الحريري الأقوى «سنيّاً» تحسم تسمية رئيس الوزراء
روزانا رمّال
بين الميثاقية المتمثلة بوجوب تمثيل الطائفة باستحقاقات سياسية كبرى لا تقلّ أهمية عن حساسيات فرضتها مرحلة ما بعد الطائف وبين الأكثرية «العددية» أو الأكثر «تمثيلاً». وهو ما صار يستتبع بمفردة «القوة» كالرئيس القويّ مثلاً أو التكتل القوي يصبح الجدال حول رئيس الجمهورية أو تسمية رئيس مجلس النواب أو رئيس للحكومة أكثر وضوحاً. ومنذ الاستحقاق الرئاسي الذي أوصل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا صار يمكن تعزيز هذه التجربة أكثر وتعميقها. فلبنان الذي لم يعرف رئيساً قوياً منذ عقود كرّسها بوصول عون أخيراً بعد تعطيل الاستحقاق لمدة سنتين نتيجة اختلافات اللبنانيين وتوصيات المعطلين الخارجيين.
بالنسبة للرئيس ميشال عون، كل شيء كان محسوباً، فلا القوى التي تريد إيصاله الى رئاسة الجمهورية أو تلك التي لا تريد إيصاله، بل وتعارض بشدّة يمكنها أن تخفي أنه صار مرشح الحزبين الأقوى مسيحياً أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وبذلك اكتملت عناصر تمثيل الطائفة بمن هو أقدر على صعيد التمثيل الديمقراطي عددياً الذي يحصر هذا الخيار بالموارنة بما أن الكرسي محصور بهذه الطائفة عرفياً.
اما بالنسبة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينتظر ولاية سادسة، فإن الأمر ينبثق ضمن هذا المفهوم أولاً واستحالة الاتفاق على شخصية شيعية تملأ هذا الكرسي سياسياً بعيداً عن مسألة الدراية او خبرة التعاطي مع المجلس النيابي لسنوات طويلة خلقت وحدها إجماعاً لبنانياً أو شبه إجماع على أن الأقدر على هذه المهمة هو رئيس حركة أمل نبيه بري. وبالتالي فإن الأقوى شيعياً أو الأكثر تمثيلاً ومرشح الكتلتين الاكبر في الطائفة حزب الله وحركة أمل ممثل في هذا الموقع الرئاسي الوازن.
رئاسة الوزراء بدورها على موعد هذه المرة بتطبيق هذا المفهوم، حسب مصادر متابعة لـ «البناء» فحظوظ الحريري اليوم وهو الأكبر في طائفته بعد أن أثبتت النتائج أنه الأقوى سنياً. وتتابع المصادر «صحيح، أن الدستور لا يمنع تسمية مرشح سني آخر لا يتمتع بالقوة الشعبية أو حتى من خارج المجلس النيابي، إلا أن ما فرضته حالة الرئيس ميشال عون وحالة الرئيس نبيه بري «عددياً» أو «أكثرياً»، يجعل ذلك منسحباً على باقي الطوائف، ومنها الطائفة السنية التي يمثلها اليوم تيار المستقبل بقوتها الفعلية». وتضيف المصادر «الحريري لديه حظوظ نابعة من دعم خارجي عربي ودولي، يمكنه أن يكون الرئيس المقبل الذي ستتعاطى معه المؤسسات الدولية، خصوصاً بما يتعلق بالأزمة السورية ومندرجاتها بين إعادة إعمار سورية وغيرها من مؤتمرات شهدت على تخصيص فريق عمل الحريري فيها كمؤتمر بروكسيل قبل الانتخابات ومؤتمر «سيدر» الذي حسب لصالح الحريري أو نوعاً من التعويم الفرنسي. الأمر الذي شكل لغطاً عند منافسي الحريري. وتختم المصادر «بات مؤكداً بين الأوساط الاتجاه الى تسمية الكتل النيابية الوازنة الحريري الذي سيكون عليه تسلّم حكومة العهد الأولى».
عملياً، كشفت الانتخابات النيابية أن خصوم الحريري لم يثبتوا أنهم الأقدر على إثبات الوقائع التي روّجوا لها، لكن ثبت أيضاً أنهم لم يتمتّعوا بأي دعم خارجي، خصوصاً دعم خليجي او دولي حصده الحريري قبل الانتخابات. ويمكن الحديث هنا عن الأزمة الأخيرة أو أزمة «الاحتجاز» في المملكة العربية السعودية والتي رفض الحديث عن تفاصيلها واحترم على ما يبدو كل حسابات المملكة واستراتيجيتها في لبنان، حتى لجهة عدم فضح دور رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أو موقفه في هذه الأزمة من الحريري. وهو ما أكد انه ليس بصدد الانتقام او الثأر، بل هو واقف عند حدود مصلحة حلفائه على حساب مصلحته الحزبية او حتى الشخصية.
بين وفاء الحريري لمن أخطأوا بحقه وبين حالة وطنية شكلها احتجازه تخطّى الطائفة السنية صارت تسميته أمراً بديهياً بالنسبة للبنانيين على مستوى أفراد تابعوه مراحل تقدّم الحريري من ازمة اغتيال والده حتى احتجازه في السعودية، وصولاً الى حوادث رمزية تؤثر بالمواطن كشفت عن الحريري الشاب المتواضع الذي لا يأبه كثيراً للشكليات.
لكن بالمقابل، وعلى الرغم من حصاد تيار المستقبل لعشرين مقعداً، فإنه ربما لم تكن هذه النتيجة هي ما كان يطمح إليها الحريري. والأكيد أنه كان يطمح مع حليفه جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر إلى كتلة «ثنائية» تتكفل بتأمين نصف مقاعد مجلس النواب بمجموعهما. والأكيد أيضاً أن طموح الحريري كان مشاركة واسعة في دوائر بيروت خصوصاً الدائرة الثانية، حيث الخصوم والحلفاء معاً. وهذا يتطلب إعادة النظر بنتائج الانتخابات في بيروت وسبب نجاح أسماء بيروتية بالدخول لأول مرة مجلس النواب.
وبالعودة الى التمثيل السني في لبنان نجح خصوم الحريري بالوصول إلى البرلمان من جهتهم ولم يعُد التمثيل محصوراً بعدد قليل منها، وكلّها أسماء أتت من بيوتات وحيثيات سياسية كأسامة سعد وفيصل كرامي ونجيب ميقاتي وعبدالرحيم مراد، لكن الأهم أن الانتخابات أثبتت أن الشارع السني رفض التطرف. وهذا دليل على خسارة الوزير أشرف ريفي الذي صار في وقت من الأوقات قوة واعدة بوجه الحريري أثبت على ذلك بالانتخابات البلدية. وبعد هذا الاستحقاق نجح الاعتدال السني على التطرف ونجحت المنافسة السنية السياسية التعددية أو الخصومة السياسية الديمقراطية على التطرف أيضاً.