معرض في مكتبة الأسد الوطنية تحيّة إلى الفنان التشكيليّ ناجي عبيد
دمشق ـ لورا محمود
في كلّ لوحة تشكيليّة له تجتمع الوجوه والخطوط والزخارف وتتجلّى فيها حالة البحث عن الأصالة وجذورها بطريقة عصرية. مواضيعه كانت محاولة لرصد التراث المختبئ في زوايا البيوت والحارات القديمة وفي الكتب أيضاً مثل قصة «عنترة وعبلة».
يعتبر أحد أهمّ مؤسّسي الحركة الفنّية في سورية، يرى أن الفنّ هو الحضارة الحقيقية للإنسان، بل هو على رأس هذه الحضارة. وأن سورية هي بلد الإخاء والإبداع والمحبّة، وهي التاريخ الحقيقي للبشرية وحاضنة الحضارة الإنسانية. هو الفنان التشكيليّ ناجي عبيد.
وتكريماً ووفاءً لفنّه ولتاريخه الكبير، ولِما قدّمه للحركة الفنّية التشكيليّة السورية بأكثر من خمسة آلاف لوحة، افتتح وزير الثقافة السوري محمد الأحمد في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، معرضاً بعنوان «تحية إلى الفنان ناجي عبيد».
المعرض ضمّ أربعاً وأربعين لوحة منتقاة من نتاج هذا الفنان التشكيليّ قدّمها على مدى سنين حياته من العطاء.
وفي تصريح صحافي، قال وزير الثقافة محمد ا حمد: بدايةً، أنا أعرف الفنان ناجي عبيد منذ زمن. لكن في الحقيقة لم تتسنّ لي فرصة التعرّف إليه عن قرب إلّا عندما زرته في منزله العامر بمئات اللوحات. فكيفما تحرّكت في منزل عبيد ترتطم بلوحة له أو بلوحة مقتناة لكبار الفنانين السوريين. مما لا شك فيه أن ناجي عبيد هو واحد من أبرز مؤسّسي الفنّ التشكيلي السوري وأكثرهم مواصلة لهذا العشق الذي ابتدأه منذ ا ربعينات من القرن المنصرم.
وأضاف: وأنا أجول بين هذه اللوحات اكتشفت قواسم مشتركة عدّة، أولاً لقد شاهدت لوحات له في الستينات، وشاهدت لوحات له رسمها قبل عدّة أشهر. ونشعر دائماً أنّ العمل يشي بصاحبه وهذه أهمية المبدع الكبير سواء كان رسّاماً أو موسيقيّاً أو مخرجاً سينمائياً أو شاعراً. فلمجرد أن تطّلع على عمل له تكتشف أن الهوية ما تزال هوية الفنان نفسه. عندما شاهدت بورتريه له رُسم في عام 1960 كأنني كنت أشاهده في 2018، إنما مع إضافة الخبرة المكتسبة التي تراكمت عبر كل هذه السنوات، وأسّست هذه التجربة الثرية، فأغلب لوحات الفنان عبيد بورتريه المرأة المطموسة العينين وربّما هذا ما يميز تجربته في البورتريه عن أيّ فنان آخر. أيضاً هذا البورتريه المشغول بعناية عبر رموز خطّية ورموز تلوينية وعبر أشكال هندسية لها علاقة بثقافتنا العربية.
وتمنّى ا حمد للفنان عبيد الصحة وطول العمر، فهو شارف على المئة من عمره لا سيما أنّه عندما يكون بأعلى درجات المرض يمسك الريشة وكأنه في سباق مع الزمن لتدوين العمل الذي سيخلّد اسمه والذي سيشي بهذه التجربة الغنية.
بدوره، قال مدير مديرية الفنون الجميلة عماد كسحوت: إن وزارة الثقافة تقوم بتكريم الفنانين المبدعين الذين يستحقون التكريم كناجي عبيد الذي واصل إبداعه رغم تجاوز عمره 100 سنة. وعبر هذا المعرض الذي ضمّ 44 لوحة نفتخر بكوننا نقدّم جزءاً بسيطاً لهذا الفنان. وحاولنا التنويع في اختيار لوحاته منذ البدايات وحتى اليوم.
