برّي رئيساً: لتأليف الحكومة سريعاً
كتب المحرّر السياسي
يبدأ اليوم مع تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري رئيساً مكلفاً لتسكيل الحكومة الجديدة، الاستحقاق الأشدّ صعوبة في ترتيب التوازنات اللبنانية التي كرّستها الانتخابات النيابية، بعدما شهد مجلس النواب أمس، حلقة من حلقات رسم هذه التوازنات، حيث كانت العلامة الأولى نحو مستقبل إيجابي للعلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل في التصويت الذي حصده رئيس المجلس النيابي المُعاد انتخابه لولاية سادسة نبيه بري، ما يعني أن الحلف الحامي للمقاومة والمستند إلى معادلة حلف إقليمي يحقق الانتصارات، يستعيد عافيته التي أصابتها بعض الصدوع في مرحلة الانتخابات الرئاسية وما تلاها وتصاعدت حرارتها في مرحلة الانتخابات النيابية، لتبدو ذاهبة في ترسيخ التهدئة ولغة التعاون والحوار. بينما كانت الإشارة الثانية بانتخاب النائب إيلي فرزلي لمنصب نائب رئيس المجلس، بتعاون أركان هذا الحلف ومعهم أصوات من اللقاء الديمقراطي عبر خلالها زعيم اللقاء وليد جنبلاط عن ماهية تموضعه الجديد، خارج الأحلاف مع تنسيق في التفاصيل يربطه بالرئيس نبيه بري، مهما كان الثمن.
لم يتحمّل الذين اعتادوا الخطاب المفتعل باسم السيادة وهم يبيعون اللبنانيين بضاعة فاسدة لوصاية سعودية هذا التحوّل، الذي فرضته أصوات الناخبين، الذين خذلوهم فردّوا لهم الخذلان خذلاناً. فخرج وزير الداخلية نهاد المشنوق معلناً احتجاجه على ما سماه عودة زمن الوصاية. فيما قالت مصادر قريبة من تيار المستقبل أن الاحتجاج كان يمكن أن يُترجم بصورة أفضل بمنح صوت المشنوق لمرشح القوات اللبنانية للمنصب نفسه، بدلاً من الانسحاب الذي عبّر عن غيظ المشنوق من قرار الرئيس الحريري باستبعاده عن الحكومة بداعي فصل النيابة عن الوزارة، وجدّد المشنوق ترجمة غيظه بغيابه عن الإفطار الرئاسي في بعبدا.
القوات اللبنانية خرجت رغم تباهيها بمضاعفة كتلتها النيابية دون تمثيل اعتادت عليه لسنوات طوال في هيئة مكتب المجلس، التي ضمّت إلى النائبين مروان حمادة وسمير الجسر كممثلين للقاء الديمقراطي وتيار المستقبل، كلاً من النائب ميشال موسى ممثلاً لكتلة التنمية والتحرير والنائبين ألان عون وهاغوب بقرادونيان كممثلين لتكتل لبنان القوي، والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق، وتحدّث النائب القواتي وهبة قاطيشا في لقاء تلفزيوني عن مخاوف من ضغوط على الرئيس الحريري لعدم تلبية المطالب الحكومية للقوات، التي تقوم على قاعدة الرفض المسبق لتناسب التمثيل الوزاري مع حجم التمثيل النيابي متحدثاً عن تمثيل نوعي للكتلة الثانية بين المسيحيين.
عقدة القوات التي قد تعطّل مفاعيل كلام كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري عن الحاجة لتأليف سريع للحكومة الجديدة، وعن قواعد معلومة لتشكيل الحكومة، وعدم الحاجة لإضاعة الوقت، أمام استحقاقات كثيرة، تتمثل في المطالبة بحصة حكومية للمعارضة داخل كل طائفة أو ما تسمّيه بالكتلة الثانية تتخطّى ما يتناسب حجمها النيابي. وهذا سيعني تطبيق المبدأ على عشرة نواب من الطائفة السنية خارج تيار المستقبل، يعادلون نسبياً في طائفتهم الممثلة بسبعة وعشرين نائباً، أكثر مما يعادل وزن خمسة عشر نائباً مسيحياً نالتهم القوات من أصل أربعة وستين نائباً، كما يطرح إشكالية تمثيل أكثر من عشرين نائباً مسيحياً موجودين خارج تكتلي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
مسيرة تشكيل الحكومة ستبدأ من اليوم، والمهلة المتفق عليها بين الرؤساء عون وبري والحريري لا تتعدّى منتصف الشهر المقبل، والتّطلع إلى أن تكون مع الأسبوع الأول من حزيران مع جهوزية الرئيسين عون وبري بمساعدة الحريري في فكفكة العقد بعد تكليفه رسمياً اليوم.
بري رئيساً بأغلبية 98 صوتاً وفرزلي استعاد موقعه
كما كان متوقعاً أعاد المجلس النيابي انتخاب نبيه بري رئيساً له لولاية سادسة وللسنة الـ26 على التوالي بأغلبية كبيرة بلغت 98 صوتاً من دون منافسة مقابل 29 ورقة بيضاء وواحدة ملغاة، أي أكثر مما نال في العام 2009 90 صوتاً ، وذلك في جلسة عقدها المجلس النيابي أمس، في ساحة النجمة حضرها وزراء حكومة تصريف الأعمال ورؤساء جمهورية وحكومة ونواب ووزراء سابقون وشخصيات سياسية وأمنية وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي في لبنان ورؤساء وأعضاء الهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية.
وقد دلّ عدد الأصوات الذي ناله الرئيس بري بأن تكتل «لبنان القوي» قد منح بري حوالي نصف أعضائه أي ما يقارب 14 صوتاً ما يُعدّ رسالة إيجابية من بعبدا الى عين التينة و»نصف تطبيع» بين الرابية وعين التينة، بحسب أوساط نيابية، التي أشارت لـ «البناء» الى أن التوافق السياسي الذي أحاط استحقاق انتخاب رئاسة المجلس ونائبه وهيئة المكتب يعكس إرادة التيار الوطني الحر وأمل للتعاون في المرحلة المقبلة وإدارة الخلافات على بعض الملفات الداخلية. وقد وصفت مصادر الطرفين ما حصل بالإيجابي ويُبنى عليه في المستقبل. وقد سجلت مصافحة بين رئيس التيار الوزير جبران باسيل والرئيس بري هي الأولى منذ وقت طويل لا سيما بعد الأحداث التي رافقت الخلاف بين الطرفين.
وعكست إعادة انتخاب الرئيس بري كأحد أركان المقاومة في لبنان والحلفاء التقليديين لسورية ولمحور المقاوم، ثلاثة أمور: أولاً انتصار المقاومة في الإقليم، وثانياً ثبات المقاومة في الداخل من خلال فوزها بأكثرية المجلس النيابي الجديد مع التيار الوطني الحر، وثالثاً نجاح شخصية الرئيس بري المرنة والوفاقية والتسووية في الداخل والخارج والتجديد لدوره كهمزة وصل جامعة للقوى السياسية كافة.
وقد صوّتت لبري كتل المستقبل والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة واللقاء الديموقراطي والوسط المستقل و المردة والقومي والكرامة والنواب فريد الخازن ومصطفى الحسيني وإدي دمرجيان وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد وعدنان طرابلسي وفؤاد مخزومي وميشال المر وسيزار المعلوف من كتلة «القوات اللبنانية»، ما يعني أن بري حاز على أصوات من مختلف الكتل النيابية التي تشكل المجلس الجديد باستثناء حزبي «القوات» و»الكتائب» الذي تضاربت المعلومات حيال تصويته لبري من عدمه.
وبعد انتخابه، صعد بري الى منصة الرئاسة الثانية وألقى كلمة شكر فيها النواب ست مرات، «على عدد جولات انتخابه». وأكد «جملة مهمات تشريعية للمجلس الحالي أبرزها: تشديد القوانين في مجال الإصلاح المالي ومكافحة الفساد، وإنجاز كل ما يتصل بقطاع النفط وإقرار اللامركزية الإدارية». وقد وضع بري بما يشبه البيان الوزاري للحكومة المقبلة وسحب أي نزاع محتمل حول مسألة المقاومة، وقال: «إن أهم واجب سيكون للمجلس هو حماية الدستور وحماية العيش المشترك، ورفض التوطين. ويشكل أيضاً حصنا لحدودنا السيادية البرية والبحرية والجوية والرد الوطني دولة وشعباً وجيشاً ومقاومة على عدوانية إسرائيل وانتهاكاتها لحدودنا وأجوائنا ومياهنا الإقليمية». وكان رئيس السن النائب ميشال المر افتتح جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وأعضاء هيئة المكتب بحضور النواب الـ 128.
