السفارة السعودية وإفطار «الدعسة الناقصة»
روزانا رمّال
في الوقت الذي دأبت السفارة السعودية على تنظيم الدعوات للإفطار الرمضاني السنوي الذي تقيمه في بيروت بطريقة تحرص من خلالها على تظهير شمولها كل مكوّنات البيت اللبناني السياسي باستثناء حزب الله، كان لهذا الحرص البروتوكولي وظيفة تعوّض عما يؤكده التموضع السياسي السعودي في قلب الانقسامات السياسية اللبنانية، بصفتها سنداً ودعماً لما عُرف بالحريرية السياسية، وشريكاً في الاتصالات السياسية لإزالة العقبات الداخلية من أمام رموزها، في زمن الرئيس رفيق الحريري وزمن الرئيس سعد الحريري، بتوظيف مكانة المملكة وتأثيرها على القيادات اللبنانية، سواء بما كانت تقدّمه للدولة اللبنانية من دعم ومساندة أو بما كانت ترعاه وتسهم به في المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان. وفي الساحة المباشرة للاهتمام السعودي، والمتصل بمكونات التمثيل السياسي للطائفة السنية كان الحرص السعودي مماثلاً، بدعوة واستحضار المكوّنات الممثلة نيابياً حتى لو كانت لديها عليها تحفظات، أو تربطها بها خلافات، أو حتى لو كانت تخاصمها في كل ما عدا هذا اليوم البورتوكولي. هذا طبعاً بالإضافة لحرص بروتوكولي خاص على حضور رؤساء الحكومات السابقين والمفتي الحالي للجمهورية ومَن على قيد الحياة من مفتين سابقين.
قبيل الأزمة التي عصفت بالعلاقة بين القيادة السعودية الجديدة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس سعد الحريري ومع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بدت السعودية مأخوذة نحو نظرة جديدة محورها الانفتاح على ما سُمّي بالبيوتات السنية بمن فيها القيادات البعيدة عن السياسة السعودية للبحث عن مشتركات معها، وفي هذا السياق لم يكن دعم تولي الرئيس سلام تشكيل الحكومة مجرد حدث تتبنّاه السعودية لتسهيل ترتيب حكومة جامعة، بل صرّح المسؤولون السعوديون لمن التقوهم من اللبنانيين بأن الخطوة تختزن معاني أبعد بكثير تتصل بقرار انفتاحي سرعان ما سيجد ترجمته بلقاءات تشمل كل القيادات من الطائفة السنية، مع التشديد والإعادة لكلمة «كل». وبالفعل جاءت الاستقبالات التي شملت تقريباً أغلب المكوّنات التي طغت الخلافات على علاقتها بالرياض وشملتها المقاطعة وليس القطيعة، علماً أن أغلب هؤلاء بقي حريصاً على عدم تناول الموقف الخلافي مع السعودية علناً. فكانت العلاقة الإيجابية شبه المنتظمة بالرئيس نجيب ميقاتي، والوزير السابق والنائب الحالي عبد الرحيم مراد، وكان التواصل مع الوزير السابق والنائب الحالي فيصل كرامي، وتحدّث ولي العهد ورئيس المخابرات كثيراً أمام زوارهم وضيوفهم عن العلاقة السيئة بالرئيس الحريري والامتعاض من شأن لا علاقة بالسياسات الإقليمية والداخلية اللبنانية بل بالعلاقة السعودية الحريرية حصراً، وما وصفه السعوديون وقتها باستعمال الموارد السعودية لبناء زعامة حريرية يغيب فيها أي ذكر لقادة المملكة لحساب اسم العائلة الحريرية، ولم تستثن مرحلة الرئيس رفيق الحريري من اللوم والعتب وإبداء الحفيظة، وصولاً للمنح الدراسية لمؤسسة الحريري.
عندما وقعت الأزمة بين الرئيس الحريري والرياض لم يخرج القادة في الطائفة السنية عن الإجماع اللبناني المطالب باستعادة رئيس حكومة بلدهم، لكنهم لم يرفعوا الصوت بوجه المملكة حرصاً على بقاء العلاقات الطيبة، وتشجيع الرياض على مواصلة الانفتاح على الجميع، من دون إظهار الشماتة بالرئيس الحريري، كما فعل بعض حلفائه وحلفاء الرياض معاً، وقد وجد هؤلاء مكاناً مرموقاً لهم في الإفطار الأخير للسفارة السعودية الذي أريد له أن يكون تكريماً للحريري.
ما حدث خلال الأسبوع الذي سبق الإفطار كان عنوانه في العلاقة السعودية الحريرية إبعاد مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري عن الواجهة، ولم يكن أحد يحسب أن يشكّل الأمر للمملكة قضية تحدّد سياستها اللبنانية، وخصوصاً تعاملها مع قادة الطائفة السنية، الذي قرّرت المملكة من تلقاء ذاتها الانفتاح عليهم، وهم ليسوا جدداً على علاقتهم بحزب الله ولا على علاقتهم بسورية. وقد حاورهم قادة سعوديون بمضمون هذه العلاقات دون اعتبارها محرمات تؤذي العلاقة بهم. الجديد الوحيد هو أنهم صاروا نواباً، وتمثيلهم الشعبي حمل المعاني التي تؤكد أنهم يستحقون مكانتهم التي انتزعوها بجدارة من حساب تيار المستقبل ورئيس الحكومة. وكان الترتيب الداخلي الجاهز بروتوكولياً للإفطار قبل إبعاد نادر الحريري من فريق رئيس الحكومة، أن تتم دعوة جميع النواب السنة والتمسك بحضور جميع رؤساء الحكومة السابقين، وفجأة تغيّر كل شيء، فصرف النظر عن دعوة النواب الذين سيزعج حضورهم الرئيس الحريري، وعندما تبلغت السفارة اعتذار الرئيس نجيب ميقاتي عن الحضور لم تبذل الجهد اللازم عادة، للاستفسار والسعي لتذليل الموانع، لأن القضية كانت قد حُسمت. هذا عرس إبعاد نادر ومكافأة الرئيس الحريري.
لماذا إبعاد نادر بات قضية للسعودية؟
الجواب، كما تقول مصادر متابعة لملف علاقة الحريري بالرياض، بعد تطبيع العلاقة، هو بأن ولي العهد يُصرّ على إشارة من الحريري تؤكد أنه مخطئ بحق المملكة، ومسؤول عن الأزمة التي وقعت بينهما، وأنه إذا لم يرد أن يدفع هو ثمن التردي في هذه العلاقة والتسبب بالأزمة، فيجب أن يدفعها أحد من العائلة الحريرية. في علامة يُراد منها القول إن السعودية هي الأصل وليست الحريرية. وأن العلاقة بالسعودية أهم من الحفاظ على الحريرية، وتقول المصادر إن إبعاد نادر الحريري بالاسم كان من ضمن بنود التفاهم الذي رعاه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي ووافق عليه الرئيس الحريري، بمعرفة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن تدخلاً إضافياً من وسطاء طلبه الرئيس الحريري لمنحه مهلة لما بعد الانتخابات سمح ببقاء نادر هذه الشهور، انطلاقاً من أن الرئيس الحريري قال بأن الإبعاد قبل الانتخابات سيربك الماكينة الانتخابية والصورة السياسية ويؤثر على النتائج، فصار الإفطار احتفالاً بنصر السعودية على الحريرية، ولكن بعنوان تكريم الرئيس الحريري.