حول «الانفجار القادم في الشرق الأوسط»

حميدي العبدالله

نشر دينيس روس الدبلوماسي الذي خدم في الإدارات الديمقراطية، وتحديداً في إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما، مقالاً في دورية «نيويورك ديلي نيوز الأميركية» وأعاد «معهد واشنطن» نشر المقال الذي حمل العنوان أعلاه «الانفجار القادم في الشرق الأوسط». روس هنا لا يتحدث عن الانفجار القادم بوصفه احتمالاً، بل وكأنه أمر حتمي، ويستند في هذا الاستنتاج على ما أسماه «تبادل لإطلاق النار في سورية بين إسرائيل وإيران، وانسحاب الرئيس الأميركي من خطة العمل الشاملة المشتركة، أيّ الاتفاق النووي مع إيران، وافتتاح السفارة الأميركية في القدس، والمظاهرات التي تقودها حماس في غزة». ويعلّق على هذه التطورات قائلاً «من غير المحتمل أن تكون أيّ من هذه التطورات محدودة الوقت أو النطاق». وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، «عاموس يدلين» قد أشاع مثل هذا الاستنتاج وتوقع أن يكون شهر أيار ربما هو شهر اندلاع هذا الانفجار استناداً إلى الوقائع ذاتها التي تحدث عنها دينيس روس.

لكن السؤال المطروح، هل فعلاً «الانفجار قادم في الشرق الأوسط»؟

إذا كان الجواب مرتبطاً بالاستفزازات الأميركية لا سيما ضدّ إيران وضدّ سورية وحتى ضدّ روسيا والصين وتركيا، فإنّ هذا الاحتمال فعلاً قائم، وسياسة ترامب هي اللعب بالنار، وإذا كان الجواب مرتبط بما يقوم به نتنياهو من اعتداءات في سورية، وإصراره على مواصلة هذه الاعتداءات وتوسيع نطاقها، فإنّ ذلك ليس فقط لعباً بالنار، بل إنه يقود إلى حرب كبرى، أيّ إلى الانفجار الذي يتحدث عنه دينيس روس. لكن وقوع الانفجار مرتبط بأمور أخرى هي التي ستقرّر إذا ما كان الذي يجري هو سياسة حافة الهاوية أم أنه تمهيد «للانفجار القادم في الشرق الأوسط».

هناك عاملان أساسيان هما اللذان يحدّدان ما إذا كان هذا الانفجار قادم أم لا:

العامل الأوّل، وضع «إسرائيل». أيّ انفجار قادم، وأيّ عمل يتجاوز سياسة حافة الهاوية نحو الانفجار، أيّ تحول الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على سورية إلى مواجهة مفتوحة يعني أنّ ساحة سقوط الصواريخ والقذائف لن تكون محصورة بالأراضي السورية أو الأراضي اللبنانية، بل إنّ «إسرائيل» من أقصاها إلى أقصاها ستكون ساحة لسقوط هذه الصواريخ بأعداد وقدرات ومدى زمني لا يمكن التعايش معه، وهذا ما تحسب له تل أبيب الحساب. وهنا تكمن معادلة الردع، وطالما أنّ تل أبيب غير قادرة على تحييد ساحتها الداخلية عن «الانفجار القادم» فإنّ هذا الانفجار لن يقع.

العامل الثاني، الولايات المتحدة ذاتها لا تستطيع الذهاب إلى الحرب، لأنّ كلفة الحرب باهظة نظراً لانتشار قواتها في سورية والعراق ومنطقة الخليج، فضلاً عن أنّ حرباً مع إيران وسورية وحلفائها في المقاومة وحتى في العراق واليمن تجعل هؤلاء قادرين على توسيع رقعة الحرب لتشمل المنطقة بكاملها، بما تمثله من مصالح هامة للولايات المتحدة وللدول الغربية وللعالم كله، وفي ظلّ الوضع الدولي الراهن، حيث علاقات واشنطن مع موسكو وصلت إلى أبعد من الحرب الباردة، والعلاقات الأميركية الصينية في توتر شديد على خلفية قضايا سياسية وتجارية، وعلاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين ليست على ما يرام بسبب سياسات ترامب.

لكلّ ما تقدّم، فإنه من الصعب على ترامب مهما حشد في إدارته من متطرفين إقناع الأميركيين بالذهاب إلى مثل هذه الحرب.

لكلّ ما تقدّم، فإنّ الانفجار في الشرق الأوسط غير قادم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى