«نيويورك تايمز»: التطوّر الأخير مخيف أيضاً.. ماذا يجري بين الكوريتين؟
عبد الرحمن النجار
يوم الجمعة الماضي، شهد العالم لقاء تاريخياً بين زعيمَي الكوريتين، والذي اتّسم بالدفء الشديد والتفاؤل والنبرة المتطلّعة إلى إنهاء النزاع في شبه الجزيرة الكورية.
تعليقاً على ذلك، تناول نيكولاس كريستوف بالتحليل في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز» تطوّرات الملف الكوري الشمالي، مع اقتراب انعقاد قمة تاريخية أخرى بين زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
يقول كريستوف: «إن بيونغ يانغ تعاني من نقص في المواد الغذائية، ولا يعرف شعبها الكثير عن التقدم التكنولوجي، وتطبق الحكومة حملة صارمة لترشيد استهلاك الكهرباء بسبب ضعف البنية التحتية، ولكن في المقابل، فإن كوريا الشمالية متفوقة في مجال الفنون المسرحية والرقص، ويتّسم مسؤولوها بالذكاء الشديد، والتعليم الجيد. والآن يشهد العالم بوادر سلام دائم في تلك البؤرة المضطربة».
يرى كريستوف أن زعيم كوريا الشمالية قد استغل الحدث بأفضل شكل إذ يسعى إلى التخلص من العقوبات، وبناء اقتصاد بلاده، ولكن مع الاحتفاظ بترسانته النووية. إن كوريا الشمالية بلد الغموض والتناقضات، وبما أنه يغطي شؤون البلاد منذ أربعة عقود تقريباً، فيعتقد كريستوف أن التطورات الأخيرة تجعلنا نتفاءل ونتشاءم في آن.
كان لتشديد العقوبات واللغة الصارمة من جانب إدارة ترامب أثر بالغ في تغيير موقف كوريا الشمالية فبينما كان الهدف هو إرهاب كيم جونغ أون دفعت تلك الخطوات كوريا الجنوبية إلى التحرّك وعرض مشاركة الكوريتين بفريق موحّد في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في سيوول ما مهّد الطريق لقمة الجمعة.
وبعد مبادرة كوريا الجنوبية ـ يشير كريستوف ـ وافق كيم على مقابلة ترامب، وقام بأول زيارة خارجية له إلى الصين. وفي قمة الجمعة أتى البيان المشترك كي يؤكد على «انتهاء الحرب في شبه الجزيرة» و«بداية عصر جديد من السلام» و«التعهد بنزع السلاح النووي بشكل كامل من المنطقة».
بيد أن كريستوف غير متفائل فالحديث عن السلام في شبه الجزيرة الكورية ليس جديداً. في 2000 و2007 وُقعت تعهدات مماثلة ولم تدُم. وفي 2012 وافقت بيونغ يانغ على وقف التجارب الصاروخية، لكنها ما لبثت أن أطلقت صاروخاً بعدها بأسابيع زاعمة أنه «قمر اصطناعي».
ويشدّد كريستوف على أن ما تقصده بيونغ يانغ عندما تتحدّث عن إخلاء شبه الجزيرة من السلاح النووي هو فضّ التحالف بين واشنطن وسيوول، وحينها ستتخلّى كوريا الشمالية عن السلاح النووي، لكن أميركا متمسّكة بتحالفها مع كوريا الجنوبية. وكافة الخبراء في شؤون الكوريتين يدركون يقيناً أن كوريا الشمالية لن تتخلّى عن برنامج تسلّح بدأته منتصف القرن الماضي.
يؤكد كريستوف أنه زار كوريا الشمالية في أواخر 2017، فقال له مسؤول في خارجية بيونغ يانغ: إن معمر القذافي ما كان ليسقط لولا تخليه عن برنامجه النووي، والأمر ذاته ينسحب على عراق صدام حسين، مشدداً على أن بلاده لن تقع في الفخ نفسه.
