الطاهر: نواجه تحديات غير مسبوقة… لكننا في محور المقاومة أقوياء وقادرون على التصدي والانتصار
عبير حمدان
يبقى عنوان القضية المركزية «فلسطين» ومصيرها متصل بأهلها الذين يواجهون المحتلّ اليهودي باللحم الحي والحجارة ويرتقون شهداء فيما عرب «الاعتدال» يهللون لإدارة أميركية أصيبت بلوثة الجنون، جنون العظمة الفارغة والمتكئة على أنظمة التخاذل التي لم تحرك ساكناً لسيل الدماء الفلسطيني بل أكثر من ذلك هي تجهد لإرضاء العدو بالتطبيع العلني وحرّف البوصلة ويصل ببعضها الأمر إلى التهليل حين تقصف «إسرائيل» سورية.
والمقاومة لا تكون بالرصاص وحسب بل هي فعل وجود وثقافة يومية مطلوبة واستراتيجية إعلامية مباشرة في مواجهة كلّ أشكال الهيمنة والاستعمار، المقاومة أيضاً تكون بقراءة المشهد السياسي في إطار علمي واضح ونقل هذه القراءة إلى الرأي العام.
ولأنّ دول المنطقة مصائرها سلسلة متصلة بحيث لا مجال لتحييد أيّ منها عن ما يجري في الميادين كافة سواء في سورية والعراق وفلسطين واليمن من مواجهات دموية يرافقها صراع سياسي يحتدم بين الإدارة الأميركية وإيران ليقارب حافة الهاوية أتت دعوة مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية لحضور ندوة سياسية بعنوان «قراءة في المتغيّرات الإقليمية وتداعياتها على قضية فلسطين» حاضر فيها مسؤول دائرة العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور ماهر الطاهر بمشاركة عدد من الباحثين والمهتمّين، وشخصيات فكرية وسياسية وأكاديمية، وذلك في قاعة الندوات في المركز.
استراتيجية تسميم «هدية» ترامب
قدّم للندوة الإعلامي حسن شقير الذي استهلّ كلامه بسؤال: «وماذا بعدْ؟ وما الذي تنتظرُه فلسطين في مقبل الأيام؟ فها هو المتزلّفُ الأكبر في هذا العالم، قد نفذ بالأمس ما وعد به شعبويّيه من الناخبين، ومعهم المتصهينين في إدارته، وقبل هؤلاء وأولئك.. الكيان الصهيوني، ولوبيات الضغط عندَه من إيباك وغيرها ممن يعتقدُهم فعلاً، بأنهم طوقُ النجاة للإستمرار في رئاسته، والنفاذ من محاسبته…
وماذا بعدُ أن عمَّدت مسيرةُ العودة الكبرى إلى فلسطين، بدماء أطفالها ونسائها وشبيها وشبابها، معلنةً على الملأ، بأنّ سبعين عاماً وما يزيد على نكبتهم، وسبعين عاماً وما يزيدُ على تضحياتهم، وسبعين عاماً على تعرّضهم لأبشع المؤامرات والظلامات على قضيتهم، وعلى الرغم من كلِّ هذا وذاك، فإنّ ذلك لم يزدْهم إلاّ إصراراً وتمسكاً بكلّ ذرةٍ من تراب فلسطين، كلّ فلسطين، ومن البحر إلى النهر.
لم يكتفِ ساكنُ البيت الأبيض، بتنفيذ وعوده التي قطعها لناخبيه، بأنه سيكونُ أباً للوظائف التي ينتظرونها، وبأنه سيكونُ حالباً لأضرع بقرات الخليج السمان، ولم يتوقفْ، للحظةٍ عن محاولاته لإبراز نفسه، بأنه رئيسٌ حقيقي، وليس صدفوي.. ولم يكتفِ، بالجرأة والتجرّؤ على القدس، إنما تعدّاها، إلى فلسطين بكليتها، وذلك عبر مبادرته الشهيرة بـ «صفقة القرن».
وماذا بعدُ؟ فها هو ترامب، وبطروحاته السياسية في المنطقة والعالم، يضعُ فلسطين وقضيتَها أمام لحظة الحقيقة الساطعة، وعلى مفترق الطرق الأخير، فمع انسحابه من الإتفاق النووي مع إيران، ومحاولات فرضه عليها، ما كانت رفضته مسبقاً مع أوباما، وذلك في إعادة المطالبة بما يخشاه الصهاينة حقيقةً، في عدم ربط السلال النووية وغير النووية بعضها ببعض، وما يعنيه ذلك من هلعٍ على أمنهم المنشود.
وها هو – أيّ ترامب نفسه – يكشف غطاءَ الخيانة – عمداً وبدون أيّ خجل – عن وجوه بعض الأنظمة العربية المتخاذلة، وذلك في حشرها وتخييرها بين طريقين، لا ثالث لهما، فإما التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإسقاطهم لقضية فلسطين من حساباتهم، وبشكل كلي، لا بل وتحويلها مع الكيان الصهيوني إلى عصا، تضرب المتمسكين بهذه القضية، وإما أنه سيقوم برفع الحماية عنهم.. وهؤلاء يعلمون علم اليقين مقاصد ترامب الحقيقية، وذلك بجعل عروشهم نسياً منسياً، لأجل علمهم، بواقعية تلك المعادلة الشهيرة، والتي أُبرمت في أربعينيات القرن الماضي، والتي تتلخص بأنها ليست قائمةً على البقاء في السلطة مقابل الثروات فحسب، إنما البقاء في السلطة مقابل استمرار الدور الوظيفي أيضاً.
وتابع شقير: «مع إطلاقِ ترامب لوعده المشؤوم حول القدس، واعتبارِ الصهاينة لهذا الحدث، بأنه «هديته» لهم، طرحنا يومها استراتجية، تسميمها، حتى يفكر أولئك الصهاينة بإرجاعها وها هم، ومن يراهن عليهم من شعب فلسطين، يفعلون ذلك بلا كلل ولا ملل، فهذا عهدنا بهم ومع إطلاق ترامب لموجاته العدوانية المتتالية نحو المنتصرين الحقيقيين لقضية فلسطين برمّتها، من إيران، إلى سورية، وإلى كلّ حركات المقاومة على أرضها، وفي الإقليم، فإنّ الرهانَ على شعب فلسطين وفصائله المقاومة – ليس فقط على تسميم هديته الأولى – فحسب، إنما الرهان على هؤلاء اليوم، ومن خلالهم أيضاً، للعمل على تسميم المشروع الأخطر في استراتيجيته الحالية والقائمة على إبعاد حلفاء فلسطين وداعمي أبنائها عنها، وذلك منعاً لتجسيد سياسته في إمكانية استفرادها.. أليست استراتيجية الاستفراد عنواناً لسياساته في العالم…؟
منعطف خطير
أما الدكتور الطاهر فاستهلّ كلامه بالإشارة إلى التحديات الغير مسبوقة التي تمرّ بها المنطقة والمنعطف الخطير الذي يتطلب مواقف ذات طبيعة إستراتيجية، ليقول: «نحن أمام تحديات غير مسبوقة لم نشهدها على هذا النحو منذ عام 1948، وهذه المرحلة دقيقة وخطيرة وتستدعي من الجميع اتخاذ مواقف ذات طبيعة استراتيجية، حيث أنّ الأميركي ومن يخضع له يرى أنه اليوم أمام فرصة ذهبية قد لا تتكرّر للعمل على تصفية القضية الفلسطينية ومن هنا يأتي ارتباط القضية بالظروف العربية والإقليمية المحيطة إلا أنها مرتبطة بشكل أساسي بالشعب الفلسطيني ومقاومته ومقدرته على مواجهة المخاطر الغير مسبوقة التي تحيط بدولته وقضيته. في مرحلة سابقة كانت الرجعية العربية تلعب دورها التاريخي السلبي بشكل غير معلن لكن اليوم بات هذا الدور علنياً وواضحاً وفوق الطاولة، حيث لم تخجل هذه الأنظمة الرجعية من المجاهرة بتطبيعها مع العدو، لا بل إنها تسعى لحرّف البوصلة بشكل علني ووقح».
وأضاف في إطار متصل: «معسكر العدو هو الامبريالية والاستعمار والرجعية العربية ويربط هؤلاء ببعضهم المصالح المشتركة، لا بل إنّ الأنظمة العربية قدّمت المليارات لما سُمّي بالربيع العربي ولو دُفِع هذا المال لتحرير فلسطين كنا رمينا المحتلّ في البحر. الإدارات الأميركية المتعاقبة تاريخياً هي معادية للشعب الفلسطيني ولم تخجل يوماً من موقفها والذي تبدّل الآن وفي هذه المرحلة المفصلية أنّ أميركا خلعت القفازات ورفعت منسوب التحدي والاستفزاز. والدول العربية التي تساند القضية الفلسطينية لديها الكثير من الهموم التي تشغلها، سورية تحارب الإرهاب وكذلك العراق واليمن تواجه العدوان السعودي .. أما في ما يتصل بالموقف التركي فهو إيجابي ظاهرياً ولكنه فعلياً لا يخدم القضية الفلسطينية حيث أنّ ما تفعله تركيا هو ضرب سورية والسعي إلى احتلال جزء كبير من أراضيها من هنا أرى أنّ الدور التركي لا يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية».
وتابع الطاهر: «إيران تتعرّض لضغوط هائلة وبرأيي أنّ جوهر الصراع لا ينفصل على القضية الفلسطينية، والضغوط الأميركية على إيران ليست وليدة المرحلة إنما هي حاضرة منذ انتصار الثورة فيها، ويصل الأمر إلى حدّ تسليط الضوء على أيّ حدث عادي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سبيل المثال لا الحصر فإنّ أيّ تظاهرة تحصل في إيران ولو كانت ضمن إطار مطلبي عادي يتمّ عرض الأمر على مجلس الأمن مع العلم أنّ ايّ بلد متحضّر تحصل فيه تظاهرات. والآن أتى قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي بما يضمّ من مصالح مشتركة وتنازلات متبادلة كنوع جديد من الضغط على القيادة الإيرانية لتغيير موقفها من فلسطين، إذاً مشكلة الأميركية الفعلية هي من قوة إيران وصلابة موقفها، والانسحاب من الاتفاق ما هو إلا محاولة لتعديل شروطه لتصبح القضية الفلسطينة ومسألة المقاومة محلّ بحث حيث يظنّ ترامب أنّ قراره هذا يضعف الدور الإيراني في المنطقة، لكن باعتقادي أنّ ما يقوم به ترامب وإدارته ما هو إلا دليل ضعف لأنّ هذه الإدارة تدرك أن محور المقاومة يزداد قوة».
سورية والصمود الأسطوري
وعرض الطاهر للعوامل الإيجابية المتصلة بالمشهد الإقليمي بدءاً من الصمود الأسطوري لسورية في مواجهة الإرهاب ومخطط التقسيم مروراً بتصاعد التأثير الإيراني على الصعيد العسكري وصولاً إلى قوة حزب الله والفشل السعودي في لبنان وسورية واليمن: «القيادة السورية كانت ولما تزل داعمة للقضية الفلسطينية وسورية صمدت صموداً بطولياً وأسطورياً في وجه الهجمة الكونية عليها مع العلم أنّ حجم التآمر الذي حصل على سورية غير مسبوق، أضف إلى ذلك أنها قلبت المعايير وخلقت معادلات عسكرية جديدة وهذه استراتيجية مختلفة، قرار التصدي الذي شهدناه أضعف العدو الذي حاول أن يخفي الحقائق حتى عن الرأي العام الإسرائيلي ولكنه لم ينجح في ذلك.
والصمود السوري ينسحب على إيران التي يتصاعد تأثيرها العسكري والتكنولوجي في المنطقة، وبالتالي لم تتمكن القوى المعادية من ضربها وإضعافها، وما تفعله «إسرائيل» الآن هو محاولة دفع أميركا لشنّ حرب على إيران لأنها لا تستطيع أن تخوض هذه الحرب وتريد من يقاتل عنها .. مع العلم أنّ أميركا حين أعطت الأولوية لـ»إسرائيل» إنما فعلت ذلك على حساب مصالح حلفائها. وفي مقابل كلّ هذا هناك المأزق الذي وقعت فيه أنظمة الرجعية العربية التي لا يمكنها مواجهة «إسرائيل» ومصالحهم تحتم عليهم حرف البوصلة عن العدو الحقيقي بحيث يصل الأمر بأن يؤيد وزير خارجية البحرين العدوان الصهيوني على سورية.
أضف إلى كلّ ما تقدّم من العوامل الإيجابية تحوّل حزب الله إلى قوة حقيقية خلقت معادلات ردع جديدة وهذا لم يكن محسوباً إذا كانت الصورة العامة أنّ لبنان بلد ضعيف ولكن اليوم تغيّر الوضع بشكل ملحوظ. وفي مقابل كلّ ذلك رأينا الفشل السعودي سياسياً في لبنان وعسكرياً في اليمن وسورية وهذا كله يصب في مصلحة محور المقاومة».
الحرب الشاملة… أم الضغوط الإعلامية؟
وأكد الطاهر أنّ فرضية الحرب الشاملة ضعيفة، وفي ما يتصل بفلسطين يبقى الرهان على صمود الشعب الفلسطيني: «مما تقدّم نطرح السؤال إذا ما كنا سنذهب إلى حرب شاملة؟ من وجهة نظري أرى أنّ الأمور تتفاقم وتصل إلى حافة الهاوية ولكن لن تصل إلى حرب شاملة لأنّ صعود محور المقاومة ومعه الصين وروسيا ودول «بريكس» يحول دون ذلك. الصراع بات على مستوى عالمي ونحن في زمن الانتقال من مرحلة القطب الواحد إلى ما يسمّى تعدّد الأقطاب، لا بل هو صعود الشرق وتراجع الغرب، وكلّ ما نشهده من تصعيد ما هو إلا ضغط إعلامي لا يخلو من استعراض هش للقوة».
وختم الطاهر: «الكيان الصهيوني يرى نفسه في وضع مريح نسبياً جراء موقف ترامب وما شهده من الأنظمة العربية والانقسام الفلسطيني، لكن في نفس الوقت فإنّ هذا الكيان لديه قلق عميق من ثبات وتنامي محور المقاومة، أضف إلى ذلك حجم تضامن الرأي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني جراء ما يتعرّض له من قتل واعتقال فقد نجحت حملات المقاطعة والإعلام المقاوم من إيصال الصورة الحقيقية لما يجري في فلسطين إلى العالم. ويبقى الرهان على صمود الشعب الفلسطيني وكما قال السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إذا لم يوقع الجانب الفلسطيني على تصفية القضية لن يتمكن أيّ أحد مهما استكبر من تصفيتها.