أعطني دليلاً واحداً أننا على قيد الحياة

مروى خضور

نحن على قيد حرب على قيد أمل… نحن على قيد أيّ شيء ولكن لسنا على قيد حياة.

أبناء هذه الحرب ووقودها هل من الجدير بنا أن نكون رمادها؟

فحربنا هذه كالموت عند درويش بأنه حادثة وقعت في بداية حياتنا، حيث التقينا بموت صغير وأهديناه شباباً بعمر الورد وقدّمنا له أضحية تعادل ألف حياة.

عندما قرأت قصيدة درويش أول مرة لم أكن أعي أنها تكتب لنا، عندما قال: «الموت حادثة وقعت في بداية هذه القصيدة حيث التقيت بموت صغير وأهديته ورداً وانحنى لها باحترام» .

النار ليست دائماً مذنبة والحرب كذلك رغم قسوتها، ورغم الموت الذي يكلّلها قد نرى من خلالها بعضاً من حياة لو أردنا.

ولكن يحق لنا أن نتساءل أيّ حياة نتمسك بطرفها، وأين سنجدها ونحن على قيد ثماني سنوات من الحرب!

ربما في مقابر الشهداء وهم الأوْلى فبدمائهم تطفأ هذه النار.

أو في قلوب من تبقّى من أناس ذواتهم منكسرة، أو في بيوت غدت صور أبنائها زينة الجدران.

أو ربما كانت تائهة مع عابري الحدود، ولو كانت النتيجة الموت لا مبرّر لأحد أن يغادر وطنه، وهو يحترق بل كان من الأجدر بهم المشاركة في إخماد النار.

هل سيغدو البائع والمشتري والوسيط والثابت والمتغيّر والحارس والسارق والقاتل والمقتول والصادق والكاذب كلهم أبناء هذا الوطن؟

أيّ تناقض نعيش به نريد إخماد حرب، ولكن حتى هذا الوقت لم نقدّم الشيء العظيم… شيئاً يليق بهذه التضحية.

في مسرحية وليم شكسبير الشهيرة يقول هاملت بطل الرواية «يجب أن أكون قاسياً كي نكون لطفاء» ، لا ينفع التساهل مع مدمّري الأوطان، ولو كانوا من أبنائها، العقاب أولاً فالتسامح.

هناك قول ينطبق على حربنا لويليام دزورث في فيلمه «إن الطفل هو والد الرجل» ، وما الحرب عندنا إلا إبنة أبنائها.

كلّ التناقضات يمكن أن تراها هنا على أرضنا، فالتعليم لتدمير الشباب بأفكار لا تتناسب وحجم ما مرّت به سورية.

والتربية انشأت جيلاً بلا أخلاق بات وقود حرب على بلده.

والاقتصاد أوصلنا لانحدار معيشة البشر وزاد الفقير فقراً والغني كدّس المزيد من الأموال.

والمسؤولون عن الشعب أصبحوا مسؤولين عن مسائلهم الخاصة.

كمّ هائل من التناقضات «والرجل الذي كتب هذه الجملة الغنية لا يمكن أن يكتب على الإطلاق» . و« من يأخذ هذه القرارات لا يمكن أن يكون سورياً على الإطلاق» .

ربما التغير والتجديد والتطوير لم يعد ينفع في وقتنا الراهن وكلّ هذه الإصلاحات التي تؤخذ، تزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، وبالنهاية لا شيء نخسره إذا ما جرّبنا السير عكس الطريق الذي انتهجناه وأوصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

لا نريد التغيير على طريقة قلب الساعة الرملية فهنا لن يتغيّر شيئاً إلا الزمن ونحن لسنا بحاجة لهذا التغيير.

على مدار سنوات طويلة كان المسؤولون يتخذون كلّ القرارات لماذا لا تقلب القاعدة الآن لعلها تكون الحلّ، وعلى سبيل المثال وكأبسط نموذج لو كان عامل النظافة مسؤولاً عن عقاب مَن يرمي الأوساخ في الشارع، بعد أن قام هو بتنظيفه، لاكتشفنا أنّ جلّ المتعاقبين هم المسؤولون عن تطبيق القانون.

ولو فعلوا الشيء نفسه مع الطلبة سواء في الجامعات أو المدارس وأعطوهم حرية اختيار قرارات لتسهيل طرق وصولهم إلى أهدافهم، وهم أدرى بها سنستغني عن الكثير من القرارات غير المدروسة التي تصدر من المسؤولين، وتشعل حرباً بينهم وبين الطلبة لدرجة أنّ بعضاً منهم لم يجد طريقة ليتخلص من هذه الضغوط سواء بالانتحار، ألهذه الدرجة أرواحهم باتت رخيصة عند أناس كان عليهم أن يكونوا بمثابة الآباء.

وكذلك المعيشة وغلاء الأسعار لو أعطوا المواطن الحق في معاقبة مَن يتلاعب بتلك الأسعار لوجدنا أنّ أغلبية المعاقبين هم مَن يحمون التجار خدمة لمصالحهم. يمكن أن يحدث كلّ هذا بإشرافهم وبمراقبتهم، ولكن إصلاح الخلل من المفترض أن يكون أدرى به مَن يعانون بسببه.

فما الذي يمنع من أن تقلب المعايير التي لم نحظ بسببها إلا بالكثير من الفوضى والأذى ولربما كانت الحرب نتيجتها ولو بنسب ضئيلة.

وربما هذا لن يغيّر شيئاً جذرياً في إيقاف الحرب، ولكن نستطيع أن نسمّيه «الموت الرحيم» ، فالحرب حرب شئنا أم أبينا، بينما الظلم والفقر والقرارات الخاطئة اختيار.

كلّ هذا رغم أهميته لا يهمّ فالوطن يستحق، والحرب مارد لا يشبع، والموت عندما تلتصق به الحياة يغدو أجمل، «لقد كانت أفضل الأوقات أسوأ الأوقات» . لربما جاء يوم وكان حجم محبتنا لهذا الوطن بحجم ما خسرناه، وإلى مجيء ذلك الوقت نحن لسنا على قيد الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى