«ناشيونال إنترست»: التاريخ وحروب أميركا «الفاشلة»
عبد الرحمن النجار
قال دانيال ديفيز في مقال له على موقع «ناشيونال إنترست»: إن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياستها الخارجية «الفاشلة» التي تفترض أن العمليات العسكرية الخارجية، واحتلال الدول، سيحمي الأمن القومي الأميركي، وسيدعم اقتصادها!
وأوضح ديفيز أن حروب سورية وأفغانستان واليمن «المأساوية» تكشف بجلاء أن التدخل الأميركي ما هو إلّا استنزاف للجيش والاقتصاد الأميركيين، وتقييد لقدرة أميركا على التعامل مع التحديات الوجودية المستقبلية. ولا بدّ أن تغيّر الولايات المتحدة هذه السياسة، إذا ما أرادت عكس آثارها السلبية.
منذ هجمات أيلول 2001 المروعة في الولايات المتحدة ـ يضيف ديفيز ـ كانت القوة العسكرية الغاشمة هي الطريقة التي انتهجتها كافّة الإدارات الأميركية للردّ على الاضطرابات الدولية. وبات هذا الأسلوب متجذراً بشدة مما جعل مجرّد التفكير في اتخاذ الطرق الدبلوماسية علامة على الضعف.
بعد جلوسه على كرسي المكتب البيضوي ـ يشير ديفيز ـ سارع ترامب إلى إرسال قوات أميركية إلى سورية لتوفير الغطاء الجويّ لقوات سورية الديمقراطية ـ فصيل كردي ـ في حربها لاستعادة محافظة الرقّة من يد تنظيم «داعش». ورغم اكتمال المهمة منذ أواخر 2017، فما تزال القوات الأميركية متواجدةً هناك، ولم تنسحب إلى قواعدها.
عوضاً عن ذلك ـ يستدرك ديفيز ـ يبحث المسؤولون السياسيون والعسكريون في واشنطن عن مهام جديدة لتلك القوات. ومن الواضح أن أميركا لا تتبع استراتيجية معينة في نشر القوات في الخارج، بل تقاوم بشدّة أية دعوات لإعادة أي قوات خارجية، فما إن تبدأ مهمة ما، حتى تصبح هي نفسها الهدف، ولا أدلّ على ذلك من حرب اليمن.
لا تمثل الحرب الدائرة في اليمن أي تهديد على أمن أميركا ـ ينوّه ديفيز ـ لكن البعض يرى أن نجاح السعودية ـ حليف الولايات المتحدة ـ هناك في صالح واشنطن، لكن عندما شنّت السعودية «عاصفة الحزم» كان ذلك لحماية أمنها القومي، وليس أمن أميركا. وقد تحوّلت حرب اليمن إلى مستنقع للمملكة، ولا تظهر بوادر لانتصار أي من الطرفين المتحاربين، فضلاً عن تفجّر أزمة إنسانية يعاني منها قرابة 20 مليون يمني.
وعلى الرغم من هذا الفشل ـ يؤكد ديفيز ـ فقد مدّد البنتاغون المهمة في اليمن دون قيود، كما أن عدداً من أعضاء الكونغرس عرقلوا الجهود الرامية إلى إنهاء مشاركة أميركا في الحرب. بيد أن أعضاءً من الحزبين في مجلس الشيوخ تقدّموا بمشروع قرار يدعو إلى إنهاء دعم المهمة، لكنهم فشلوا في تمريره. واليوم، ما تزال الحرب مستمرة بدون هدف، أو حلّ.
يقول ديفيز، إنه كان قد شارك في عمليات قتالية في أفغانستان مرتين، وما استنتجه هو أن الحرب، التي كانت في عامها العاشر وقتها، فشلت في تحقيق أهدافها، على الرغم من إدعاء المسؤولين في واشنطن أن الحرب كانت ناجحة.
ويؤكّد ديفيز أن نتائج الأعوام السبعة الماضية تثبت صحة استنتاجه، ومع ذلك يقاوم المسؤولون كلّ الجهود لإنهاء المهمة الفاشلة، وإعادة القوات إلى الوطن. ما تزال أفغانستان تكتوي بنيران العمليات الانتحارية، والهجمات المسلّحة التي يروح ضحيتها العشرات. وكما يؤكّد التقرير الأخير الصادر عن المفتش العام الخاص لإعادة الإعمار في أفغانستان «SIGAR»، فإن التدخل الأميركي كانت نتائجه سلبية للغاية.
كشف التقرير عن أن الجهود المبذولة في مجالات الأمن والاقتصاد أو الفساد الحكومي المحلي قد مُنيت بفشل ساحق. ومع ذلك، فلا تستند المشاركة العسكرية الأميركية هناك على استراتيجية تسعى واشنطن إلى تحقيقها، ومن ثم فلا توجد معايير يمكن أن يشير إنجازها إلى نهاية المهمة.
من المتوقع أن يتحمل دافعو الضرائب الأميركيون حوالي 60 مليار دولار، كلفة التدخلات العسكرية الأميركية الخارجية، التي كان آخرها في سورية. في غضون ذلك ما زال شبح الموت يطارد الجنود الأميركيين، إذ قُتل في العام الماضي 15 جندياً أميركياً، وأصيب آخرون في أفغانستان. كما لقي أربعة جنود مصرعهم في سورية.
ويرى ديفيز أن الوقت قد حان لإجراء الولايات المتحدة مراجعة دقيقة وشاملة لسياستها الخارجية في حقبة ما بعد هجمات نيويورك وواشنطن، ولا بدّ من الاعتراف بأن أميركا لم تصبح أكثر أمناً بالاستخدام الدائم للقوة العسكرية القاتلة في الخارج، وأن هذا يهدر المليارات التي يمكن استخدامها بشكل أفضل، ويضع حياة الجنود على المحك بلا طائل.
من أجل أمن أميركا القومي وازدهار اقتصادها ـ يختتم ديفيز بالقول ـ يجب على الولايات المتحدة التخلّي عن فكرة اللجوء إلى القوة العسكرية القاتلة في الخارج في محاولة لحلّ المشكلات، وإدراك أن الأدوات الأخرى للقوة الوطنية تكون في بعض الأحيان مناسبة أكثر لتحقيق نتائج إيجابية.
«ساسة بوست»