وعاد النائب إيلي فرزلي الى موقعه الذي شغله قبيل العام 2005 كنائب لرئيس المجلس بأكثرية 80 صوتاً ولما يحمله ذلك من تحوّل على المستوى الداخلي لاعتبار فرزلي من الشخصيات المقربة لسورية، وقد صوّت للفرزلي تكتل «لبنان القوي» وفريق 8 آذار و5 من أعضاء اللقاء الديموقراطي وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي وفريق 8 آذار، والملاحظ بأن كتلة المستقبل لم تمنح جميع أصواتها لمرشح كتلة «القوات» النائب أنيس نصار الذي نال 32 صوتاً 14 منهم من كتلة القوات، مع اعتبار أن سيزار المعلوف أعطى صوته للفرزلي و4 نواب من كتلة اللقاء الديموقراطي و3 من الكتائب ما يعني أن كتلة المستقبل لم تمنح نصار أكثر من 11 صوتاً فقط من أصل 21 وهذا له تفسيران: إما اتفاق من «تحت الطاولة» بين المستقبل والتيار الوطني الحر لبلوغ فرق كبير في الأحجام بين التيار الوطني والقوات وإما دفعة من المستقبل على الحساب مع القوات لموقفها السلبي خلال أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية في 4 تشرين الماضي.
وقد استنكرت أوساط القوات عزلها وعدم تمثيلها في المجلس النيابي لا سيما مع فوز النائب العوني ألان عون في أمانة السر مكان النائب السابق أنطوان زهرا، كما انتخب النائب مروان حمادة أمين سر والنواب أغوب بقرادونيان وسمير الجسر وميشال موسى كمفوضين. ما يطرح السؤال حول حجم تمثيل القوات في الحكومة المقبلة والذي سيشكل إشكالية في عملية التشكيل، بحسب مراقبين.
وفور تقبله التهاني بإعادة انتخابه في المجلس النيابي توجه بري ونائبه وهيئة مكتب المجلس الى بعبدا في زيارة بروتوكولية وعلى وقع استقبال ثلة من لواء الحرس الجمهوري توجّه بري إلى مكتب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واستقبله رئيس الجمهورية عند مدخل المكتب مهنئاً ومتمنياً له التوفيق ثم عقدا اجتماعاً على انفراد اتسم بالود والايجابية ثم انضم فرزلي والهيئة الى الاجتماع. وأطلع بري رئيس الجمهورية على نتائج الانتخابات، وتداول معه في المراحل المقبلة، وأعلن انطلاق الاستشارات النيابية اليوم.
والحريري يُكلَّف اليوم للتأليف
وبات مؤكداً أن الرئيس الحريري سيحصل على تأييد نحو 104 أصوات لتكليفه تشكيل الحكومة الجديدة وهي: كتلة المستقبل 20 وكتلة اللقاء الديموقراطي 9 وكتلة الرئيس ميقاتي 4 وتكتل لبنان القوي 29 وكتلة التنمية والتحرير 17 وكتلة تيار المردة 3 وكتلة القوات 15، في حين أكدت مصادر النائب عبد الرحيم مراد بأنه لن يصوّت لتكليف الحريري ولن يترك الأمر بعهدة رئيس الجمهورية بينما لم تحسم الموقف كتل الوفاء للمقاومة والقومي والكتائب والنواب المستقلون أسامة سعد وفؤاد مخزومي وفيصل كرامي وجهاد الصمد وجميل السيد. وبحسب معلومات «البناء» تجتمع قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي صباح اليوم لاتخاذ القرار المناسب حيال تكليف رئيس للحكومة لجهة التسمية من عدمها أم ترك الأمر في عهدة رئيس الجمهورية، علماً أن لقاء الكتلة القومية الذي يضمّ النواب أسعد حردان وسليم سعادة وألبير منصور مع رئيس الجمهورية في بعبدا الساعة 1 و45 دقيقة ظهراً.
