صوت «الحدودَيْن»… كلنا «حزب الله»
روزانا رمّال
قبل أن تتوضّح الصورة التي تكشف نتيجة الانتخابات مساء أمس، وقبل صدور النتائج النهائية من وزارة الداخلية والبلديات التي أشرفت على الانتخابات على الأراضي اللبنانية كافة، وقبل تحليل شكل المجلس النيابي اللبناني كانت مراكز الأمن والبحوث الإسرائيلية تترقب نتائج الانتخابات اللبنانية على الحدود من الجهتين المتقابلتين «الجنوب والبقاع»، أي حدود لبنان مع فلسطين المحتلة وحدود لبنان مع سورية. وعلى ما يبدو كان حزب الله وماكيناته الانتخابية الأسرع في كشف الأرقام منذ ساعات المساء الأولى التي أكدت تفوق مبهر بحسب المسؤول الإعلامي للحزب في منطقة بعلبك الهرمل.
كل النشاط الذي تمثّل به حزب الله وإدارة معركته الانتخابية بدقة، وكل الجهود التي وضعتها فرقه على كافة الارض اللبنانية كانت موضع اهتمام إسرائيلي. فصحف إسرائيلية مثل يديعوت احرونوت كانت تسترسل منذ أكثر من شهر بتأكيد معلومات تشي باستحالة خرق لوائح حزب الله مع العلم أن جهوداً بذلت من اجل هذا، الا ان معطيات الصحيفة التي انضمت اليها لاحقاً صحف أميركية مثل نيويورك تايمز وضعت الانتخابات في بعلبك الهرمل في اولوية المتابعة، متقدمة بذلك على الصحف الإسرائيلية التي تابعت الملف من منظار عام ما يشي بأهمية خصوصية لمعركة الحدود مع سورية عند الأميركيين في الوقت الذي تتقدم فيه مقترحات وتتنافس بين البنتاغون والبيت الابيض بين البقاء في سورية كقوات مكبّلة بحضور الروس أو الانسحاب بتفاوض واضح المعالم وبمعادلة ترعى المحاذير الأميركية وكلها احتمالات أحلاها مرّ من المنظار الإسرائيلي.
الانتخابات النيابية في بعلبك – الهرمل كشفت عن تقدّم هائل للوائح حزب الله وعن تأييد شعبي غير مسبوق لهذا الحزب الذي كان من المفترض أن تتهاوى شعبيته في تلك المنطقة على ما مورس عليه من ضغوط في السنوات الماضية، خصوصاً لجهة تعريضها للخطر والقصف الصاروخي من الجماعات المسلحة وكشفها على الحرب السورية ونقل ذيول الإرهاب، إضافة الى ذبح عسكريين لبنانيين لانتماءات طائفية أي بكلام آخر فتح بعلبك الهرمل على فرضية كارثية تتضمن كشفها أمنياً أمام الإرهاب والقوى المسلحة التكفيرية كعقوبة لأهلها الذي يؤيدون خيار حزب الله. أما تفصيلاً فكان ينتظر ان تنخفض شعبية حزب الله على اعتبار أن التململ صار سيد المشهد الذي يحيط بالعائلات التي قدّمت أبناءها للقتال مع حزب الله في سورية وفي العراق واليمن بحروب طال أمدها لا علاقة لأبنائهم بها ليتبين أن صلب الإشكالية يقع عند منهجية السلوك السياسي لأهالي المنطقة. وبعد 7 سنوات من الأزمة السورية وأزمات المنطقة، خاض حزب الله معركة انتخابية مهمة للبناء على ذلك أكثر مما هو حواصل انتخابية بل مرحلة مقبلة تكشف رغبة شعبية باستكمال هذا الخيار الذي يؤيد دمج الملفات الكبرى بعضها ببعض أو ما يُعرف بسياسة المحاور.
عملياً، المشروع الإسرائيلي – السعودي في منطقة بعلبك – الهرمل كان يقتضي سحب البساط من تحت أرجل عناصر حزب الله في عقر الدار، عبر إثارة أول اهتزاز بخرق مقاعد شيعية كشفت النتائج استحالتها. وهي مقدّمة للتقدم أكثر باتجاه تمكين الحدود شعبياً مع خصوم حزب الله الذين تكتّلوا ضده واستقدموا دعماً مالياً خليجياً لم يكن خفياً، باعتبار أن دعم المملكة لبعض معارك تيار المستقبل المرتبطة بالحسابات الإقليمية والمؤثرة فيها، وليس «كلها»، كما كان ثقلها ابان انتخابات 2005 و2009 هو بديهياً يقع ضمن آلية الضغط على إيران في مناطق عسكرية حليفة.
الولايات المتحدة الأميركية ومعها «إسرائيل»، استوضحتا أمس مؤشرات الواقع الأمني الحدودي والسياسي في كل من الجنوب اللبناني، وهو الحدود الأولى التي اسست للوصول الى سيطرة أمنية وسياسية واضحة لحزب الله على الحدود الشرقية وعمق البقاع اللبناني وحدوده مع سورية، والجنوب اللبناني الذي صار معضلة اساسية عند الإسرائيليين لجهة استعادته وهو المحال عسكرياً كان من المفترض عدم تكرار التجربة عبر احتلال من نوع آخر أو محاولات تكفّل بها التكفير عبر خرقه الأمن والامان في الجرود اللبنانية بين بعلبك وعرسال وبلدة القاع «المسيحية». فصار تمركز حزب الله وتشريع سلاحه بعناوين أخرى مبرراً آخر ليبسط الحزب نفوذه في تلك المنطقة.
استنفار إسرائيلي تعيشه المؤسسات الأمنية التي بات عليها التعامل مع الواقع الجديد بشكل أكثر حساسية. فـ»الحدودان» اللتان صارتا من عداد مكاسب او مغانم حزب الله، الجنوب والبقاع أو السلسلة الشرقية تضع امام «إسرائيل» مخاطر بقاء حزب الله في سورية مجدداً من جهة الجولان أو الجنوب السوري وربما تصبح معادلة التوصل لاتفاق أصعب من دون المرور بمعركة عسكرية تفضي الى إيجاد حل لوجود حزب الله في تلك المنطقة. تكشف المصادر أنها ستكون بمخارج أممية كاحتمال أقدر على حسمها.
حسم حزب الله معارك الحدود «الجنوب البقاع الشرق» التي صوّتت له وصار التقدم السياسي ممهوراً بالخيارات الشعبية التي تحصّن خياراته العسكرية أكثر في الوقت الذي يكشف عن اعتبار هذه القاعدة لخيارات حزب الله استراتيجية دفاعية فعالة لا تحتاج للنقض لتبقى العين الإسرائيلية بين الامس واليوم والأيام المقبلة أكثر قلقاً. فنتائج من هذا النوع كارثية على «إسرائيل» التي عوّلت كثيراً على بيئة شيعية متململة، بحسب معلومات غير مباشرة نقلت اليها عن حلفاء لبنانيين عبر اصدقاء عرب تبين عدم صحتها أو تأثيرها لبناء خطة امنية إسرائيلية فعالة تأسيساً عليها.