لا بل يعتقد كريستوف أن تلويح ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سيجعل كوريا الشمالية تتمسك أكثر بسلاحها النووي. ويبدو أن خطة كيم جونغ أون هي التعهد بالتخلص من السلاح النووي، وترك التفاصيل معلقة إلى وقت لاحق لإدراكه أن نزع السلاح النووي يعني إجراء عملية تفتيش لمنشآت بيونغ يانغ، وهو ما لن يسمح به قط. لكن كريستوف يؤكد أن هذا ليس سيئاً للغاية إذ سيمنح فرصة لكلا الطرفين بالابتعاد عن فكرة الحرب.
ولأن كلا الطرفين في حاجة ماسة إلى القمة الأميركية الكورية الشمالية المرتقبة يكشف كريستوف فمن المتوقع أن تطلق بيونغ يانغ سراح الأميركيين الثلاثة المحتجزين لديها كبادرة على حسن النوايا. وسيقدم ترامب وكيم نفسيهما على أنهما صانعا سلام، وسيوقعان على بيان يدعو لإخلاء شبه الجزيرة من السلاح النووي، وسيطالب المؤيدون لترامب بمنحه جائزة نوبل للسلام.
لكن كريستوف يقول: «إن على ترامب إثارة قضايا حقوق الإنسان في كوريا الشمالية إذ أكدت الأمم المتحدة أن معسكرات العمال في كوريا الشمالية التي تقام لمن يُطلق عليهم أعداء الدولة تشهد جرائم ضد الإنسانية، وتُمنع منظمات حقوق الإنسان من دخولها».
ينقل التقرير عن نافي بيلاي مفوض سامٍ سابق لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ـ قوله: إن «أكثر من 100 ألف شخص تُركوا للموت في سجون كوريا الشمالية السياسية ففي تلك المنشآت تُجبر النساء على الإجهاض، ويُقتل الأطفال، ويُضطهد المسيحيون، ويُعذَّب الأشخاص ويُعدمون بانتظام. وعلى ترامب الضغط للسماح للمنظمات الإغاثية الدولية بالدخول إلى تلك الأماكن ومعاينة أوضاع المحتجزين».
يتنبأ كريستوف بأن توقف بيونغ يانغ التجارب الصاروخية، وتكفّ عن تخصيب البلوتونيوم. وفي المقابل ستُخفّف حدّة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية ليحصل كيم على ما تمنّاه دوماً: الشرعية الدولية، مثل زعيم أيّ دولة، لكنه يحكم دولة تملك سلاحاً نووياً.
إن هذا السيناريو سيحقّق مكاسب لكافة الأطراف ـ يكشف كريستوف ـ مع أن البعض قد يجادلون بأن كوريا الشمالية يستحيل أن تتخلّى عن سلاحها النووي، وأنها تمارس الألاعيب فقط ـ وهذا صحيح من وجهة نظر كريستوف ـ لكن هذا أفضل من اندلاع حرب.
ما الذي يخبّئه المستقبل إذاً؟ يتساءل كريستوف. يعوّل الغرب على فكرة انهيار نظام كوريا الشمالية مع الوقت. لكنها الفكرة نفسها التي شهدناها عام 1994 في محادثات سابقة، التي يقول إنه اختار أن يدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في اليابان حتى يغطي ما اعتقد أنه انهيار لنظام بيونغ يانغ، لكن النظام ظل قائماً، وانتقل الحكم من الأب إلى ابنه.
يختم كريستوف بالقول إن السيناريو القائم إما سيعطي شرعية لبرنامج بيونغ يانغ النووي، أو سيقود إلى حلّ «وقف البرنامج النووي مقابل تعليق العقوبات» الذي تفضله كوريا الشمالية والصين وترفضه أميركا، ولعل كل شيء قد يذهب أدراج الرياح، ولكن بات لدينا الآن سبيل غير الحرب، ومن أجل هذا علينا أن نتفاءل.
«ساسة بوست»