كما رجّحت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن تضع كتلة الوفاء للمقاومة أصواتها بعهدة رئيس الجمهورية، مشيرة الى أن «حزب الله لن يسمّي الحريري لرئاسة الحكومة، لكنه لن يخوض معركة لعرقلة عودته الى السراي الحكومي، لافتة الى أن الحزب وإن كان لا يزال على خلاف سياسي مع الرئيس الحريري حيال عدد من الملفات والسياسات الداخلية، لكنه يحترم الميثاقية ومستعدّ للتعاون لما فيه مصلحة البلد واستقراره ووحدته الوطنية ونجاح العهد الرئاسي والحكومة المقبلة».
وكانت لافتة زيارة النائب عدنان طرابلسي ووفد من جمعية المشاريع الخيرية أمس، الى بيت الوسط ولقائها الحريري، وتأتي بعد الأحداث الأمنية والتوتر بين الجمعية والمستقبل خلال الانتخابات النيابية، وأعلن طرابلسي تسمية الحريري لرئاسة الحكومة في مؤشر على إعلان التعاون بين الطرفين في المرحلة المقبلة.
وبعد تكليفه لتأليف الحكومة من المرجّح أن يبدأ الحريري مشاوراته مع الكتل النيابية كافة الاثنين المقبل في المجلس النيابي وذلك للاطلاع على رؤيتها لشكل الحكومة المقبلة ومطالبها لجهة عدد الوزراء ونوع الحقائب.
عون: حكومة وحدة وطنية ومعايير للتأليف
وقد رسم الرئيس عون ملامح الحكومة المقبلة ومعايير تأليفها والأولويات التي يجب أن تنجزها، وأعلن في كلمة له خلال الإفطار الرمضاني الذي أقامه في قصر بعبدا أمس، بحضور رئيس المجلس المنتخب وشخصيات سياسية ودبلوماسية ودينية، أن «الخطوة التالية بعد تشكيل السلطة التشريعية، هي تشكيل حكومة وحدة وطنية تقدر على مجابهة التحديات»، و»من هنا، الجميع مدعو الى تسهيل تأليف الحكومة العتيدة في أسرع وقت ممكن، فالوضع الضاغط لا يسمح بإضاعة الوقت، ومعايير التأليف معروفة وليس علينا إلا الالتزام بها وتطبيقها». وانتقد عون «الخطاب الحادّ الذي يجب أن يتوقف ولغة العقل يجب أن تعود، فالتحديات أمامنا كبيرة، داخلياً وخارجياً، ولا يمكننا أن نواجهها إلا بوحدتنا وتضامننا وبإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية».
وإذ شدد الرئيس عون على اهمية العمل من اجل تنفيذ الخطة الاقتصادية الموضوعة، رأى ان «أي خطة اقتصادية لن يكتب لها النجاح الكامل اذا لم نبادر إلى وضع أسس عملية لحل مشكلة النازحين السوريين المتفاقمة التي تولد أعطاباً في كل مفاصل الاقتصاد اللبناني، إضافة الى انعكاساتها الاجتماعية والأمنية على مجتمعنا، وعلى مستقبل شبابنا. إن وقت الكلام والتحذيرات من هذه المشكلة قد انتهى، وحان الوقت للانكباب الرسمي على وضع خطة حل عملية، تؤدي إلى الهدف المنشود منها، وهو عودة النازحين الى المناطق الآمنة في بلادهم، وعدم انتظار الحل النهائي للأزمة السورية».
وأكد رئيس الجمهورية أن معركة الفساد المؤجلة قد آن أوانها، فلتكن المعركة التي توحّد اللبنانيين هي معركة القضاء على الفساد. وهي المعركة الحقيقية الجديرة بأن تخاض وأن تُعدّ لها كل الأسلحة. فهي معركة للبناء لا للتدمير، والانتصار فيها هو انتصار لكل الوطن ولكل المواطنين. وأضاف: «لا نريد لمكافحة الفساد أن تتحول شعاراً وكلاماً انتخابياً يندثر مع طلوع الفجر، بل نريدها عملاً دؤوباً من كل المعنيين وجهوداً حازمة توصل الى المبتغى، الى إدارة نظيفة نزيهة وشفافة. عهد علينا، ووعدنا لجميع اللبنانيين، أنه وقبل أن يهلّ هلاله مجدداً في السنة المقبلة ستكون دولتكم قد أنجزت خطوات حاسمة على طريق اجتثاث الفساد من لبنان».
وسبق الإفطار لقاء بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس كل على انفراد ثم لقاء ثلاثي بين الرؤساء الثلاثة.