عدم الانتشار النووي».
لقد كانت كوريا الشمالية بصدد هذا من قبل. في عام 2011، نشرت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية تعليقات من قبل مسؤول في وزارة الخارجية وصفت الصفقة النووية السابقة مع ليبيا بأنها «تكتيك غزو لنزع سلاح البلاد»، وهي في الواقع عبارة عن طعم. وقال مسؤول الوزارة: إن «الأزمة الليبية تقوم بتعليم المجتمع الدولي درساً خطيراً».