قالت له
قالت له
قالت له: في شهر الصوم قرّرت أن نصوم عن العناق والقبل حتى بعد الإفطار.
قال لها: وما الحكمة من مثل هذا الصيام؟
قالت: أن نفصل الحب عن الرغبات ونطهّر الروح من الشهوات، فتلك قيمة الصيام أنّه يعلمنا كيف نستردّ للروح قيمتها، ونستعيد للمشاعر الراقية قدسيتها.
قال لها: أما أنا فلا أرى في العناق والقبل إلا استجابة من الجسد لطلب الروح بأن يكون مطيعاً في التعبير. فلا عناق بلا أشواق ولا قبلة بلا حب ولا أرى الجسد في الحب كالجسد في الطعام باحثاً عن حاجة، بل أراه مستجيباً كآلة للتعبير، كما يتمايل في الاستجابة لنداء الموسيقى يتفاعل في الاستجابة لنداء الروح والقلب في الحب، فيمنح ذاته بلا سؤال.
قالت له: لكن لا تُنكر أن في الحب يتمتّع الجسد ويستعبد الحب لرغباته ويستغله لشهواته. وكثيراً ما تضيع المسافة بين الحب والرغبة. فتطهير الحب من الرغبة وتأصيله في الروح يختبر الصدق فيه كما يختبر الصيام الصدق في الإيمان.
قال: كثير من الصيام إيمانهم ينقصه الكثير، وكثير من العشاق لا يحتاجون هذا الاختبار. فالصدق نراه في العينين ونتنشقه بين الكلمات وفي التصرفات. ومن ينجو في الحب من هذا الاختبار فقد يقع بأقل منه بعد حين، لأنه اجتاز الاختبار بقرار بينما لا نقع إلا على حين غفلة.
قالت: هل يعني هذا أنك ترفض ما أطلب وقد تصل حد الفراق؟
قال لها: كي تقولي إن اختبارك أثبت صحته؟
قالت: أريد أن أعلم.
قال: إذن إليك قراري أن نبتعد عن العناق والقبل لشهور بدلاً من شهر واحد ونكتشف خلالها مَن يقع على حين غفلة بما يؤذي الحبيب. فذلك هو الاختبار ولو أني أعتبر أن الجفاف عدو النضارة والخضرة وأرى يباساً يحلّ في حب عن بُعد.
قالت: نختبر الأيام الأولى ونقرّر.
أومأ لها بقبلة في الهواء ومضى.