هل تحقَّق لترامب وقف سباق التسلّح؟

مهران نزار غطروف

«علاقتنا مع روسيا هي اليوم في أسوأ مراحلها، وهذا يتضمّن الحرب الباردة. لا سبب لذلك. روسيا بحاجة لمساعدتنا في اقتصادها، وهو أمر يسهل القيام به. ونحن نحتاج كلّ الأمم للقيام بذلك. أوقفوا سباق التسلح»!

كانت هذه إحدى التغريدات الشهيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 11 ابريل/ نيسان الحالي، قبل العدوان الثلاثي على سورية بثلاثة أيام.

ما دفعنا للوقوف عند هذه التغريدة من بين كلّ التي سبقها أو لحق بها، حتماً هو ليس العلاقة الأميركية الروسية، التي وصفها ترامب بأنها اليوم في أسوأ مراحلها، وليست «الحرب الباردة» التي بلغت حرارتها ما دون درجة الغليان بدرجة، وأيضاً ليس حاجة روسيا «للمساعدة الأميركية في اقتصادها»، على حدّ زعمه، أبداً..!

«أوقفوا سباق التسليح..! Stop the arms race» هذا ما يجب الوقوف عنده، وقراءة الغاية من دعوة كهذه، أطلقها ترامب الرئيس الأميركي لروسيا العائدة إلى مكانتها العالمية بمظلة نووية استراتيجية لا تُضاهى، حسبما أعلن رئيسها فلاديمير بوتين في خطابه مارس/ آذار الفائت.

– فهل أدّى هذا العدوان عملانياً إلى وقف سباق التسلح؟

إنّ استعراضاً بسيطاً للنتائج التي تلت نية شن العدوان، وأعقبت تنفيذه، يخلص بنا إلى الآتي:

جراء إعلان أطراف العدوان نيتهم شنّ ضربة عسكرية على سورية، رتب ذلك قيام روسيا الاتحادية الحليف الاستراتيجي للدولة السورية، بزيادة قدرتها ووجودها العسكري في شرق المتوسط بشكل شبه مضاعف، حيث أعلنت البحرية الروسية في الحادي عشر من الشهر الحالي عن بدء مناورات بحرية قبالة الساحل السوري، وعلى المستوى الجويّ نفّذت القوات الجوية الروسية قبل بدء الهجوم عمليات مراقبة للساحل السوري، نفّذها تشكيل من قاذفات سوخوي 34 ومقاتلات سوخوي 30، وقد لوحظ تسلّح هذه الطائرات بتسليح كامل، كما طلب سلاح الجو الروسي من إيران استخدام قاعدة همدان الجوية للتمركز الموقت لقاذفاتها البعيدة المدى وطائرات التزوّد بالوقود عند الحاجة.

تمّ العدوان، واستهدفت الضربة العسكرية قواعد جوية عدة، بالإضافة إلى مناطق في العاصمة وريفها وغربي مدينة حمص، حيث بلغ مجموع ما تمّ إطلاقه من صواريخ خلال هذا الهجوم الذي استمرّ لمدة 50 دقيقة ما يزيد عن 100 صاروخ، تمّ إطلاقها على 3 دفعات، كان لصواريخ التوماهوك فيها النصيب الأكبر بنحو 65 صاروخاً.

تمكنت وسائط الدفاع الجوي السورية بكامل أنواع منظوماتها، وفي مقدّمتها منظومتا بانتسير القصيرة المدى وبوك أم متوسط المدى، من إسقاط 71 صاروخاً، ما يعني فشل العدوان في تحقيق الأهداف التي قام لأجلها.

– ولكن، ماذا بعد العدوان؟

الردّ الأول يوم العدوان من قبل الجانب الروسي أتى دبلوماسياً على لسان سفيرهم لدى واشنطن أناتولي أنطونوف بقوله: «حذرنا من أنّ مثل هذه الإجراءات لن تمرّ دون عواقب، والمسؤولية عنها كلها تقع على عاتق واشنطن ولندن وباريس».

سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قال لقناة «BBC»، في 16 أبريل/ نيسان عقب الضربة العسكرية: «ستكون هناك عواقب بالتأكيد للضربة الثلاثية، وفي الواقع، نحن نفقد آخر بقايا الثقة بأصدقائنا الغربيين».

أما وزارة الدفاع الروسية فقد أشارت في اليوم نفسه الذي تمّ فيه العدوان، إلى أن موسكو ستُعيد إلى الواجهة إمكانية تسليم سورية لصواريخ «S-300» بعد الضربة.

أعقب ذلك، وفي وقت لاحق من الشهر الحالي بتاريخ 25 ابريل/ نيسان الحالي، إعلان وزارة الدفاع الروسية أنّ موسكو ستسلم سورية قريباً منظومات دفاع جوية متطوّرة، من دون أن تحدّد طبيعتها، حيث قال رئيس إدارة العمليات في قيادة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي في مؤتمر صحافي له: «إنّ الخبراء العسكريين الروس سوف يستمرّون في تدريب زملائهم السوريين في ما يتعلّق باستخدام الأسلحة الجديدة».

ثم تعدّدت بعد ذلك التقارير الصحافية والأخبار، التي ترجّح وصول منظومة صواريخ «S-300» وتسلمها من الجيش السوري، ولكن حتى الآن لا شيء معلناً من أصحاب العلاقة في كلا الجانبين الروسي والسوري، حول حقيقة هذا الأمر.

بناء عليه، فإنّ كلّ ما سبق يدفعنا لطرح حزمة من الأسئلة، هي:

– هل تحقق لأميركا ممثلة برئيسها ترامب ما دعا روسيا لأجله، في تغريدته تلك؟

– وهل من دعا لاعتماد استراتيجية عقيدة نووية جديدة للولايات المتحدة الأميركية، وفسّرها في أعقاب توقيعه مرسوم السياسة الدفاعية للعام الحالي – والبالغة قيمتها حوالي 700 مليار دولار – بقوله: «اليوم بتوقيع الميزانية الدفاعية نحن نسرّع عملية استعادة القوة العسكرية للولايات المتحدة بالكامل». هو حقاً جادّ بدعوته لوقف هذا السباق؟

– وهل من ظهر في 20 مارس/ آذار الماضي، لدى استقباله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كمندوب مبيعات، وبيده لوحات كرتونية تعرض تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين الجانبين، والتي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات، هو اليوم يرغب بوقف التسلح؟

إنّ حزمة الأسئلة السابقة والهامة بعد كلّ هذا العرض لما سبق العدوان وما تلاه من نتائج، تجيبنا عن جوهر سؤالنا الرئيس والذي مفاده: هل أدّى هذا العدوان عملانياً إلى وقف سباق التسلح؟

فالجواب حتماً لا، لم ولن يؤدي إلى ذلك، ولن يكون يوماً هناك وقف لسباق التسلح في هذا العالم، ما دامت هناك قوى كبرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا، تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والشرائع الدولية، وتنتهك سيادة دول مؤسسة في الأمم المتحدة، مستخدمة حججاً واهية غير قادرة على إثبات صحتها، ولا بأيّ شكل من الأشكال.

نعم قد يكون ترامب تاجراً، ويتعامل مع كلّ شيء حوله بمبدأ تجاري بحت قائم على الربح والخسارة، ولكن مَن يطلق هذه التغريدات حتماً يعلم جيداً جدوى وفعالية إطلاقها.

فترامب هو رئيس مرحلة في أميركا، مرحلة مطلوب فيها وجود رجل بعقلية مالية كهذه، وبعيون ترى العالم عبارة عن صفقات على هيئة الدولار الأميركي، ليس إلا، ولكن هل ستترك له ولحلفائه الفرصة في النجاح روسيا وحلفاؤها…!

الواضح حتى الآن يبدو لا، لن تترك لهم أية فرصة، فلا شيء يعود للوراء، وروسيا الاتحادية وحلفاؤها اليوم غير الأمس، ولكن..! يبقى كلّ شيء رهنَ التطوّرات في مقبل الأيام…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى