إذا ما «قوّصنا… منطبّل»

اعتدال صادق شومان

الأكيد، والأمر المحتوم، إن عاهة إطلاق الرصاص في الهواء بمناسبة أو حتى من دون مناسبة حلّها ليس باليد، على الأقل ليس على المدى القريب. ودعونا نقرّ بالأمر وبأن هذا الطقس الجنائزي الذي يمارسه اللبنانيون على شاكلة أعيرة «التباهي» لم ينفع فيه لا فتاوى، ولا تهديد، ولا وعيد، ولم تحدّ التوجيهات الصارمة بمنع استخدام الأسلحة. وثبت باليقين المطلق أن لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، فمن حيث هي ظاهرة قديمة متأصلة من زمن كان السيف والترس هو سلاح «العارضة» الشعبية بالأفراح والأتراح، ولم تزل، غير أنها تطوّرت تباعاً مع تتطوّر أدوات القتال حتى جاء اختراع «صمويل كولت» للمسدس ليتوارى متباهياً في «كمر» البنطلون و»دي..دي..دي» لعيونك يا بيك، ومن يومها صار «الغريم» مجهول الهوية، والقتيل يسجل بخانة القضاء والقدر، قبل أن «يفلت الملق» مع الأسلحة الرشاشة وصار الكلام عنها بلا حرج، لها مواسمها المتعددة في التغطرس والاستحكامات حتى أن «الصبوحة» غنّت تشدّ الهمم «خلي رصاصك بالعالي سمينوف والسن برن» وغدت مناسباتنا على حد سواء الحزينة وغير الحزينة محفوفة بخطر الموت المجاني «شي رصاصة طايشة» «رصاصة تايهة « من «عين زايغة» أو «إيد فلتانة»، ولأن «الرصاص بجرّ الرصاص» ليس على الناس إلا أن تحفظ رؤوسها في الأمكنة الآمنة في المناسبات كافة، الوطنية أو شبه الوطنية، أو حتى مناسبة عند الجيران، فالاحتياط واجب، فالرصاصة تصيب وتقتل وإن كانت طائشة.

وعلى قاعدة «رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا». ولأن «الدكة براس البارودة فوقها شرطوطة» امتهن البعض منّا، طقوساً جديدة تُضاف إلى تراثنا الشعبي وسلوكيتنا السلبية المتكاثرة يوماً بعد يوم. ألا وهي عادة التطبيل، وإن سجلت في خانة الأقل خطورة من الرصاصة الطايشة غير أنها قد تكون أيضاً قاتلة وإن لم تكن بلون الدم، وتقتصر أضرارها بأن تُصاب بالسكتة القلبية أو السكتة الدماغية لا فرق. المهم أن تسكت، وإذا كنت محظوظاً تُصاب بخرم في طبلة أذنك يعني عاهة محدودة، أو يدركك «فالج» لا ينفع فيه علاج. وقرع الطبل أيضاً كما إطلاق الرصاص خارج الأحكام كما السيطرة، وهو أيضاً مثله له أبواب وأصناف المناسبات التي تتفنن مخيلتنا باختراعها. وبفضلها نجح الطبل بفرض نفسه وضجيجه الوحشي، رغماً عن أنوفنا وآذاننا، وغصب عن يلي «خلفنا» كمان، خاصة إذا رافقه «الزمور» والدوّي المُفزع للمفرقعات النارية و»الفتياشات» التي لها فعلها الشديد في إقلاق الراحة والصحة الملطوشة أساساً، وعلى «علمك» بتكون جالس «مسترخي» غافل عمّا حولك وحواليك، وفجأة لا عبالك ولا على خاطرك بتفزّ بـ «أربعتك» يعني «بتنطّ وما بتحطّ» فقط، لأننا أناس شيمتهم التطبيل. والتطبيل عنا ليس بغرض التذوّق الفني مثلاً، كون الطبل آلة موسيقية تستخدم على الأخص في الموسيقى العسكرية لإثارة الحماسة. وبالمناسبة كلتا العادتين إطلاق الرصاص وقرع الطبول هي أدوات حربية لإرباك العدو وإرهابه في ميدان القتال وحسب.

غير أننا نحن في لبنان الأخضر الحلو.. منطبّل فقط لنطبّل.. يعني موضة..

كيف ما كان منطبّل، منطبّل ساعة ما بدنا، منطبّل قبل ما نام، منطبّل بس نوعا، عالطالع والنازل منطبّل. منطبّل مع طلوع الضو. منطبّل مع غروب الشمس، منطبّل بس نتزوج. منطبّل بس نطلّق، منطبّل بس نخلق، وإذا متنا.. كمان منطبّل..

إنه زمن التطبيل، لا محالة.

وقد قيل إذا حلّ التطبيل بأرض قوم فما على القوم إلا الرحيل.

ولك أيّها المواطن أن تختار، وما تحتار، وإن الله مع الصابرين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى