لندن: «الجيش الحر» يلفظ أنفاسه في حلب وحمص الشمال ينفجر على «ساعة الميقاتي» لـ«إمارة الساحل»
كتب المحرر السياسي:
نشرت الصحف البريطانية تقريراً أمنياً يتضمّن قراءة لمستقبل الصراع في سورية، كان أبرز ما فيه قد نقلته «الدايلي بيست» عن اقتراب لحظة النهاية للرهان الأميركي على قوة سوريّة معارضة مقاتلة، تقف في وجه الدولة السورية وجيشها، وليست جزءاً من تشكيلات «داعش» و«النصرة»، ويقول التقرير إنّ معارك حلب هي الأهم في تقرير مصير هذا الرهان، حيث يتلقى «الجيش الحر» الهزيمة الحاسمة التي ستعلن نهايته المأسوية، مع اكتمال الدائرة التي يرسمها انتشار الجيش السوري حول مدينة حلب، وبدء الانهيارات في صفوف مسلحي الأحياء، الذين بدأوا مفاوضات شبيهة بتلك التي انتهت في حمص قبل أشهر، والتي تدور مثلها في ما تبقى من أحياء حمص وخصوصاً حي الوعر، فيما يبدو أنه نتاج خطة عسكرية للجيش السوري، بتأجيل حربي الشمال والجنوب، إلى حين الانتهاء من حروب الوسط، الممتدّ على مساحة المدن الكبرى من دمشق إلى حمص وحماة وصولاً إلى حلب ومعها الساحل طبعاً، وأرياف هذه المدن والطرق الموصلة بينها، ليتحرّر عندها نصف الجيش من مهامه ويصير جاهزاً للتفرّغ لحربي الحدود التي يتداخل فيها المحلي بالدولي والإقليمي.
وفيما ينحصر القتال تدريجاً في سورية، ليرسو قبيل نهاية العام وفقاً للتقديرات البريطانية، عند الشريطين الحدوديين الشمالي والجنوبي، كان لبنان ينفجر شمالاً، على توقيت «داعش» و«النصرة» ببلوغ نقطة على ساحل البحر المتوسط، تحدث عنها قائد الجيش العماد جان قهوجي، بناء على معلومات موثقة، فوصف البعض كلامه بالمبالغة، كما يوم نبّه من خطورة الخلايا النائمة، ساعة أبي بكر الميقاتي التي عطلها توقيفه في الضنية، شغلها شادي المولوي في أزقة أسواق طرابلس، وصولاً إلى باب التبانة وانتهاء ببحنين في المنية، حيث وضع الجيش يده على مستودعات للسيارات المفخخة، والعبوات والذخائر، على رغم تعرّضه لنيران المسلحين وتكبّده خسائر بدماء جنوده وضباطه، من شهداء وجرحى.
المعركة تبدو مفتوحة على رغم الحديث عن مبادرات، فلا القيادة العسكرية للمسلحين بيد أصحاب المبادرات، سواء المفتي مالك الشعار أو الوزير أشرف ريفي، ولا حتى «هيئة علماء المسلمين»، القيادة المتمثلة ميدانياً بشادي مولوي وأسامة منصور، تتصرف بوحي التزامها لقيادة الخارج التي تحدث بالنيابة عنها أبو مالك التلي مع المولوي، وضبطت مكالمته وما فيها من تشجيع على الصمود بانتظار متغيّرات، كما بوحي معرفتها بأنّ مصيرها محتوم إذا انتهت المعركة لمصلحة الجيش، أما القيادة الخارجية فهي تشجع على التصعيد عموماً، وترى وفقاً لما لدى قيادة الجيش من معلومات، أنّ معركة المنفذ البحري راهنة ولا تحتمل التأخير، لأنّ التواصل مع المجموعات المنتشرة في جرود عرسال القلمون محكوم بظروف المناخ والطقس، الذي يضغط يوماً عن يوم لاندفاعة جديدة سيعطيها القتال في الشمال المزيد من الأمل والفرص.
قيادة الجيش في المقابل، ترى أنّ التدخلات السياسية لا تفعل شيئاً سوى الإرباك، فالحرب مفتوحة، والجيش يقوم بمهامه وفقاً لتكليفه الدستوري، وخضوعه للسلطة السياسية مقيّد بحدود قرار الحكومة بالمواجهة مع الإرهاب وتكليف الجيش حفظ الأمن، أما القرارات العسكرية الميدانية والتكتيكية، فتخضع لحسابات الميدان، ولا يجوز عندما يشعر المسلحون بالضيق ويحركون الوسطاء، أن تتحوّل الدولة وقادة المؤسسات الحكومية إلى آلات ضغط على الجيش، للاستجابة لطلبات وقف النار ومنح المسلحين الفرص لإعادة تنظيم أوضاعهم، وتركهم وهم يملكون مبادرة التحرك لنصب كمائن توقع الخسائر، أو القيام بخطف عسكريين، وتكرار تجربة عرسال التي جاءت كلّ مراراتها، لأنّ الجيش لم يترك يقرّر وحده ووفقاً لحسابات المعركة الخطوات المناسبة.
وكانت الاشتباكات تواصلت بين الجيش والمجموعات الإرهابية في طرابلس، وسط دعم كامل من السلطة السياسية للقوات المسلحة وقوفها في المعركة التي تخوضها لاستئصال الإرهاب، بحسب ما أبلغ رئيس الحكومة تمام سلام قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال اتصال هاتفي مساء أمس.
قيادة الجيش: لا وقف لإطلاق النار
وفيما حاول بعض الجهات في طرابلس ولا سيما وزير العدل أشرف ريفي و«هيئة علماء المسلمين» التوصل إلى إرساء هدنة وتسوية تحت شعار «هدنة إنسانية»، أكدت قيادة الجيش «أن لا صحة للمعلومات التي ترددت عن مساع لوقف إطلاق النار وإخراج المسلحين»، مؤكدة أن «الجيش مستمر في عملياته العسكرية حتى القضاء على كل عمل إرهابي».
ومن جهة أخرى، أجلى الجيش السكان من بعض الأحياء، وطلب من أهالي بلدة بحنين في المنية عدم التجول بعد الثامنة ليلاً، وفق ما أفادت مصادر طرابلسية «البناء». كما دخلت سيارات الإسعاف لنقل المصابين.
وأطلق مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار مبادرة تقضي بإطلاق المسلحين المؤهل في الجيش المخطوف فايز العموري، وانسحابهم من الشوارع وتأمين ممرّ آمن.
وأشارت مصادر طرابلسية لـ«البناء» إلى «أن وزير العدل يريد من تطبيق هدنة إنسانية تكرار مأساة عرسال التي أدت إلى وقوع 40 عنصراً من الجيش والقوى الأمنية رهينة بيد المخطوفين، وتهريب من يريد تهريبه من المسلحين، بذريعة إخراج المدنيين.
وعلمت «البناء» أن العماد قهوجي أبلغ الرئيس سلام خلال لقائه أمس أن الجيش لن يكون مرة جديدة ضحية التسويات السياسية، فإما أن يتصرف في طرابلس وفق ما يمليه عليه واجبه الوطني أو ينسحب إلى مشارف المدينة». وشدد قهوجي خلال اللقاء على «أنه لن يقبل بعد الآن بحلول نصفية، ولن يكرر مأساة عرسال مرة جديدة في طرابلس».
بري: الأمن بالحزم وبالقوة
وكانت الاتصالات تكثفت على أرفع المستويات في الساعات الماضية في ظل تفاقم الموقف في طرابلس. وعلمت «البناء» أن هذه الاتصالات، صبت في خانة دعم الجيش واستمرار عملياته لاجتثاث الإرهاب والإرهابيين من عاصمة الشمال.
وواكب رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذه الاتصالات، وهو أكد أمام زواره مساء أمس أن الأمن يكون بالحزم وبالقوة. ولفت إلى أن العلة ليس بالمدنيين والعسكريين بل ببعض السياسيين، رافضاً التعرض للجيش الذي يخوض معركة الإرهاب.
