كتاب «سنوات المراهقة تمرّ بهدوء»… ما بين التحليل والتعليل

إن سنّ المراهقة الآن أطول ممّا سبق، وعقل المراهقين مَرِن بشكل مدهش. هذه الاكتشافات الجديدة تجعل هذه الفترة من حياة أبنائنا، حاسمة في تحديد النجاح والسعادة في نهاية المطاف لهم، وتجعلنا نغيّر الطريقة التي نمارس بها تربيتنا وتعليمنا وتثقيفنا المراهقين من أبنائنا، فإننا حين نلاحظ أن الطفل الرضيع لا يمشى، فإننا لا نعتبر ذلك عجزاً، كذلك المراهقة.. ليست نقصاً أو مرضاً أو عجزاً، بل هي مرحلة من مراحل الحياة، حيث البشر فيها أقل نضجاً مما سيكونون عليه عندما يصبحون راشدين.

والبعض اليوم يرون أن أبناءنا المراهقين أفضل ممّا كانوا عليه منذ سنوات كثيرة مضت. صحيح أنّ كثيراً ممّا كانوا يرتكبوه قد خَفَت توهّجه، لكن ما زال هناك الكثير ممّا يحتاج إلى تصويب من سلوكياتهم، وكأن فريقاً كان يحصل على المركز الأخير، ثمّ تقدم عن موقعه السابق، ووصل إلى ترتيب أفضل، لكنه ما زال لم يصل إلى مقدمة الصفوف. فبعضٌ من مشاكلهم أقل ممّا كانت عليه في الماضي، لكنها ما زالت مرتفعة بشكل غير مقبول، فالأطفال يكبرون بسرعة فائقة لا يشعر بها معظم الآباء.

وهناك أيضاً أدلّة من علم الدماغ، أن الدماغ ليس كامل النضج حتى وقت ما خلال أوائل العشرينات، وتطبيق مصطلح «المراهقة» على الناس في هذا العمر، يتّسق أيضاً مع ما تعلّمناه من علم الأعصاب. وبغضّ النظر عمّا نطلقه من تسميات، فإن الفترة الزمنية التي لم يعد الناس فيها أطفالاً، إنّما لم يصبحوا تماماً بالغين مستقلّين أصبحت أطول وأطول. وقد خلق هذا استطالة المراهقة، وتسبّب في التناقض الهائل والتضليل في الطرق التي نتعامل بها مع الشباب في المنزل، في المدرسة، وفي المجتمع الأوسع.

وقد حان الوقت لإعادة التفكير في الطريقة التي نربّي بها أبناءنا في مرحلة المراهقة، وذلك بسبب الاكتشافات الجديدة في علم دماغ سنّ المراهقة، والتي يمكن أن ترشدنا إلى أفضل طريقة نستطيع بها تربيتهم، والتعامل معهم. لذا، هذه الاكتشافات في غاية الأهمية.

علينا أن نعرف أنّ النموّ يتأثر بشكل كبير بالسياقات المختلفة التي يمرّ خلالها رغم أنه عملية فردية، لأنّ المراهقين يدخلون ويخرجون يومياً في عدد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كالمدرسة والأسرة، والأقران، وكلّ البيئات التي يمرّون خلالها وتساهم في نموّهم، مع الاستقلالية المتزايدة لمرحلة المراهقة. كل ذلك يعطي فرصة، إمّا للنمو السويّ أو للانحراف. لأنّ النموّ المعرفيّ لا يتوقف حين يرنّ جرس المدرسة، والنموّ الاجتماعي لا يتوقف لمجرّد الوصول إلى مركز المراهقة. وفي الحقيقة، أنه في وقت نظن أننا لا نستطيع ويجب ألا نسيطر على أبنائنا المراهقين، نستطيع حينئذ أن نرتّب لهم، كيف يقضون وقتاً مسلّياً آمناً، ونؤمّن لهم السياقات التي توفر لهم نموّاً صحّياً، وتقلّل المخاطر التي يتعرّضون لها، وذلك يتطلّب معرفة بِنَمَاء المراهقين.

نحن نحتاج لأن نركّز على أبنائنا المراهقين أنفسهم واحتياجاتهم، لأنّ كلّ الاهتمام دائماً ينصبّ على الأنظمة والسياسات، وعلى كيفية تقليل جرائم المراهقين. وفي المؤسّسات التعليمية يكون الاهتمام الأكبر في منع التسرّب وزيادة المشاركة الطلّابية، أي يهتمون بالنتيجة، وكل ذلك الاهتمام كان يجب أن يوجّه إلى العملية نفسها أي «تنمية المراهقين»، أي التأكّد أنّهم جاهزون للكلّية وللعمل وللحياة.

ومن المهمّ معرفة الطرق التي بها غيرت المراهقة نفسها في السنوات الأخيرة، ولماذا يتصرّف المراهقون بالطريقة التي يتصرّفون بها، حتى نفهم لماذا يتّسمون بالسلوك المحفوف بالمخاطر، ولماذا يتصرفون بِتَهوّر، بخاصّة حين يكونون مع بعضهم. لأننا نعلم أنه لمجرد بداية سنّ المراهقة، فإن الهورمونات المرتبطة بهذا السنّ، تبدأ في التأثير على الدماغ، وباقي أجزاء الجسم، لذا يبدأ احتساب بداية سنّ المراهقة، مع بداية ظهور هذه التأثيرات، ونهاية فترة المراهقة تبدو بالاقتراب من تمام نضج العقل، أي حوالى سنّ العشرين أو أكبر بقليل. ببساطة تمتد الفترة بين عمر 10 و25 سنة.

وفي ضوء ذلك، يجب على المدارس أن تراعي أن يتضمّن منهجها التركيز مهارات غير معرفية، تشمل المثابرة والعزيمة، لمساعدة الشباب في تطوير القدرة على تأجيل الإشباع، لما بعد انتهاء السنوات الجامعية والحصول على وظيفة مناسبة، مع وجود دخل مناسب.

والمراهقة: هي مجموعة من المخاطر… المرونة والفرص ومرحلة متميّزة من مراحل دورة الحياة التنموية. وهي نظام متعدّد المراحل وعملية انتقالية تتضمّن التقدّم من النضج والتبعية الاجتماعية للطفولة، إلى حياة الراشدين، بهدف وتوقّع استيفاء طاقات النموّ والقوّة الشخصية والمسؤولية الاجتماعية. كما أن هناك تصوّراً للمراهقة من قبل غرانفيل ستانلي هول، مؤسّس علم المراهقين، فينظر إليها كعملية «النهضة» الجسدية والنفسية والاجتماعية، وهي تركيبة تنموية بدنية عميقة، مع تطوّر جوهريّ للنضج، والتكامل الناشئ داخل الأسرة… المجتمع والثقافة.

وتُعرف المراهقة بأنّها العقد الثاني من الحياة، والمرحلة الانتقالية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وهي فترة التغيّرات الكبيرة في حياة الأبناء الصغار، وقت حدوث التغيّرات الجسمية بمعدل سريع، كما يتعرّضون للتغيّرات المعرفية والعاطفية والاجتماعية. وأثناء نموّهم يتأثرون بالعوامل الخارجية مثل الآباء، الأقران، المجتمع، الديانة، المدرسة، الثقافة، وسائل الإعلام، وأحداث الحياة.

وهذه التغيّرات الجسدية المفاجئة والسريعة التي يختبرها المراهقون، تؤدّي إلى أن تكون هذه الفترة من النموّ، واحدة من تجارب الوعي الذاتي، والتي تتّسم بالقلق والحساسية والمقارنات الطاحنة بين الذات والأقران، بسبب التغيّرات الجسدية التي لا تحدث في جدول منتظم.

وقد تنشأ نزاعات داخل الأسرة حول سلوكيات المراهق أو مظاهر تمرّده، ويحتاج الوالدان آنذاك إلى حفظ السيطرة على انفعالاتهما ليكونا مثالاً يحتذى به من المراهق، لأنه أثناء ذهاب المراهق وجدانياً… بعيداً عن أسرته، يكون لمجموعة الأقران تأثير وأهمية خاصة لديه، حيث تصبح ملاذاً آمناً يستطيع المراهق داخلها أن يجرّب أفكاراً جديدة، ويقارن معها النموّين النفسيّ والبدني.

كما أن فهم الأمراض النفسية لدى المراهقين، يجب ترسيخها في التطوّر الطبيعي، لأنّ النموّ الإنساني عملية مستمرّة، لكن قد تكون هناك فترات حرجة فيها وقد ينجح أو يفشل التكيّف خلالها، والفشل له تأثير ثقيل على مسار التطوّر اللاحق في أيّ دورة حياة. والمراهقة هي واحدة من مراحل التحوّلات الحرجة، حيث تتميز هذه المرحلة بالكثير من التغيّرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية، كما تمت ملاحظة أن عدد ومدى التغيرات التي تحدث في مرحلة المراهقة في وقت متزامن، تمثّل في ما بعد التحدّيات الرئيسة التي تمنع تكوين استراتيجيات مواجهة ناضجة وفعالة، لمواجهة السلوكيات التي تمثّل مشكلة في مرحلة المراهقة. وعدم وجود مثل هذه الاستراتيجيات الفعّالة وقت احتياجها، يؤدّي إلى مظهر من مظاهر الأمراض النفسية خلال مراحل الحياة اللاحقة.

لذلك، علينا التفكير في مرحلة المراهقة بشكل مختلف. لحسن الحظ، كان هناك نموّاً هائل في الدراسة العلمية للمراهقة، والخبر السار أنّ المعرفة المتراكمة، والتي تأتي من العلوم السلوكية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم العصبية، توفر الأساس المنطقي الذي يمكن أن يساعد الآباء والأمهات والمعلّمين وأصحاب العمل ومقدّمي الرعاية الصحّية، وغيرهم ممّن يعملون مع الشباب على أن يكون أداؤهم بشكل أفضل، وليتم فهم لماذا أطفال جيّدون يفعلون مثل هذه التصرّفات، المؤكد أنها غير حكيمة، ولذا نتساءل: لأن المراهقة كمرحلة من الحياة تتقلب من حالة لأخرى، ما يتطلّب منّا إصلاحاً جذرياً، فكيف نُربّي المراهقين، وكيف يُنظر إليهم دراسياً، ومن المجتمع؟

ومن خلال معرفتنا عن نموّ المراهقين، نتساءل: لماذا ما كنّا نقوم به لا يعمل؟ وهذا يوضّح لنا كيف أننا نحتاج إلى تغيير سياساتنا وممارساتنا.

لذا، الرحلة خلال سنوات المراهقة قد تكون أيسر إذا حرص الآباء والأمهات والأسَر، وكلّ من له صلة بمراهق أن يتعلّموا الكثير عن حياة المراهق خلال هذه المرحلة، ويعطوه دعمهم. لأنّ غالبية المراهقين تكاد تكون سلوكياتهم متشابهة لأنهم غير متحمّلين المسؤولية، ودوماً ينتقدون آباءهم، ويرتدون ملابس غير مناسبة، وينفقون بغير حساب، ولا يقدّرون ما يقدّمه الأهل لهم، وقد يبدو أنهم يقومون بهذه الأفعال عمداً، في حين أنها طبيعية تماماً في مرحلتهم.

وهم يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، وتتراوح حالتهم المزاجية بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، تتوفّر فيهم كلّ المتناقضات، يدفعون الأهل للوقوف على حافة الجنون إزاء تصرّفاتهم.

فلماذا لا ندخل عالمهم ونفهم دوافع سلوكياتهم غير المنطقية من وجهة نظرنا نحن؟ لماذا لا نقترب بحرص وحذر وحبّ، لعالم أبنائنا المراهقين، العالم الغامض العالم الساحر لهم حتى أنه يفقدهم معقوليتهم.

إننا نحتاج أن نعرف لماذا المساهم الأكبر والأهم في النجاح في مرحلة المراهقة، هو التحكم الذاتي، كما نحتاج أن نعرف كيف نجتاز بوابات عقول أبنائنا لنعرف كيف يفكّرون، لنعود بهم من شتاتهم بعيداً عن توقّعاتنا منهم، إننا نحتاج أن نكسب ثقتهم لندخل سراديبهم العميقة التي يخبّئون فيها عميقاً أسرارهم، إننا نحتاج أن نتعامل كوالدين بشكل أفضل مع أبنائنا المراهقين، حتى نستطيع وضعهم بشكل أفضل على مسارات النجاح.

دراسة في كتاب «سنوات المراهقة تمرّ بهدوء» للمستشارة النفسيّة التربويّة الدكتورة فايزة حلمي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى