القمة الإسلامية حول فلسطين خطابات… وروحاني يدعو ليوم القدس… وباسيل للمقاومة التحرّك السعودي الإماراتي لتشكيل أغلبيات معادية للمقاومة يفشل في لبنان والعراق
كتب المحرّر السياسي
فيما تتواصل تردّدات المواجهة الفلسطينية مع جرائم كيان الاحتلال، جاءت القمة الإسلامية التي دعا لعقدها الرئيس التركي من جهة خطوة فاضحة للغياب العربي الذي جسّدته سطحية مؤتمر وزراء الخارجية وضعف الموقف فيه، وتكراراً لحال الضعف في العالم الإسلامي الذي ليس بحال أحسن من الوضع العربي بالحسابات التي تحكم قرارات حكوماته، فتحوّلت القمة لمنبر بكائيات على فلسطين والقدس دون التطرق لأيّ خطوات عملية أو مواقف جذرية. فالعاجزون عن معاقبة أميركا وقطع العلاقات معها بدوا عاجزين أيضاً عن معاقبة غواتيمالا التي تبعت واشنطن بنقل سفارتها إلى القدس. وكانت الدعوة التي أطلقها الرئيس الإيراني لتحويل الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كيوم عالمي للقدس إلى يوم تعمّ فيه التظاهرات عواصم العالم الإسلامي، والمغتربات التي يستطيع المسلمون التجمّع والتحرك فيها لأجل القدس وفلسطين، الدعوة العملية الوحيدة التي شهدها المؤتمر، بينما كان موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالنيابة عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعوة لدعم خيار المقاومة كخيار وحيد يُعيد الحقوق بالقوة من كيان غاصب لا يفهم إلا لغة القوة، الموقف الوحيد الذي يلاقي التحديات التي تواجه فلسطين والفلسطينيين.
الحكام العرب الذين تقودهم السعودية وتعاونها دولة الإمارات كانوا في موقع اهتمام آخر. فالقضية التي شغلت بالهم هي كيفية إدارة الانتخابات النيابية والتحالفات الانتخابية في لبنان والعراق بما يوفر فرص تشكيل أغلبية تتيح محاصرة المقاومة، وقواها ورموزها. وبعد الفشل الذريع في لبنان مع صدور النتائج وما أظهرته من حصانة للمقاومة عبر حلفائها وما نالته قواها، توجّهت الجهود السعودية الإماراتية إلى العقوبات المنسّقة مع واشنطن لتفكيك هذا التحالف الحاضن للمقاومة، لتلمس السخرية اللبنانية من مفاعيل هذه العقوبات، ويسقط الرهان على فتنة تخرّب العلاقة بين حليفي المقاومة حركة أمل والتيار الوطني الحر، فتسير العلاقة بينهما مجدّداً نحو ترميم ما تصدّع في الحملات الانتخابية، ويصير رئيس الحكومة سعد الحريري محاصراً بخطوط حمراء يضعها حلف تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة ممثلاً بالقوّتين الأهمّ لهذه التسمية، التيار الوطني الحر وحركة أمل، وفي رأس هذه الخطوط سلاح المقاومة.
بينما في العراق انتهت محاولات جذب رئيس الحكومة حيدر العبادي لمحور عزل الحشد الشعبي بالفشل، خصوصاً مع مخاطر تفكك تكتله الانتخابي إذا سار في هذا الخيار. وصار العنوان للحكومة الجديدة هو توافق يضمّ الجميع بنسب تمثيلهم في الانتخابات، واضطر السيد مقتدى الصدر الذي كان يدعو لحكومة تستثني إئتلاف «دولة القانون» وتكتل «الفتح» الذي يمثل الحشد الشعبي، إلى التراجع عن دعوات العزل وقبول المشاركة في حكومة وفاق، طالباً أن تكون حكومة تكنوقراط لحفظ ماء الوجه.
تآكل الرهانات المناوئة للمقاومة تجسّد لبنانياً بموقف نافر لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي ظهر أنه وحده من يريد الالتزام بدفتر الشروط الأميركي الخليجي للحكومة الجديدة، معتقداً أنه قادر بكتلته النيابية الجديدة مع زيادة عدد أعضائها فرض معادلة سياسية وحكومية جديدة، بينما توقعت مصادر متابعة للعلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر، عودة المواجهة بين الطرفين إلى الواجهة مع تبلور الخطاب الاستفزازي لجعجع، ومطالبه الحكومية غير الواقعية، ومحاولته توظيف وضعيته الجديدة للتمدّد على حساب التيار وزعامته المسيحية.
جعجع رأس حربة الحرب على المقاومة
في أوج الضغط الدولي على حزب الله واستمرار مسلسل العقوبات الأميركية الخليجية على قيادة المقاومة، بدا واضحاً تماهي رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع مع حرب العقوبات على الحزب وتشويه صورته والتصويب على سلاحه. وقد قدّم جعجع أمس، أوراق اعتماده للخارج قبيل تشكيل الحكومة العتيدة وأعلن أنّه سيستغلّ موقفه القوي «كتلته النيابية» «للضغط من أجل وضع سلاح حزب الله تحت سيطرة الحكومة»، وقبل الدعوة الى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة، حدد جعجع حجمه الوزاري، تبعاً لحجمه النيابي الجديد بحسب قوله وقال: «لدينا الآن في الحكومة الحالية أربعة وزراء وحكماً من بعد الانتخابات النيابية يجب أن يزيد العدد ومن حقنا الحصول على واحدة من الحقائب السيادية».
أما اللافت فهو دخول جعجع على خط العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله وتشكيكه بالتحالف بينهما، لا سيما أنه كان يتحدّث الى وكالة عالمية، حيث أراد أن يظهر للرأي العام بأن المسيحيين في لبنان ليسوا جزءاً من الغطاء السياسي الداخلي لسلاح حزب الله وقال جعجع: «إن «التيار الوطني الحرّ ليس حليفاً حقيقياً للحزب وإن دعمه لسلاحه كان كلامياً كما أن العلاقة القائمة الآن بين التيار الوطني الحر وحزب الله هي علاقة عادية لا أكثر، باعتبار أنهما ليسا في حالة خصام سياسي ولكن أيضاً ليسا بحالة تحالف سياسي فعلي». ولم تعلّق أوساط قيادية في التيار الوطني الحر على كلام جعجع، واكتفت في حديث لـ «البناء» بالقول كلام لا قيمة سياسية له ولا يُعوَّل عليه، فجعجع يحاول التلاعب بجو المناصرين، ويبدو أن لقاء الرئيس ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الممتاز، كما وصفه بري، قد استفزّه كثيراً.
جعجع الذي التقى أمس، في معراب السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد، وضع أولويته في المرحلة المقبلة وهي سلاح حزب الله، ما يجعله بحسب مصادر سياسية «رأس الحربة في الحرب على المقاومة وسلاحها التي تتعرّض لأعنف حرب خارجية»، مشيرة الى أن «هذه الحملات لن تؤثر على المقاومة ولا على بيئتها ويجعلها تتمسك أكثر بسلاحها وبالمعادلة الثلاثية الجيش والشعب والمقاومة لحماية لبنان وتثبيت وتكريس المقاومة في البيان الوزاري لأي حكومة»، مشدّدة لــ «البناء» على أن «الأكثرية الشعبية تؤيد المقاومة. وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات النيابية وأي رئيس مكلّف وأي تشكيلة حكومية وبيان وزاري وسياسات داخلية وخارجية يجب أن تنطلق وتستند على هذه التوازنات النيابية الجديدة لا على الإملاءات والشروط الخارجية».
لا استراتيجية دفاعية بلا المقاومة
وأشار مصدر نيابي وعسكري لـ «البناء» الى أن «الحديث عن سلاح المقاومة في الإعلام هدفه إثارة هذا الموضوع خدمة لأهداف خارجية وليس مصلحة لبنانية، وبالتالي الضغط على الرئيس المكلف ووضع عقبات وشروط أمام تشكيل الحكومة الجديدة»، ولفت الى أن «طرح ملف السلاح خارج النقاش في الاستراتيجية الدفاعية التي وعد رئيس الجمهورية بطرحها على طاولة حوار بعد الانتخابات يحمل أهدافاً مشبوهة». وأوضح أن «الاستراتيجية الدفاعية الجديدة للبنان التي يشارك بصياغتها كل القوى السياسية هي التي تحدد دور المقاومة في المرحلة المقبلة وليس رئيس حزب سياسي معروف بعلاقته وتبعيته للمحور الأميركي الخليجي الاسرائيلي الذي يعمل للقضاء على المقاومة ونزع سلاحها». وتساءل المصدر: كيف نضع سلاح المقاومة بإمرة حكومة رئيسها وبعض أطرافها مرتهنون لقرار السعودية والولايات المتحدة حليفة «إسرائيل»؟ جازماً بأن «أي استراتيجية دفاعية لا تثبت دور المقاومة فيها ساقطة حكماً».
ودعا المصدر الى انتظار الاستشارات النيابية وموقف الكتل من تكليف الرئيس المقبل ووفق أي رؤية سياسية واقتصادية. وهل سيخضع الرئيس المكلف للإملاءات الأميركية الخليجية ويضع سلاح المقاومة أولويته؟ لافتاً الى أن «أي رئيس حكومة يتبنّى الشروط الخارجية هو جزء من المؤامرة الخارجية على المقاومة وعلى لبنان وشريك بتهديد الاستقرار الداخلي».
وكان لافتاً الحملة الإعلامية على حزب الله التي أعقبت صدور قرارات العقوبات الأميركية الخليجية، وقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس، بأنها تعرّفت على شخصين مرتبطين بحزب الله، وهما عبدالله صفي الدين ومحمد بزي ادعت بأنهما الممولان الرئيسيان لحزب الله والوسيطان بين الحزب وإيران.