«البناء» التقت محمد ناجي عبيد، نجل الفنان عبيد، الذي شكر القائمين على هذا المعرض وقال: هذا شرف لي وسعادة لوالدي بعد مئة سنة من العطاء أن يقام هذا المعرض. فوالدي ـ رغم سنوات عمره الطويلة ـ يأبى أن يرتاح. هو يقول: إذا لم أقدّم لهذا الوطن، وغيري توقف ليرتاح، فمن بقي ليقدّم ويعطي للوطن؟ فهو لديه الروح الوطنية ويمثل سورية بكاملها التي هي كقطعة فسيفساء بتنوّعها وغناها الحضاري والإنساني. وهو يعتبر أنّ سورية بأبنائها ا وفياء ستبقى قوية.
وأضاف عبيد: إن علاقتي بوالدي علاقة صداقة، فرغم سنواته المئة ما زال يتمتّع بروح الشباب. لذا لا أجد نفسي بعيداً عنه فكرياً وروحياً.
وأردف عبيد: أنا اليوم أكمل مسيرة والدي ومدرسته التي تعتمد على عدم النقل عن الفنّ الغربي الطاغي في العالم. وللأسف إنّ الفنانين في العالم العربي يأخذون هذا الفنّ، ناسين أننا في الأصل كنّا مصدر الحضارات لكلّ العالم. فسورية فيها أوّل حرف وأوّل نوتة موسيقيّة. أنا مستمر بمدرسة والدي لننقل صورة سورية الحقيقة إلى العالم. وأفتخر وأنحني أمام ما يقوله والدي إنني أبرع منه بالرسم والتلوين واستخدام الريشة.
من جانبه، تحدث الشاعر والناقد محمد منذر زريق إلى «البناء» قائلاً: تربطني بالفنان ناجي عبيد علاقة طويلة جداً، فهو كان صديق والدي وأعرفه منذ أربعين سنة. وما يميّز الفنان ناجي عبيد أنه ابتكر لوحة سورية بأدوات ابتعدت عن تقليد المدارس الغربية، ما جعل منه فناناً أقرب إلى الفطرة، إضافةً إلى كونه خطّاطاً مهماً. فالفنان ناجي عبيد تتلمذ على يد أكبر الخطّاطين السوريين، وخلال مسيرة أكثر من ثمانين سنة في الخطّ استطاع أن يُدخل الخطّ والحروف في لوحاته وكانت تجربته مختلفة. ولغاية اليوم يستخدم ألوانه الخاصة التي يصنعها بنفسه. فهو لا يستخدم الألوان التي يستخدمها باقي الفنانين.
ولفت زريق إلى أن الفنان عبيد ظاهرة لم تأخذ حقّها كاملاً رغم أنه عميد الفنانين السوريين. وربما هو أكبر فنان ما زال مستمرّاً في العطاء إلى الآن في العالم.
الجدير ذكره أن الفنان ناجي عبيد من مواليد دير الزور 1918، حاصل على شهادة تقدير ووسام ذهبيّ من الرئيس الراحل حافظ الأسد، وشهادة ووسام «8 آذار»، إلى جانب حصوله على شهادات تقدير من الرئيس بشار الأسد لمناسبة المعرض السنوي للإدارة السياسية. وهو يعتبر من المؤسسين الأوائل لنقابة الفنون الجميلة إذ يحمل البطاقة رقم «4» بعد الفنانين عفيف بهنسي ونعيم إسماعيل وممدوح قشلان، وهو كذلك مؤسّس نقابة الفنون التشكيليّة في دير الزور وعضو في اتّحاد التشكيليين العرب وعضو في «جمعية أصدقاء الفنّ» في دمشق. وتزيّن مرسمه صورة بالأبيض والأسود تجمعه مع عدد من الفنانين الروّاد أثناء تأسيس أوّل مجلس إدارة لنقابة الفنانين التشكيليّين عام 1972 في المركز الثقافي في أبو رمانة. كما أنه حصل على شهادة الاستحقاق السورية الدرجة الرابعة من الجمهورية المتحدة، وله لوحة مقتناة في المكتبة الوطنية في باريس. وقُدّمت عن أعماله أطروحات لنيل شهادات الدكتوراه في دول عربية وأوروبية.
حصيلة عمره الفنيّ 5037 لوحة، وأقام 115 معرضاً دولياً ومحلياً مشتركاً، و35 معرضاً خاصاً في دمشق، وحصل على أكثر من عشرة أوسمة وشهادة تقدير من الدولة: ذهبية وفضية وبرونزية.