اخرجوا من جحوركم وطبِّعوا مع «إسرائيل»
د. رائد المصري
بهدوء… الفئران لا تستطيع أن تقاوم الجُبْنَ.. فلا بدَّ أن تخرج من جحورها، لاحِظوا معنا هذا الكلام المُهين وما نطقَ به أفيغدور ليبرمان بحقِّ شعوب ومملكات ومشيخات الخليج، لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: بأنَّ الذي أيَّد قرار ترامب بالانسحاب من الإتفاق النووي مع إيران هم «إسرائيل» والسعودية ودول الخليج وأن الوقت قد حان لتلك الدول المعتدلة أن تخرج من «الجُحر» وتبدأ في التحدُّث علانية. فالاعتقاد أنّ استجابة حُكومات دول الخليج للدعوة الصهيونية بالخروج من جُحورِها لن تتأخَّر وستَنتَقِل مِن السِّرِّ إلى العَلن بِوتيرةٍ أسرَع ممّا يَتوقَّعها العالم كله.
تطوراتٌ أخذت تعكس الائتلافات الجديدة التي بدأت تُنسَج في الشَّرق الأوسَط و«إسرائيل» جُزءٌ مُهِمٌّ فيه، لتَبدأ بالحَديث علانِيَة عن تحالُفِها مع الكيان الغاصِب، لأنَّهم أرادوا المعادلة: مثلما يُوجَد مِحوَر شَر فقد حانَ الوَقت لأنْ يكون في الشَّرق الأوسَط مِحور الدُّوَل المُعتَدِلة.
حُكومَتا الإمارات والبحرين أرسلتا فريقيْ دَرَّاجات للمُشاركة في مَهرجانٍ رياضيٍّ للاحتفال بالذِّكرى السَّبعين لاغتصابِ فِلسطين وقِيام دَولة «إسرائيل»، وأقامت مصر في ميدان السَّبعين احتفالاً للمناسبة مع الإسرائيليين في ذكرى اغتصاب فلسطين…فكيف تحتفل مغتَصَبَةٌ بإحياءِ ذكرى مغتَصِبِها بعد سبعين عاماً وأكثر..؟؟؟؟ إنَّه العقل الجمعي العربي الذي لم يَعدْ يُقيم وزناً لشيء إلاَّ لتشريع القتل والاستباحة، لأنَّه لم يكن يتصوَّر أحد مُطلقًا أن يصِل العرب يومًا إلى هذا الدَّرك من الهَوان المُتمثِّل في التَّطبيع أو الارتماء في أحضان الإسرائيليين، وتبرئَتِهِم من اعتداءاتِهم ومجازِرهم الدَّمويّة بحَقِّ الشعوب العربية في سُورية والعراق وفِلسطين ولُبنان وقبلها في مصر، والآتي سيكون أعظم، لأنَّ تأسيس مملكات ومشيخات دول الخليج جاء بناءً على مطلب رئيسي لنظم الاستعمار الغربية ولحماية الكيان الصهيوني المشوَّه. هذه الدول تشكِّل حجَرَ الأساس لهذا النظام الاستعماري في جوانبه وحوامله المالية وفي إمبرياليته الدولية. لأن كلَّ ما يُقال عن الشرعية الدينية في مناهج الحكم وإدارة شؤون الدولة هي أحاجيج وأكاذيب باتت مكشوفة، وهي تغطية لما ترتكبهُ «إسرائيل» بحقِّ فلسطين والعرب والقدس الشريف، وما يُراقُ من دماء وأرواح لا قيمة لها إلاَّ في الاستخدام الإعلامي والدعائي الرخيص….
وفي المقابل باتَ علينا اليوم التدقيق في التطورات السورية وفي الاعتداءات الصهيونية على سيادة هذه الدولة، ومن برودةٍ في الموقف الروسي تجاه هذه الضربات وتضارب المواقف من تزويد سورية بالصواريخ المضادة: بالتأكيد ثم بالنفي بتسليم روسيا هذه النُّسخ من الـ» أس 400 « للدولة السورية، وما إذا كان هذا الأمر يتعلَّق بالتناقض وبتضارب المواقف مع إيران في سورية وفي رسمها لخطوط الرَّدع الجديدة مع إسرائيل والغرب، وزيارة نتنياهو لموسكو عشيَّة القصف الإسرائيلي لمواقع عسكرية سورية والقبول الضمني الروسي بذلك أو غضِّ الطَّرف عن هذه الاعتداءات لمعرفة حجم القوة الإيرانية وحدود فعلها ونشاطها في سورية والجولان المحتل، وقرار محور جبهة المقاومة وثباته بعد هذه الاشتباكات المرسومة بعناية ودقة فائقتين، والمحدودة بضوابط القوة وتوازناتها التي تُرسم ولم تكتمل بعد.
وهذا يدلُّنا بوضوح بأنَّ مستقبل الإقليم الذي بدأت تتوضَّح معالمه تتسابق فيه قوتان على أتمِّ الجهوزية لأنْ تلعبا الدور الأبرز وهما إيران و«إسرائيل»، وما الاشتباكات الأخيرة والردُّ الإيراني الأخير على الغطرسة الصهيونية إلاَّ محاولة لإثبات القوة والحضور وتثبيت خطوط النار، وبأنَّ العرب طبعاً باتوا خارج أيِّ معادلة أو مسار، إلاَّ كملحقات تطبيعية للكيان الصهيوني أو محميات وقواعد ومرتكز للمستعمر الغربي يتَّكئ عليها ويتعكَّز للاستفراد بالدول التي كلَّما لاحت بوادر أفق تحقيق استقلاليتها وسيادتها قام بضربها وتفتيتها واستنزافها.
وأخيراً قالها الجبير لمحطة «سي أن أن» بأنَّ السعودية تسعى لامتلاك القنبلة النووية والتخصيب النووي، وهذا الحديث جاء بعد انفضاض ترامب من هذا الاتفاق بين إيران والخمسة زائداً واحداً، تحسباً بأنَّ إيران جراء هذا الخروج الأميركي ستقلب الطاولة وتعود للتخصيب وساعتئذٍ تنحو السعودية بالمثل وتدخل المنطقة في سباق تسلُّح خطير لإقامة التوازن المطلوب، عبر تحشيدٍ واصطفافات مذهبية وعداءٍ مطلق لإيران وقبول التسويات مع الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية ومعها القدس الشريف، مع أمير شاب يقفز في الهواء بطريقة بهلوانية من مكان إلى آخر، لأنَّه بالنتيجة سيسقط وسيسقط معه الحكم الذي حمله وهرب به. فالعالم لا يزال يعاني من أزمة الفكر الوهابي في الشرق والغرب ومن راديكالياته وأصولياته التكفيرية، فكيف سيتقبَّل هذا الفكر وأسلوب إدارته الحكم المستندة للشرعية الدينية وبيده قنبلة نووية…؟؟؟ واقع لا يقبل به إلاَّ المجنون… وإليكم الأنموذج دونالد ترامب…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية