تلامذة يسوع.. على درب الجلجلة
نظام مارديني
بين 15 أيار 1948 و15 أيار 2018 تاريخ تغيّر.. وبين «طريق الجلجلة» التي أسسها وسار عليها المعلم يسوع المسيح، والمدرسة التي أسسها أنطون سعاده، من «أن الحياة وقفة عزّ فقط»، وحدة كفاح ونضال وشهادة معمّدة بالدم.
بين التاريخين والمدرستين، سقطت من قاموس حياتنا، تراجيديا النكبة، والنكسة، والشكّ في قدراتنا، في أصالتنا، وفي مخزون القوة التي تغيرّ وجه التاريخ.
بين أيار القديم وأيار الجديد تتمثل شخصيتنا، وتختصر قضية أمتنا.. ومن خلال التاريخين ننظر إلى حياتنا بفرح… وما بينهما قدّم مطارنة نموذجاً في المقاومة ومن موقعهم الديني، ولعل، الشهيد غريغوريوس حجار، والراحل هيلاريون كبوجي، والمطران عطا الله حنا، هم نماذج صارخة عن رجال الدين المكافحين من أجل فلسطين والعروبة الواقعية المنفتحة.
الأول تمّ دهسه وهو يواجه قوات الاحتلال. والثاني، سُجن وعُذب من قبل الاحتلال وثم تمّ نفيه إلى روما. والثالث، محاصر من البطريرك اليوناني والاحتلال وعباس!
ورث المطران غريغوريوس حجار لقب «مطران العرب»، وهو اللبناني الذي انتمى الى أبرشيته وإلى فلسطين، ومات دفاعاً عنها.
المطران حجار قرن نشاطه الديني بالعمل الاجتماعي لتعزيز اللحمة بين المسيحيين والمحمديين في وجه المخاطر الصهيونية المحدقة بالبلاد. ونضاله من أجل قضية الفلسطينيين الوطنية جعلهم يطلقون عليه لقب «مطران العرب» تقديراً لمساهمته الجليلة. وظلت التسمية هذه متداولة بعد استشهاده دهساً عام 1940.
ويشير المؤرخ جوني منصور إلى التزام المطران حجار بقضية فلسطين بالإشارة إلى شهادته أمام اللجنة الملكية البريطانية عام 1937، وفيها أشاد بالتسامح الإسلامي التاريخي مع النصارى بعكس اليهود.
ليس سهلاً أن يكتب المرء عن مطران «فلسطين وسائر المشرق»، هيلاريون كبوجي. بل ويحتار من أين يبدأ بالكتابة عنه، وهو يستعيد صور مواقفه وأقواله، ثوابت نضاله وسجنه وغربته، وجميعها تثبت نبل عقيدته وانتمائه القومي.
لا لا لا.. لنكن صادقين مرة واحدة ولنعترف أمامك أن الكثير من شعبنا لم يكونوا في مستوى نضالك.. لم يكونوا في مستوى إيمانك ووطنيتك وسجنك ورحلتك القسرية إلى بلاد الغربة، يا مَن جعلتنا نحن المؤمنين برسالتك، أن نخجل حتى من حزنك، ولكن ها هو صليبك يأبى إلا أن نستنشق الإيمان من روحك ونرددّ على مسمع العالم «هللوياه هذا الذي هو جدير بأن يكون حفيداً ليسوع الإنسان».
فاجعتنا برحيلك أيّها المؤمن، أننا ولولا بقية أمل لوجود المطران عطالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس في القدس الوحيد الذي يقف في وجه البطريرك ثيوفيلوس الثالث اليوناني الأصل الذي يبيع أراضي فلسطين للمستوطنين اليهود ، لكنا الآن مجرد أيتام يسيرون في طريق الجلجلة تلك التي سار عليها المعلم يسوع المسيح.
ولكن ماذا عن المطران حنا وسلطة عباس!؟
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، سعى من خلال عقد مجلسه الوطني الفلسطيني الأخير في رام الله إلى تمرير صفقة القرن، والتنازل عن مدينة القدس، وتجديد شرعيته، ولكن بعد استبعاد المطران حنا!
والسبب الأساسي لاستبعاد المطران حنا من عضوية المجلس، لإدراك عباس أن مشاركة الأول في جلسات المجلس ستدفع المؤتمرين لانتخابه رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني. وهذا ما لا يريده أبو مازن وطاقمه الأمني والسياسي، لأن المطران حنا لن يقبل بأي حال من الأحوال بتمرير صفقة القرن والتنازل عن القدس وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ها نحن نكبر بكَم يا مطارنتنا ونسير على دربكم، كما سرتم أنتم على درب يسوع، ولن نترك أرضنا الممتدة من فلسطين وحتى العراق. وها نحن ننحني أمام ثوبكم الطاهر علّكم تقبلون بأن نمرغ وجوهنا بخيوطه ونشمّ رائحة ما احتفظ به من زعتر حلب وصنوبر جبل لبنان وياسمين الشام وبرتقال يافا..