قراءة في تحالفات الانتخابات التركية واحتمالاتها
د.هدى رزق
من المرجّح أن تشكل الانتخابات المبكرة التي ستجري في 24 حزيران المقبل منعطفاً حاسماً لتركيا، ليس فقط في ما يتعلق بالنظام الإداري للبلد، ولكن أيضاً في السياسات الداخلية والخارجية، حقبة سياسية جديدة سوف تفتح في 25 حزيران والتي ستشكل بداية للتنفيذ الكامل للتعديلات الدستورية الكبيرة التي تمّت الموافقة عليها في استفتاء العام الماضي، في نيسان 2017 حيث سيتحوّل النظام من برلماني إلى نظام رئاسي تنفيذي. وسيتولّى الرئيس المنتخب تشكيل حكومته وتعيين نواب للرئيس، وسيكون قادراً على حكم البلاد من خلال المراسيم في نموذج لا يحتاج إلى تمحيص دقيق من البرلمان.
لهذا السبب يرى مسؤولو حزب العدالة والتنمية أن 25 حزيران سيشهد بدء عهد جديد في تركيا، ويؤمنون أن الرئيس رجب طيب أردوغان سوف يفوز بالرئاسة في الجولة الأولى من الانتخابات. وإذا لم تتمّ إعادة انتخاب أردوغان، أو أن يتمكن تحالفه لن يفوز بأغلبية برلمانية، فإنّ كتلة الأغلبية يمكن أن تتخذ خطوات فورية مثل رفع حالة الطوارئ. كما يمكن أن يبدأ العمل على تغيير النظام إلى نموذج برلماني أو ربما شبه رئاسي، حيث لا تكون السلطة التنفيذية كلها بيد الرئيس وحده.
كتلة المعارضة تُعرب أيضاً عن إيمانها القوي بأنها ستنتصر، ويشمل ذلك، بطبيعة الحال، مناشدة حوالي 3 ملايين ناخب مؤهل في الخارج. لكن ليس معلوماً إن كان الحزب الحاكم يخطط لتنظيم مظاهرات أو اجتماعات في البلدان الأوروبية. ففي السنة الماضية صوّت أكثر من 1.4 مليون من الأتراك الذين يعيشون في الخارج، حيث قام 59.1 في المئة منهم بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية في نسبة أعلى من تلك من الناخبين المحليين بحوالي 8 نقاط. ولأجل الفوز بمنصب الرئيس سيكون الرئيس بحاجة على الأقل إلى 50 في المئة زائداً واحداً من الأصوات، لذلك هناك حاجة لإعطاء اهتمام خاص للخارج بالتصويت. وهذا ما سيدفع بجميع المرشحين إلى التفكير بالحملات خارج تركيا فهل يخطط حزب العدالة والتنمية لحملات في بلدان مثل ألمانيا وهولندا والنمسا وبلجيكا وفرنسا والدنمارك، حيث تعيش جماعات تركية كبيرة. ولا تزال العلاقات بين تركيا وهولندا سيئة، حيث رفضت الأخيرة تقديم اعتذار رسمي لحكومة أنقرة بشأن استخدام القوة ضد الأشخاص الذين تجمّعوا للقاء وزير تركي زائر وللاستقبال غير الدبلوماسي الممنوح للوزير التركي.
ومن غير المرجّح أن تستجيب ألمانيا لدعوات أردوغان إلى زيارة رئاسية لبرلين قبل انتخابات 24 حزيران، بينما من غير المحتمل أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرحباً جداً بنظيره التركي في ظل هذه الظروف. كذلك سارع المستشار النمساوي سيباستيان كورتز بالإعلان عن أن حكومته ستمنع السياسيين الأتراك من شنّ حملات على الأراضي النمساوية قبل الانتخابات.
في ظلّ هذه الأجواء أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي عن ترشيحه عضو البرلمان محارم إينس كمنافس رئاسي لرجب طيب أردوغان، في حين أن السياسية المخضرمة ميرال أكشنر أعلنت ترشيحها وهي مرشحة حزب إيي الجيد . اما حزب الشعوب الديمقراطي المتنوع الانتماءات والمؤيد للأكراد فإن رئيسه السابق المسجون صلاح الدين ديميرتاش سيكون مرشحه الرئاسي، تماماً مثلما فعل في عام 2014، وسيرشح زعيم حزب «المحافظ» تيمل كارامول أوغلو للرئاسة، وهو من صفوف الحزب.
وبسبب الرفض القوي لحزب «الجيد القومي» الذي يعتبر انشقاقاً عن الحركة القومية بقيادة بهشلي، استبعد تحالف المعارضة مع حزب الشعوب الديمقراطي ما دفع الحزب المؤيد للأكراد للترشّح بشكل فردي في الانتخابات البرلمانية. على الرغم من أنّ كبار مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردي على ثقة بأنّ الحزب سيعبر عتبة الانتخابات الوطنية وأنّ ديميرتاش سيحتلّ المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وهو حقق نتيجة تاريخية بلغت 13 في الانتخابات البرلمانية في حزيران 2015.. ومع ذلك، يتمّ سجنه وليس هناك أيّ فرصة لتبرئته من جميع التهم في أيّ وقت قريب. والأكثر من ذلك، يحتاج ترشيحه أيضاً إلى موافقة مجلس الانتخابات الأعلى.
لكنْ لم يعُد لدى الحزب الحافز الذي كان عليه قبل انتخابات عام 2015 بسبب حقيقة أنّ المشهد السياسي قد قلّص باضطراد مساحته السياسية على مدار العامين الماضيين، سجّل قادة الحزب وما يقارب اثني عشر من نوابه في السجن. وقد فقد حوالى عشرة منهم مقاعدهم في البرلمان، وتمّ فصل العديد من رؤساء البلديات المحليين من مناصبهم.
كما أنّ استمرار الهجمات من جانب حزب العمال الكردستاني المحظور، والكفاح المستمرّ ضدّ «وحدات حماية الشعب» الكردي السوري والدعم الشعبي التركي الواسع لهذه العملية، قد زاد من تهميش الحزب في نظر الرأي العام. من الجدير بالملاحظة أيضاً أنّ حزب الشعوب الديمقراطي فشل في خلق مسافة بينه وبين حزب العمال الكردستاني، هناك مَن يؤكد أنّ الأكراد المتديّنين سيصوّتون لصالح الحزب الشعوب الديمقراطي. ومع ذلك، يرى آخرون أنه سيكون من الصعب للغاية التنبّؤ بهذا، حيث صوّت العديد من الأكراد لصالح «حزب العدالة والتنمية» من أجل التعديلات الدستورية في عام 2017.
في حال دخل حزب الشعوب الديموقراطي إلى البرلمان، ستحصل كتلة المعارضة على فرصة لتأمين أغلبية ضدّ «تحالف الشعب» الذي يتزعّمه حزب العدالة والتنمية، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فمن المرجّح أن يحصل «تحالف الشعب» على أغلبية قوية في البرلمان. سيكون بإمكان العدالة والتنمية اكتساح جزء كبير من مقاعد حزب الشعوب الديمقراطي، لأنه الطرف الثاني في جميع المناطق التي يقود فيها الـ HDP في استطلاعات الرأي. بالنسبة للجولة الثانية المحتملة في الانتخابات الرئاسية، ستلعب الأصوات الكردية دوراً مهماً مرة أخرى. سيكون على الأرجح إما ميرال أكشنر أو محرم إينس اللذان يقفان ضدّ أردوغان في جولة الإعادة. لكن يعتقد أنّ حزب الشعب الجمهوري سيكون لديه فرصة أفضل من أكشنر في جذب الأصوات الكردية. اما إذا اختار الأكراد عدم الذهاب للتصويت في الجولة الثانية، فسيعمل ذلك بالتأكيد لصالح أردوغان. سيكون حزب الشعوب الديمقراطي وناخبوه هم صانعو الرئيس الرابح في كل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 حزيران.