الدولة إلى البقاع دُرْ: الأمن أولاً
في غضون ذلك، وبعد انتصار المقاومة وخياراتها في المعركة الانتخابية في دائرة بعلبك الهرمل، ونسبة الاقتراع المرتفعة للائحة الأمل والوفاء التي جاءت كاستفتاء للمقاومة، عاد البقاع الى الواجهة، من بوابة اهتمام الدولة التي خصصت اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس، في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لبحث الأوضاع الأمنية في البقاع عموماً وبعلبك خصوصاً، وقرّر المجلس اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لتعزيز الامن فيها، وأوصى مجلس الوزراء تنفيذ المشاريع الإنمائية الخاصة هناك.
وأبدت مصادر نيابية بقاعية ارتياحها للتوجّه الجديد الذي يبديه رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة الأمنية بالوضع الأمني والإنمائي في البقاع، مشيرة لـ «البناء» الى أن «كتلة الأمل والوفاء مستعدّة للتعاون وتلقف البادرة الإيجابية للدولة. وهذا كان مطلبنا بأن تتولى الدولة الأمن والإنماء كسائر المناطق، لكن الأحداث السياسية والأمنية التي شهدها لبنان ومنطقة البقاع خصوصاً لا سيما منذ اندلاع الأحداث في سورية حالت دون تركيز الدولة على هذه المنطقة»، وأشارت الى أنه «وبعد استباب الأمن والاستقرار بات من واجب الدولة إيلاء هذه المنطقة الاهتمام اللازم». وأضافت: «البقاع يحتاج إلى الأمن أولاً ثم الإنماء، إذ إن التنمية وإنشاء مشاريع استثمارية تحتاج الى استقرار أمني. وهذا الاستقرار بدأ مع القضاء على التنظيمات الإرهابية ويجب أن يستكمل بملاحقة المخلين بالأمن». ولفتت الى أن «تحقيق الاستقرار الامني يحصن المقاومة إذ إن الإخلال بالأمن والفساد يتفشى داخل بيئة المقاومة التي أصابها التململ وأخذت تطالب حزب الله وأمل بضبط الأمن. الأمر الذي لا يمكن للحزب والحركة القيام بأمر من مسؤولية الدولة».
وسبقت اجتماع الدفاع الأعلى خلوة بين رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء.
وأكد رئيس الجمهورية أن الاستقرار في لبنان سوف يستمرّ على رغم ما يجري من أحداث إقليمية، «لأن القيادات اللبنانية متّفقة على تحييد لبنان عمّا يجري في جواره، وأنّ المجتمع الدولي مدعو الى دعم الارادة اللبنانية في هذا الاتجاه». وأشار عون خلال استقباله المسؤول الفرنسي جيروم بونافون الى أن «مرحلة ما بعد الانتخابات ستشهد تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، سيكون في مقدّمة اهتماماتها المضي بالإصلاحات المنشودة على مختلف الصعد ومكافحة الفساد وتنفيذ خطة اقتصادية تحقق النهوض المنشود».
وجدّد الرئيس عون تأكيد أن لبنان الذي يلتزم القرار 1701 للمحافظة على الاستقرار في الجنوب وعدم حصول عمل عسكري على الحدود، يواجه يومياً خروقاً اسرائيلية وانتهاكات لسيادته براً وبحراً وجواً، ما يؤكّد عدم التزام «اسرائيل» احترام ارادة المجتمع الدولي في المحافظة على الاستقرار على الحدود اللبنانية، «وهذا ما لا يمكن للبنان القبول به او التغاضي عنه». وطالب الرئيس عون فرنسا بأن تلعب دوراً فاعلاً لتسهيل عودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سورية، لافتاً الى التداعيات التي يتحمّلها لبنان نتيجة هذا النزوح المستمر منذ العام 2011، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وإنسانياً».
الحريري: لا علاقة لاستقالة نادر بالانتخابات
إلى ذلك، بقي استبعاد مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري يثير التساؤلات والشكوك حول دور السعودية في ذلك، وقال الحريري أمس، خلال اجتماع المكتب السياسي لتيار المستقبل في بيت الوسط: «نادر الحريري ليس فقط أخي، إنه دمي، وقصته لا علاقة لها بموضوع الانتخابات. أما أحمد الحريري فهو أنا»، ما يؤكد بأن إقالة نادر الحريري جاءت بقرار سعودي ولأسباب سياسية وليس بقرار من الحريري بسبب نتائج الانتخابات. الأمر الذي يدعو للتساؤل عما إذا كانت إقالة نادر الحريري مؤشراً على اقتراب الحريري من السياسة السعودية وابتعاده عن الرئيس عون في المرحلة المقبلة!
وأكد وزير الثقافة الوزير غطاس خوري أن «نادر الحريري كان يريد التنحّي ولا علاقة له بما حصل مع تيار المستقبل»، مشيراً الى أن «أي أحد إن كان نادر أم غيره نعمل بتوجيه من رئيس الحكومة سعد الحريري. والاتفاق تمّ لأن هناك توجهاً سياسياً أخذه تيار المستقبل». كما نوّه الى أن «الحريري سيتعامل مع رئيس الجمهورية بالفعالية نفسها لصالح البلد اذا سمي رئيساً للحكومة»، موضحاً «اننا نتعامل مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على أنه قوة سياسية في البلد وأنه فاز بالانتخابات النيابية».