شكراً للرئيس ترامب!
جاك يوسف خزمو
لا بُدّ من تقديم الشكر للرئيس الأميركي دونالد ترامب على اعترافه بالقدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، وكذلك لانسحابه من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وللعديد من القرارات التي اتخذها سابقاً أو قد يتخذها في الأشهر المقبلة.
والشكر له لا يأتي لأنّ قراراته صائبة وصحيحة ومنطقية، ولكن لأنه كشف عن وجه «أميركا» الحقيقي تجاه العرب بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص… وأيضاً تجاه التزام «أميركا» بالاتفاقيات التي توقع عليها، إذ أنّ الرئيس ترامب «لحس» و»شطب» ما وقعت عليه أميركا في عدة اتفاقات في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، حتى ولو كانت مع حلفاء لها مثل الدول الأوروبية.
أعادت قراراته القضية الفلسطينية الى الواجهة، وخاصة موضوع القدس، فاعتبر العالم هذا القرار خارجاً عن قرارات ومواثيق الشرعية الدولية، كما أنه كشف حقيقة موقف بعض الدول العربية تجاه القدس، إذ أنّ هذه الدول، ونعني بها قادتها المرتمين بأحضان أميركا، تنازل زعماؤها عنها فعلياً، ويؤيدون الموقف الأميركي الداعم الأعمى للمطالب والرغبات الإسرائيلية.
ونصدّق الآن، بعد أن كنا لا نصدّق في السابق لأننا كنا مخدوعين الى حدّ ما، ما نقله إلينا وفد فلسطيني زار الخليج قبل سنوات، والتقى بأحد الأمراء، وأبلغ الوفد الأمير أنّ القدس في خطر، والأقصى في خطر، وانه عرضة للهدم، فردّ الأمير على أعضاء الوفد قائلاً: «إذا هدموه، فإننا سنبنيه مجدّداً وبشكل أجمل وأروع».
وكذلك نشكر الرئيس ترامب لأنه وحّد الفلسطينيين في الميدان، وفي الوقوف في وجه المؤامرة التي تستهدف القضية الفلسطينية، فكلّ الفصائل ضدّ قرارات ترامب، وضدّ صفقته التي يتحدّث عنها كثيرون، قبل أن يكشف أو يعلن عن بنودها بصورة رسمية وجدية حتى الآن.
مواقف ترامب المؤيدة لـ «إسرائيل» في إخراج قضيتي القدس وحق العودة عن طاولة المفاوضات جعلت الشعب الفلسطيني يتحرك ليقاوم سلمياً هذه المواقف من خلال «مسيرات العودة» التي تحرج «إسرائيل» الى حدّ كبير، وتضعها في مأزق سياسي كبير من خلال قيام قواتها في استخدام القوة بصورة مفرطة في مواجهة هذا النضال السلمي الذي يلقى، وخاصة في قطاع غزة، دعماً وتفاعلاً شعبياً واسع النطاق.
والشكر لترامب لأنه يكشف عن أنه «أداة» طيّعة في يد اللوبي الصهيوني في أميركا، ولأنّ أميركا بدأت تخسر المزيد من النفوذ والمصداقية في العالم… وفقدت سيطرتها على العالم لأنها ليست الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وليست القطب الوحيد أيضاً، إذ ظهرت دول عظمى عديدة تستطيع منافسة وتحدّي السياسة الأميركية في كلّ مكان من العالم.
وشكراً لترامب لأنه «يدلل إسرائيل» الى حدّ كبير، هذا «الدلال» أدّى الى كشف نوايا قادتها الذين لا يريدون «سلاماً» ولا «استقراراً»، بل يريدون أن يحكموا العالم وخاصة العالم العربي عبر الدعم الأميركي اللامحدود.. هذا «الدلال» أدّى الى تطاول حكومة «إسرائيل» على قرارات الشرعية الدولية، وأدّى الى استياء شعوب العالم مما تقوم به وتمارسه من إجراءات قمعية ضدّ شعبنا الفلسطيني.
يقول المثل «رب ضارة نافعة»، وهذا المثل ينطبق على الرئيس ترامب إذ أنّ قراراته وتصرفاته وتصريحاته الضّارة كانت «نافعة» لقضيتنا.. ولكن المطلوب من قادتنا، وكذلك قادة العالم، ان يقفوا موقفاً موحداً إزاء سياسة أميركية تعرّض الأمن والسلم الدوليّين للخطر. وعلى الشعب الأميركي ان يستيقظ من سباته، ويدرك أنّ دعم «الظالم» في العالم ليس لصالحه، بل هو انتهاك كبير وحادّ للقيم والاخلاق الرفيعة التي تنصّ عليها وتحاول صونها الأنظمة والقوانين الأميركية!
ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيادر» ـ القدس المحتلة