وفي سياق متصل، علمت «البناء» أن العماد قهوجي كان أطلع بري أول من أمس على نتائج زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه لمس لدى المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم، استعداداً لتزويد الجيش بكل ما يطلبه من هبة المليار دولار المقدمة من السعودية، بما في ذلك طائرة قاذفة. أما بالنسبة لهبة الثلاثة مليارات دولار التي يفترض أن تزود بها فرنسا الجيش اللبناني بالأسلحة، لا يزال الغموض يكتنفها.
وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أشار إلى أن «هناك مشروع فتنة خطير وكبير كان يحضر له في طرابلس والشمال»، معتبراً أن «الموقف يتطلب حسن إدارة وحكمة ومتابعة».
وأضاف خلال إحياء الليلة الأولى من عاشوراء في مجمع سيد الشهداء في الرويس أول من أمس: «بعض الذين وجهوا التهديدات قبل أيام وقالوا إنهم يريدون أن يستهدفوا المجالس، هم يخوضون حرباً نفسية وإن كانت بعض وسائل الإعلام تعينهم على ذلك، لكن هذا لا يخيفنا ولن يحول بيننا وبين حسيننا»، وتابع: «لكن علينا أن نتعاون في مواجهة هذا التهديد بمعزل عن حجمه وجديته».
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» إلى أن الوضع في طرابلس خطير، والجيش يتعرض لجرائم كبرى لا سيما في بحنين»، وشدد على أن الجيش يتجه إلى الحسم عسكرياً وهو يحظى بغطاء كامل من رئيس الحكومة تمام سلام والقوى السياسية».
وفي السياق ذاته، اعتبرت أوساط معنية بالوضع في طرابلس أن ما وصلت إليه الأمور في المدينة سببه تغطية البعض للمسلحين هناك وعدم اتخاذ الآخرين مواقف جدية تغطي إجراءات الجيش بل استمر هذا الفريق في مواقفه المتذبذبة على غرار ما صدر من مواقف أمس من بعض فعاليات طرابلس.
وكانت الاشتباكات تجددت بعنف أمس، وتحديداً في محاور سوق الخضار، سوق القمح، البيسار وساحة الأسمر، المحرم جامع حربا، وصولاً إلى شارع سورية بين الجيش والمسلحين الذين يقودهم المطلوبان شادي المولوي وأسامة منصور.
كما ارتفعت حدة الاشتباكات في منطقة بحنين المحمرة الاستراتيجية التي تربط المنية بعكار وتربط الشمال بسورية. وتمكن الجيش من إخلاء بعض المربعات الأمنية واعتقل العشرات من الإرهابيين الذين سقط منهم أيضاً عشرات القتلى والجرحى فيما استشهد للجيش 8 عسكريين بينهم ضابطان.
وأشارت مصادر عسكرية لـ«البناء» إلى أن الجيش أثبت في المعركة التي يخوضها في طرابلس حرفية وجدارة عالية المستوى»، لافتة إلى «أن هذا المشهد إذا استكمل سيحقق إنجازات كبيرة في الشمال، ستنعكس على كل لبنان وتحديداً على عرسال».
و«النصرة» تبتز…
وفيما خطفت مجموعة المولوي مؤهلاً في الجيش مطالبة بوقف الاشتباكات في طرابلس للإفراج عنه، دخلت «جبهة النصرة» على هذا الخط في محاولة للابتزاز من أجل دفع الجيش إلى وقف المعركة، وذلك من خلال تهديدها المفاجئ بإعدام أحد العسكريين المخطوفين لديها، لكنها عادت وأرجات تنفيذ الإعدام، بحسب بيان لها.
وفي حين قالت مصادر «هيئة علماء المسلمين» لـ«البناء»: «أن جبهة النصرة تراجعت عن قرار إعدام العسكريين بناء على طلبها»، اعتبرت مصادر أمنية لـ«البناء»، «أن قضية العسكريين باتت مرتبطة بنتائج ما يحدث في طرابلس».
لكن الجبهة عادت وأعلنت في بيان انه «نظراً إلى عدم استجابة الجيش اللبناني لشروطنا قرّرنا تنفيذ حكم القتل بحق الجندي علي البزال عند الساعة الخامسة من فجر اليوم».
كما قررت ادراج اسم الجندي المخطوف جورج خوري كورقة ضغط من اجل استدراج الوضع الداخلي في لبنان»، مطالبة «علماء اهل السنة الذين لهم دور في تحريض الشارع السني ان يهبّوا لنصرة اخوانهم في طرابلس الشام والا سيكون ما لا يحمد عقباه».
من جهة أخرى، تمكن الجيش من تحرير العسكري طنوس نعمة، الذي كان مسلحون قد خطفوه أمس في باب التبانة من سيارة أجرة، وهو من بشري ويخدم في نادي الضباط في جونية. وهو بصحة جيدة.
وفي عرسال، عزز الجيش مواقعه تحسباً لأي اعتداء على مراكزه وشدد من إجراءاته في أماكن تواجد مخيمات النازحين في البلدة وعلى أطراف البلدة ورفع من جاهزيته من خلال وضع طوافات إلى جانب أسلحته المدفعية.
كذلك نفذ الجيش انتشاراً في صيدا القديمة وأطلق النار على فلسطيني رفض الامتثال بالتوقف على أحد الحواجز وأرداه.
وتشهد مناطق البقاع الأوسط والغربي، حالة من الترقب الحذر عقب ورود معلومات عن وجود «سيارات مفخخة» تتحضر لإرسالها في عمل إرهابي ضد مجالس عاشوراء في مناطق محدّدة في البقاع.
ووفق مصادر أمنية رفيعة فإن السيارات جُهّزت في مكان ما في البقاع، وكشفت لـ«البناء» عن وجود «أكثر من مكان تستخدم فيها صناعة العبوات وتفخيخ وتجهيز السيارات التي أصبحت جاهزة منذ فترة»، وهي في «انتظار الساعة الصفر وتحديد المكان». وتشير المصادر إلى «أن عائقاً أمنياً يحول دون استخدامها حتى الآن» بسبب كثافة الدوريات الأمنية والإستخبارية في المنطقة.
كما أفاد مصدر أمني «البناء»، عن تحضيرات للمسلحين في جرود الزبداني والسلسلة الشرقية من لبنان والملاصقة لجرود قوسايا وكفرزبد في البقاع الأوسط، وقد شوهدت تحركات للمسلحين في تلك الجرود غير اعتيادية.
عين الحلوة على خط التوتر
وليلاً أفادت معلومات صحافية أنّ مجهولين ألقوا قنبلة يدوية داخل مخيم عين الحلوة – الشارع الفوقاني على مقربة من نقطة مراقبة للجيش اللبناني.
في سياق متصل نفذت وحدات من الجيش اللبناني تدابير استثنائية في شوارع صيدا القديمة وفي محيط مخيم عين الحلوة، ويقوم الجيش بتفتيش السيارات والتدقيق بهويات المارة.
سلام إلى مؤتمر برلين
على صعيد آخر، يتوجه الرئيس سلام يرافقه وزيري الخارجية جبران باسيل والشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى برلين اليوم للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي دعت إليه ألمانيا يوم غد الثلاثاء، للبحث في معالجة أزمة النازحين السوريين في دول جوار سورية.
وأشار درباس إلى «أن الرئيس سلام سيشارك في الاجتماع الذي ستعقده «مجموعة العمل الدولية لدعم لبنان التي ستبحث في تمويل الصندوق الائتماني بمليارين ومليوني دولار».
كما سيشارك في الاجتماع الذي دعت إليه الدولة الألمانية لمساعدة لبنان في أزمة النازحين السوريين. وأكد درباس «أن لبنان يحمل معه إلى برلين ورقة العمل التي أقرّتها الحكومة لتنظيم النزوح السوري، وسيؤكد أنه الشريك الأكرم في تحمل أزمة النازحين السوريين، وأن على الشركاء الآخرين تقديم حصتهم في هذه الشراكة، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته».