أميركا هي الطاعون والطاعون أميركا
ديانا فاخوري
سمّها ما شئتَ – سمّها أميركا، سمّها الولايات المتحدة الأميركية، سمّها «الويلات المحتدة الأميركية»، سمّها روما الجديدة، سمّها الإمبراطورية العسكرية العالمية، سمّها الولايات الجماهيرية الشعبية الأميركية.
إنها هي هي بحدود ترسمها مخططاتها الموضوعة للاستعمار والهيمنة… إنها الإمبراطورية العسكرية العالمية، التي تتمدّد علی أكثر من 700 قاعدة في كافة زوايا الكرة الأرضية، يرفدها 40 من الإنفاق العسكري الدولي، واقتصادها هو الأكبر في العالم، حيث يقدّم 6 من سكان الأرض 35 من الناتج البشري لها، وثلث زراعة الأرض وربع صناعة العالم.
تزهو بأعظم اقتصاد مالي وتجاري، وقوة تكنولوجية كبيرة، تنتج سنوياً ضعفي براءات الاختراع التي تسجلها شعوب الأرض مجتمعة، وإليها ينتسب نصف حائزي جوائز نوبل. أما قوّتها الناعمة فتتجاوز هارفارد الی هوليوود تدعمها وسائل التواصل أمثال غوغل، فيسبوك، مايكروسوفت، امازون إلخ… وإن ننسَ فلا ننسی الجينز والبيغ ماك!
هي الطاعون، والطاعون هي، من يوم إبادة الهنود الحمر إلى يومنا هذا، فهل يحوّلها دونالد ترامب إلى «أرض ميعاد» لعنصرية القرن الجديدة؟
ترامب أحاط نفسه بشخصيات متصارعة، متنافرة – وفي أحسن الأحوال – متنوّعة ومختلفة… فهل قرّر أن يطيح من خلال هؤلاء بمجموعة المصالح الاستراتيجية والمؤسسات المتنفذة؟!
ترامب يختزل أوروبا، لكنه يُمسك بزمام الأطلسي. وهو نفسه يقف مع أعتى عنصرية تتمثل بالكيان الصهيوني الذي يغتصب أرض فلسطين، ويعادي إيران والصين وكوريا الشمالية وكلّ دولة لا تنصاع إلى مشيئته.
ترامب لا يجرؤ على روسيا والصين، لكنه يفعل كلّ شيء لإزعاجهما، فلا يكتفي بتحديد مسار أميركا، بل يتعدّی ذلك لتحديد مسار العالم بأسره للسنوات المقبلة!
عودة إلی السياق التاريخي تبيّن باختصار مسيرة أميركا، من مرحلة التأسيس حيث تمّت إبادة الهنود الحمر – أهل البلد الأصليين، إلى مرحلة التكوين التي اتّسمت بالحروب الأهلية، إلى مرحلة الإمبراطورية التي اتسمت بالحروب الخارجية عبر العالم وصولاً إلى قصف مطار الشعيرات ومن ثم العدوان الثلاثي على سورية.
إنه سلوك عدواني دموي مبدع في توظيف الإرهاب الشامل سعياً لتحقيق الهيمنة الأميركية، وسحق أيّ مقاومة تعترض طريقها..
صلف السياسات العدوانية الأميركية ترمي إلى الهيمنة على مقدّرات الشعوب والأمم، فأميركا، بمختلف قياداتها علی مرّ العهود شنّت الحروب وارتكبت الجرائم، وهي استهلّت هذه الجرائم بإبادة 20 مليوناً من السكان الأصليين المعروفين بالهنود الحمر.
أحد رؤساء أميركا توماس جفرسون عبّر في خطابه الأول عام 1801 عن فكرة «أنّ الأميركيين هم شعب الله المختار»، وسبقه جورج واشنطن أوّل رئيس للولايات المتحدة حين قال إنّه موكل بمهمة عهدها الله إلى الشعب الأميركي عام 1789. ويشير أحد الباحثين إلى أنّ «الصهيونية الأميركية أقدم من الصهيونية اليهودية، بأكثر من قرن كامل»!
وعليه، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية إنما قامت علی ثقافة إلغاء الآخر علی طريقة «داعش» وإبن تيمية، بدليل أنها قضت على أصحاب الأرض الأصليين…
أفلا يتماهی اغتصاب البيض لأميركا مع اغتصاب الصهاينة لفلسطين؟!
الأميركيون قصفوا اليابان بالنووي، أبادوا قری عن بكرة أبيها في فيتنام، دمّروا العراق بحجة امتلاكه السلاح النووي وجعلوه يباساً، وبالأمس اعتدوا علی الجيش السوري الذي يقاتل «داعش» في دير الزور، وقصفوا مطار الشعيرات وقادوا العدوان الثلاثي.
وعليه، فإنّ كولومبوس ارتكب خطاً جسيماً، حين ضلّ طريقه إلی الهند، لينتهي به الأمر باكتشاف أميركا، لا سيّما أنّ الرحلة تمّت بتمويل عربي.. نعم كان التمويل عربياً، حيث غطتها ايزابيلا بالجواهر التي تركها العرب في غرناطة لينعم العالم بـ «الويلات المحتدة الأميركية».. فأميركا هي الطاعون، والطاعون أميركا كما اكتشف ذلك حقاً محمود درويش.